هل أن الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) قد غاب في السرداب الموجود الان ام لا
السلام عليكم ورحمة الله
إنَّ قضيّةَ السّردابِ مِن أكثر القضايا التي تُذكرُ لغرضِ الطّعنِ في الشّيعةِ الإماميّةِ وتشويهِ مذهبِهم بتسخيفِ قضيّةِ الإمامِ المهديّ عجّلَ اللهُ فرجَه، ولو تتبّعنا كلماتِ مُخالفي الشّيعةِ في هذهِ المسألةِ عبرَ التّاريخِ لعلِمنا أنَّ قضيّةَ السّردابِ ليسَت إلّا كذبةً صلعاءَ بدأَت صغيرةً وكبُرَت معَ التّاريخِ كما تكبرُ كلُّ كذبةٍ إلى أن وصلَت لِما عليهِ اليوم:
أوّلُ مَن ذكرَ قضيّةَ السّردابِ بحسبِ البحثِ القاصرِ والاستقراءِ النّاقصِ هوَ السّمعانيّ (المُتوفّى 562 هـ) في أنسابِه، حيثُ قالَ: السّامرّيُّ بفتح السّينِ المُشدّدةِ والميمِ والرّاءِ المُشدّدةِ أيضاً، هذهِ النّسبةُ إلى بلدةٍ على الدّجلة فوقَ بغداد بثلاثينَ فرسخاً يُقالُ لها: سُرَّ مَن رأى، فخفَّفها النّاسُ وقالوا: سامرّةٌ، وبها السّردابُ المعروفُ في جامعِها الذي تزعمُ الشّيعةُ أنَّ مهديَّهُم يخرجُ منه.
الأنسابُ 3/202.
ثمَّ تبعَهُ الحمويّ (المُتوفّى 626هـ) في مُعجمِه فقالَ عندَ حديثِه عَن سامرّاءَ: وبها السّردابُ المعروفُ في جامعِها الذي تزعمُ الشّيعةُ أنَّ مهديّهُم يخرجُ منه، وقد ينسبونَ إليها بالسّرمرّي.
معجمُ البُلدانِ 3/173.
ومنها بدأَت تتطوّرُ القضيّةُ ويزيدُ فيها كلٌّ مِن كيسِه:
فقَد زادَ ابنُ القيّمِ (المُتوفّى 751هـ) عدّةَ تفاصيلَ أخرى تختلفُ عنِ المذكورةِ فقالَ: وأمّا الرّافضةُ الإماميّةُ فلهُم قولٌ رابعٌ، وهوَ أنَّ المهديَّ هوَ مُحمدٌ بنُ الحسنِ العسكريّ المُنتظَرِ مِن ولدِ الحُسينِ بنِ عليٍّ لا مِن ولدِ الحسنِ، الحاضرُ في الأمصارِ الغائبُ عنِ الأبصارِ الذي يورّثُ العصا ويختمُ الفضا، دخلَ سردابَ سامرّاءَ طِفلاً صغيراً مِن أكثر من خمسِ مئة سنةٍ، فلَم ترهُ بعدَ ذلكَ عينٌ ولَم يُحسَّ فيهِ بخبرٍ ولا أثر، وهُم ينتظرونَه كلَّ يومٍ يقفونَ بالخيلِ على بابِ السّردابِ، ويصيحونَ بهِ أن يخرُجَ إليهم: أخرُج يا مولانا لآحتج يا مولانا ثمَّ يرجعونَ بالخيبةِ والحرمانِ فهذا دأبُهم ودأبُه. المنارُ المنيف 152.
وجاءَ بعدَهُ ابنُ أبي العزِّ الحنفيّ (المُتوفّى 792هـ) فزاَد في الطّنبورِ نغمةً وغيّرَ خيل ابن القيّم بدابّةٍ أو بغلٍ، قالَ: والرّافضةُ أخسرُ النّاسِ صفقةً في هذهِ المسألةِ لأنّهُم جعلوا الإمامَ المعصومَ هوَ الإمامَ المعدومَ، الذي لَم ينفعهُم في دينٍ ولا دُنيا، فإنّهُم يدّعونَ أنَّ الإمامَ المُنتظرَ محمّدٌ بنُ الحسنِ العسكريّ الذي دخلَ السّردابَ في زعمِهم سنةَ ستّينَ ومائتين أو قريباً مِن ذلكَ بسامرّاءَ، وقَد يقيمونَ هُناكَ دابّةً إمّا بغلةً وإمّا فرساً ليركبَها إذا خرجَ، ويقيمونَ هُناكَ في أوقاتٍ عيّنوا فيها مَن يُنادي عليهِ بالخروجِ: يا مولانا، أُخرج! يا مولانا، أخرج! ويشهرونَ السّلاحَ؛ ولا أحدَ هُناكَ يُقاتلُهم، إلى غيرِ ذلكَ منَ الأمورِ التي يضحكُ عليهم منها العُقلاء. شرحُ الطّحّاويّة 381.
ومنَ المُضحكِ أنّهُ جاءَ بعدَهُم مَن نقلَ السّردابَ مِن مكانِه!
فجاءَ ابنُ خلدون (المُتوفّى 808هـ) وجعلَ سردابَ المهديّ المزعومِ في "الحلّةِ" فقالَ: وقالَ مثلهُ غُلاةُ الإماميّةِ وخصوصاً الإثنا عشريّة منهُم، يزعمونَ أنَّ الثّاني عشرَ مِن أئمّتِهم وهوَ مُحمّدٌ بنُ الحسنِ العسكريّ ويلقّبونَه المهديّ، دخلَ في سردابٍ بدارِهم في الحِلّةِ وتغيّبَ حينَ إعتُقلَ معَ أمّهِ وغابَ هُنالك، وهوَ يخرجُ آخرَ الزّمانِ فيملأُ الأرضَ عدلاً يشيرونَ بذلكَ إلى الحديثِ الواقعِ في كتابِ التّرمذيّ في المهديّ وهُم إلى الآنَ ينتظرونَه ويسمّونَهُ المُنتظرَ لذلكَ، ويقفونَ في كلِّ ليلةٍ بعدَ صلاةِ المغربِ ببابِ هذا السّردابِ وقد قدّموا مركباً فيهتفونَ باسمِه ويدعونَهُ للخروجِ حتّى تشتبكَ النّجومُ ثمَّ ينفضّونَ ويرجئونَ الأمرَ إلى اللّيلةِ الآتيةِ وهُم على ذلكَ لهذا العهدِ.
تاريخُ ابنِ خلدون 249.
بَل ادّعى ابنُ بطّوطةَ (المُتوفّى 779هـ) أنّه زارَ هذا السّردابَ في "الحِلّة" فقالَ: بهذهِ المدينةِ –الحلّة- مسجدٌ على بابِه سترُ حريرٍ مسدولٍ وهُم يسمّونَهُ مشهدَ صاحبِ الزّمانِ، ومِن عاداتِهم أن يخرُجَ في كُلِّ ليلةٍ مائةُ رجُلٍ مِن أهلِ المدينةِ عليهم السّلاح وبأيديهم سيوفٌ مشهورةٌ، فيأتونَ أميرَ المدينةِ بعدَ صلاةِ العصرِ يأخذونَ منهُ فرساً مُسرجاً مُلجماً أو بغلةً كذلكَ، ويضربونَ الطّبولَ والأنفارَ والبوقاتِ أمامَ تلكَ الدّابّةِ، ويتقدّمُها خمسونَ منهُم ويتّبعُها مثلُهم ويمشي آخرونَ عَن يمينِها وشمالِها ويأتونَ مشهدَ صاحبِ الزّمانِ فيقفونَ بالبابِ ويقولونَ: باسمِ اللهِ يا صاحبَ الزّمانِ، باسمِ اللهِ أخرُج قَد ظهرَ الفسادُ وكثُرَ الظّلمُ وهذا أوانُ خروجكَ فيُفرّقُ اللهُ بكَ بينَ الحقِّ والباطلِ ولا يزالونَ كذلكَ وهُم يضربونَ الأبواقَ والأطبالَ والأنفارَ إلى صلاةِ المغربِ وهُم يقولونَ : إنَّ مُحّمداً بنَ الحسنِ العسكري دخلَ ذلكَ المسجدَ وغابَ فيه وأنّهُ سيخرجُ وهوَ الإمامُ المُنتظرُ عندَهُم. رحلةُ ابنِ بطّوطة 214.
وجاءَ القرمانيّ (المُتوفّى 1019هـ) فنقلَ السّردابَ مئاتِ الأميالِ إلى "بغداد" حيثُ قالَ: وزعمَ الشّيعةُ أنّهُ غابَ في السّردابِ ببغدادَ والحرسُ عليه سنةَ ستٍّ وستينَ ومائتين، وإنّهُ صاحبُ السّيفِ القائمِ المُنتظَرِ قبلَ قيامِ السّاعة،...، وكانَ مِن عادةِ الشّيعةِ ببغدادَ في كلِّ يومِ جُمعة يأتونَ بفرسٍ مشدودةٍ ويقفونَ عندَ بابِ السّردابِ ويدعونَ باسمِ المهديّ، واستمرّوا على هذهِ الحالِ إلى أن آلَ الأمرُ للسّلطانِ سُليمان خان مِن بني عُثمان، واستولى على مدينةِ بغداد وأبطلَ تلكَ العادةَ. آثارُ الدّول 1/353.
أمّا الزّبيديّ (المُتوفّى 1205هـ) فقَد أخرجَ السّردابَ مِن كُلِّ العراقِ وجعلَهُ في بلادِ فارس وتحديداً في الرّيّ بَل اختلقَ فرقةً جديدةً مِن فرقِ الشّيعةِ لَم يذكُرها غيرُه، قالَ: والسّردابيّةُ قومٌ مِن غُلاةِ الرّافضةِ ينتظرونَ خروجَ المهديّ منَ السّردابِ الذي بالرّيّ، فيحضرونَ لذلكَ فرساً مُسرّجاً ملجّماً في كلِّ يومِ جمعةٍ بعدَ الصّلاةِ قائلينَ: يا إمام، باسمِ اللهِ، ثلاثَ مرّاتٍ.
تاجُ العروسِ 2/75.
والحقُّ أنّهُ لا وجوَد لقضيّةِ السّردابِ البتّةَ بَل غايةُ ما في الأمرِ هوَ أنَّ آخرَ مكانٍ شُوهدَ فيهِ الإمامُ المهديّ (عجّلَ اللهُ فرجه الشّريف) كانَ سرداباً في دارِ أبيهِ، فقد روى الرّاونديّ في الخرائجِ: ما رويَ عَن رشيقٍ حاجبِ المادراني قالَ: بعثَ إلينا المُعتضدُّ رسولاً وأمرَنا أن نركبَ ونحنُ ثلاثةُ نفرٍ، ونخرجَ مُخفّينَ على السّروجِ ونَجنُبَ آخر، وقالَ: الحقُوا بسامرّاءَ، واكبسوا دارَ الحسنِ بنِ عليّ، فإنّه توفّيَ ومَن رأيتُم فيها فأتوني برأسِه؛ فكبسنا الدّارَ كما أمرَنا، فوجدنا داراً سرّيّةً كأنَّ الأيدي رُفعَت عنها في ذلكَ الوقتِ، فرفعنا السّترَ وإذا سردابٌ في الدّارِ الأُخرى ، فدخلناهُ وكأنَّ فيهِ بحراً وفي أقصاهُ حصيرٌ - قد علمنا أنّهُ على الماءِ - وفوقَهُ رجلٌ مِن أحسنِ النّاسِ هيئةً قائمٌ يُصلّي فلَم يلتفِت إلينا ولا إلى شيءٍ مِن أسبابِنا؛ فسبقَ أحمدُ بنُ عبدِ الله ليتخطّى فغرقَ في الماءِ، وما زالَ يضطربُ حتّى مددتُ يدي إليهِ فخلصتُه وأخرجتُه، فغشيَ عليهِ وبقيَ ساعةً، وعادَ صاحبي الثّاني إلى فعلِ ذلكَ، فنالهُ مثلُ ذلكَ، فبقيتُ مبهوتاً؛ فقلتُ لصاحبِ البيتِ: المعذرةُ إلى اللهِ وإليكَ، فواللهِ ما علمتُ كيفَ الخبرُ، وإلى مَن نجيءُ وأنا تائبٌ إلى اللهِ، فما إلتفتَ إليَّ بشيءٍ ممّا قلتُ، فانصرفنا إلى المُعتضدِّ، فقالَ: اكتموهُ، وإلّا أضربُ رقابَكُم.
الخرائجُ والجرائحُ 1/460.
أمّا بعدَ غيبتِه فمسكنُه المدينةُ المنوّرةُ، يدلُّ على ذلكَ ما رواهُ الشّيخُ الكُلينيّ رضوانُ الله عليهِ بسندِه عَن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام قالَ: لابُدَّ لصاحبِ هذا الأمرِ مِن غيبةٍ ولابُدَّ لهُ في غيبتِه مِن عُزلةٍ، ونعمَ المنزلُ طيبةَ. الكافي 1/340.
وهوَ سائحٌ في الأرضِ يشهدُ المواسمَ ويلتقي شيعتَهُ يعرفُهم ولا يعرفونَهُم، كما روى ذلكَ النُّعمانيّ رضيَ اللهُ عنهُ في غيبتِه: عَن أبي عبدِ اللهِ ( عليه السّلام ) أنّهُ قالَ: للقائمِ غيبتانِ يشهدُ في إحداهِما المواسمَ يرى النّاسَ ولا يرونَه فيهِ. الغيبةُ 181.
اترك تعليق