اذا كان القابض لأرواح البشر هو ملك واحد اسمه عزرائيل، فكيف يمكن له وهو واحد أنْ يقبض أرواح الآلاف اذا ماتوا دفعة واحدة، خصوصاً إذا كانوا في أماكن متباعدة؟.

الشبهة: جاء في الآيات والروايات المتعددة إنّ روح الإنسان تُقبض عند موته على يد ملك اسمه عزرائيل ونتيجة الموت يطرح هنا هذا التساؤل: عندما ينتهي عمر آلاف البشر في نفس اللحظة وفي أماكن متباعدة من العالم من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. أولاً: كيف يستطيع عزرائيل التواجد في نقاط العالم الأربع في نفس الوقت؟ ثانياً: حتى لو كان هؤلاء في منطقة واحدة كما حصل في القصف النووي الأميركي لليابان فكيف يستطيع عزرائيل ان يقبض روح كل واحد منهم على حدة وفي نفس الوقت؟. اذا كان القابض لأرواح البشر هو ملك واحد اسمه عزرائيل، فكيف يمكن له وهو واحد أنْ يقبض أرواح الآلاف اذا ماتوا دفعة واحدة، خصوصاً إذا كانوا في أماكن متباعدة؟.

: اللجنة العلمية

جواب الشبهة إجمالاً:

إنّ القابض للأرواح ليس عزرائيل لوحده، بل هنالك مجموعة من الملائكة تعينه على ذلك، مع أنّ الإشكال المذكور يأتي في عالم الماديات وما تحكمها من قوانين الزمكان، هذا بالإضافة إلى إمكان أنْ يكون تأثير ملك الموت في قبض الأرواح كتأثير الشمس الواحدة على الموجودات المتعددة. 

جواب الشبهة تفصيلاً: 

أولاً: ان القابض للأرواح هو الملك المقرب عزرائيل (عليه السلام) وهذا ثابت لا لبس فيه، قال تعالى: (  قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ )(1) غير أنّ عزرائيل لا يمارس ذلك بالإستقلال عن الله عزَّ وجلّ بل إنّما هو بأمر الله تبارك وتعالى، ولأجل ذلك نُسب الموت إلى الله تعالى في القرآن، يقول سبحانه: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا )(2).

ثانياً: إنّ ملك الموت الذي نسب إليه قبض الأرواح لا يُمارس القبض لوحده، بل هنالك من يعينه على هذه المهمة، وإلى ذلك أشار الله عزَّ وجلّ في كتابه الكريم بقوله تعالى: (َهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ )(3).

وروى الصدوق عن الامام الصادق ( عليه السلام ) حيث قال: (وسئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عزَّ وجلّ: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) وعن قول الله عزَّ وجلّ: ( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) وعن قول الله عزَّ وجلّ: ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ) و ( الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ ) وعن قول الله عزَّ وجلّ: (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا) وعن قوله عزَّ وجلّ: (وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ) وقد يموت في الساعة الواحدة في جميع الآفاق ما لا يحصيه إلا الله عزَّ وجلّ فكيف هذا؟ فقال: إنّ الله تبارك وتعالى جعل لملك الموت أعواناً من الملائكة يقبضون الأرواح بمنزلة صاحب الشرطة له أعوان من الإنس ويبعثهم في حوائجه فتتوفاهم الملائكة ويتوفاهم ملك الموت من الملائكة مع ما يقبض هو ويتوفاها )(4).

ثالثاً: لو سلمنا بأنّ الذي يقبض الأرواح كلها وفي آنٍ واحد هو ملك واحد وهو عزرائيل ( عليه السلام )، غير أنّ ما أورد من الإشكال لا يرد عليه إذا عرفنا أنّه قد اودعه الله قوة خارقة، وحركة فوق الزمان والمكان، فكلنا يعلم بان قانون الزمان والمكان إنّما يحكم عالم المادة، وكلما ابتعدنا عن عالم المادة وتحررنا منها، كلما تخلصنا من الزمان، وهذا ما أقرّته أحدث النظريات الحديثة كالنظرية النسبية لإينشتاين.

رابعاً: ألا يمكن أنْ يكون تأثير ملك الموت في قبض الأرواح كتأثير الشمس التي ترسل بضوئها ودفئها إلى كل ما طلعت عليه مع أنها واحدة؟

وخلاصة الجواب:

1- إنّ القابض للأرواح ليس ملك الموت لوحده بل هنالك ملائكة كثر يساعدونه على ذلك.

2- إنّ الإشكال المذكور جاء نتيجة لإنغلاق أذهاننا على عالم المادة المحكوم بالزمكان، وأما إذا تحررنا قليلاً عن هذا العالم فإنّ الإشكال سوف يتبدد.

3- إنّ تأثير ملك الموت في قبض الأرواح من الممكن أنْ يكون كتأثير الشمس في الموجودات مع وحدة الشمس وكثرة الموجودات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1- سورة السجدة / ايه 11

  2- سورة الزمر / ايه 42 

  3- سورة الانعام / ايه 61 

  4- من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق / ج 1 / باب غسل الميت / ح 368