هل من بايع علياً في خلافته اعتقدوا فيه انه امام منصوب من الله ام مجرد خليفة مثله مثل البقية، وهل اعتقد اهل المعصوم فيه انه معصوم و يعلم الغيب؟
السؤال هل من بايع علياً في خلافته اعتقدوا فيه انه امام منصوب من الله ام مجرد خليفة مثله مثل البقية، وهل اعتقد اهل المعصوم فيه انه معصوم و يعلم الغيب؟ ارجو ان يكون رداً علمياً بالنصوص لانها مسالة ليست سهلة بنسبة لي، والجواب هو الفيصل؛ لانه لا يمكن ان نكون نحن افهم ممن بايع علياً، وإن كانوا لا يعتقدون فيه العصمة و علم الغيب والتنصيب الالهي من اين جات هده العقائد؟ و شكرا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نختصرُ الإجابةَ على هذا السّؤالِ في بعضِ النّقاط:
أوّلاً: إنَّ العقائدَ منَ الأمورِ التي يجبُ أن يستدلَّ عليها الإنسانُ بالبُرهانِ القاطعِ، سواءٌ كانَ نصّاً صريحاً أو دليلاً عقليّاً مُحكماً، أمّا الظّنونُ التي لا تكشفُ عَن حقيقةِ الأمورِ ولا ترتقي بالفكرِ إلى مُستوى الإطمئنانِ الجازمِ لا يعوّلُ عليها في العقائدِ، وعليهِ فإنَّ البحثَ عنِ العصمةِ أو علمِ الإمامِ يجبُ أن يكونَ مِن خلالِ دلالةِ العقلِ والنّصوصِ، ومتى ما ثبتَ ذلكَ لأيّ إنسانٍ وجبَ الإعتقادُ بهِ حتّى لو خالفَهُ جميعُ البشرِ.
ثانياً: اليقينُ والقناعةُ بأيّ فكرةٍ أو عقيدةٍ منَ الأمورِ الشّخصيّةِ ولا يكتفي الإنسانُ بقناعةِ الآخرينِ، بَل يجبُ عليهِ تحصيلُ العلمِ بما يؤمنُ ويعتقدُ، وعليهِ لا يبني الإنسانُ قناعتَه بناءً على قناعةِ الآخرينَ، فلا يقولُ طالما لَم يؤمِن فلانٌ أو الجماعةُ الفُلانيّةُ بهذهِ الفكرةِ أنا لا أؤمنُ بها أو هيَ باطلةٌ. قالَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السّلام) في ردِّه على الحارثِ بنِ حوطٍ الرّانيّ عندَما قالَ: أظنُّ طلحةَ والزّبيرَ وعائشةَ إجتمعُوا على باطلٍ؟ فقالَ: يا حارُث! إنّهُ ملبوسٌ عليكَ، وإنَّ الحقَّ والباطلَ لا يُعرفانِ بالنّاس، ولكِن إعرِف الحقَّ تعرِف أهلَه، واعرِف الباطلَ تعِرف مَن أتاهُ.
ثالِثاً: التّباينُ بينَ البشرِ طبيعةٌ مُتأصّلةٌ في كُلِّ المُجتمعاتِ، ولا يخلو المُجتمعُ المُؤمنُ منها، فالإختلافاتُ النّاتجةُ عنِ التّباينِ على مُستوى الإدراكِ والفهمِ أو على مُستوى الإلتزامِ والأخلاقِ، أو على مُستوى العواملِ المُؤثّرةِ في بناءِ شخصيّةِ الإنسانِ تُؤدّي في المُحصّلةِ إلى تمايزٍ بينَ البشرِ في درجاتِ الإيمانِ والإعتقاد، وعليهِ منَ الطّبيعيّ أن نجدَ أنَّ هُناكَ إختلافاً بينَ أصحابِ أميرِ المُؤمنينَ (عليه السّلام) على مُستوى معرفتِهم بهِ، وفي حديثِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) إشارةٌ لِهذا التّباينِ حيثُ قال: حذيفةُ بنُ اليمانِ مِن أصفياءِ الرّحمنِ، وأبصرُكم بالحلالِ والحرامِ، وعمّارٌ بنُ ياسرٍ منَ السّابقينَ، والمِقدادُ بنُ الأسودِ منَ المُجتهدينَ، ولكُلِّ شيءٍ فارسٌ، وفارسُ القُرآنِ عبدُ اللهِ بنُ عبّاس). عَن أبي عبدِ اللهِ (عليه السّلام) قالَ: ذُكِرَتِ التّقيّةُ يوماً عندَ عليٍّ بنِ الحُسينِ (عليهما السّلام) فقالَ: واللهِ لَو علمَ أبو ذرٍّ ما في قلبِ سلمانَ لقتلَه، ولقَد آخى رسولُ اللهِ بينَهُما فما ظنُّكم بسائرِ الخلقِ إنَّ علمَ العُلماءِ صعبٌ مُستصعبٌ، لا يحتملُه إلّا نبيٌّ مُرسلٌ أو ملكٌ مُقرّبٌ، أو عبدٌ مُؤمنٌ إمتحنَ اللهُ قلبَه للإيمانِ، فقالَ: وإنّما صارَ سلمانُ منَ العُلماءِ لأنّهُ إمرؤٌ منّا أهلَ البيتِ، فلذلكَ نسبتُه إلى العُلماء.
رابِعاً: أيُّهما يوجبُ الحيرةَ ويستدعي السّؤالَ، القولُ إنَّ بعضَ مَن بايعَ أميرَ المؤمنين لا يؤمنونَ بعصمتِه، وهوَ أمرٌ يمكنُ تفهُّمُه، حيثُ يكفي لمُبايعتِه الإيمانُ بأنّهُ أفضلُ الموجودينَ أو لعدالتِه أو لغيرِ ذلكَ منَ الأسبابِ، ولكِن كيفَ نتفهَّمُ موقفَ الذينَ حاربوهُ وخرجُوا عليهِ وكفّروه وفي الأخيرِ أردوهُ قتيلاً في مِحرابِه؟ وكما يبدو أنَّ هذا أولى بالبحثِ والسّؤالِ، فمَن يقفُ على هذهِ المواقفِ العدائيّةِ لأميرِ المُؤمنينَ سوفَ يتفهّمُ موقفَ الذين بايعوهُ ولم يؤمنُوا بكونِه إماماً معصوماً مُفترضَ الطّاعة.
خامِساً: إنَّ الشّيعةَ الإماميّةَ إستدلّوا على عصمةِ الأئمّةِ عليهم السّلام بالكتابِ العزيزِ، وبالسّنّةِ المُطهّرةِ، وبالعقلِ، وأدلّتُهم على عصمةِ الأئمّةِ (عليهم السّلام) تامّةٌ صحيحةٌ، ولا يمكنُ التّشكيكُ فيها بمُجرّدِ القولِ أنَّ بعضَ أصحابِ الإمامِ لَم يقُل بها. فالقاعدةُ حاكمةٌ بضرورةِ إرجاعِ المُتشابهاتِ إلى المُحكماتِ، فلو قبلنا أنَّ بعضَ أصحابِ الإمامِ لا يعتقدونَ بعصمتِه منَ المُتشابهاتِ، فحينَها يجبُ الرّجوعُ إلى المُحكَمِ وهوَ ثبوتُ العصمةِ لهُ بحُكمِ الكتابِ والعقلِ.
سادِساً: عدمُ إعتقادِ بعضِ أصحابِ الأئمّةِ بعصمتِهم (عليهم السّلام) لا يصلحُ دليلاً في مُقابلِ الكتابِ والسُّنّةِ والعقلِ، وإلّا لصحَّ لنا أن ننفيَ عصمةَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)؛ لأنَّ جُملةً مِن أصحابِه كانُوا لا يعتقدونَ بعصمتِه كما هوَ ظاهرٌ معلومٌ مِن سيرتِهم معهُ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، حيثُ كانوا يخالفونَه ويعارضونَه، ولا يعتقدونَ بأنّه مُصيبٌ في جميعِ أفعالِه وأقوالِه، وكانُوا يقدّمونَ آراءَهم على قولِه، وهُناكَ رواياتٍ مُتعدّدةٌ تدلُّ على ذلكَ لا يناقشُ في صحّتِها أو يشكّكُ فيها، وهذا دليلٌ واضحٌ على أنّهم لا يرونَ عصمتَه (صلّى اللهُ عليه وآلِه)، فهَل يحقُّ لنا أن ننفيَ عصمتَه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لأجلِ ذلكَ؟!
سابِعاً: إنَّ أصحابَ الإمامِ عليّ (عليه السّلام) الذينَ جاءَ مدحُهم في رواياتِ الأئمّةِ مِن أمثالِ سلمانَ وأبي ذرّ والمقدادِ ومالكٍ الأشترِ وغيرِهم كانُوا يعرفونَ قدرَه وما لهُ منَ الفضلِ والكرامةِ وكلماتُهم كاشفةٌ عَن ذلكَ، فعَن سلمانَ الفارسيّ رضيَ اللهُ عنه: (ألا يا أيّها النّاسُ إسمعُوا عنّي حديثي ثمَّ إعقلوه عنّي، ألا وإنّي أوتيتُ عِلماً كثيراً، فلو حدّثتُكم بكلِّ ما أعلمُ مِن فضائلِ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام لقالَت طائفةٌ منكُم: هوَ مجنونٌ، وقالَت طائفةٌ أُخرى: اللّهمَّ إغفِر لقاتلِ سلمان - إلى أن قالَ: - أما والذي نفسُ سلمانَ بيدِه لو ولّيتموها عليّاً لأكلتُم مِن فوقِكُم ومِن تحتِ أرجلِكم، ولو دعوتُم الطّيرَ لأجابتكُم في جوّ السّماءِ، و لو دعوتُم الحيتانَ منَ البحارِ لأتتكُم، ولما عالَ وليُّ اللهِ، ولا طاشَ لكُم سهمٌ مِن فرائضِ اللهِ، ولا إختلفَ إثنانِ في حُكمِ اللهِ، ولكِن أبيتُم فولّيتموها غيرَه، فأبشروا بالبلاءِ .
وعَن أبي ذرٍّ الغفاريّ رضيَ اللهُ عنه وهوَ آخذٌ بحلقةِ بابِ الكعبةِ: (أيّها النّاسُ! مَن عرفني فقَد عرفني، ومَن لَم يعرفني فسأنبّئُه باِسمي: فأنا جندبُ أبو ذرٍّ الغفاريّ - إلى أن قالَ: - ألا أيّتها الأمّةُ المُتحيّرةُ بعدَ نبيّها، لو قدّمتُم مَن قدّمَ اللهُ، وأخّرتُم مَن أخّرَ اللهُ، وجعلتُم الولايةَ حيثُ جعلَها اللهُ لما عالَ وليُّ اللهِ، ولما ضاعَ فرضٌ مِن فرائضِ اللهِ، ولا اختلفَ إثنانِ في حُكمٍ مِن أحكامِ اللهِ... فذوقوا وبالَ ما كسبتُم . وهناكَ رواياتٌ يتحدّثُ فيها أصحابُ الأئمّةِ عَن مقامِ أميرِ المُؤمنينَ (عليه السّلام) بكلماتٍ جعلتِ البعضَ يُصنّفُها مِن رواياتِ الغلوّ في عليٍّ (عليه السّلام).
اترك تعليق