« أبدِله مِن بعدِ خوفِه أمناً، يعبدُك لا يشركُ بكَ شيئاً » هل الإمامُ (ع) عندَ نزولِ النوائبِ والخوفِ يمكنُ أن يُشركَ باللهِ تعالى؟

ممكن توضيح هذا المقطعِ مِن دعاءِ الافتتاح: « أبدِله مِن بعدِ خوفِه أمناً، يعبدُك لا يشركُ بكَ شيئاً »، هل الإمامُ (عليهِ السلام) عندَ نزولِ النوائبِ والخوفِ يمكنُ أن يُشركَ باللهِ تعالى؟ هل هذا هوَ المفهومُ منَ الدعاء؟

: - اللجنة العلمية

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،وردَ في دعاءِ الافتتاح ـ وهيَ منَ الأدعيةِ التي تُقرأ في كلِّ ليلةٍ مِن ليالي شهرِ رمضان ـ: « اللهمَّ وصلِّ على وليِّ أمرِك القائمِ المؤمّل، والعدلِ المُنتظَر، أحفُفه بملائكتِك المُقرّبين، وأيّده بروحِ القُدسِ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ اجعَله الداعي إلى كتابِك، والقائمَ بدينِك، استخلِفه في الأرضِ كما استخلفتَ الذينَ مِن قبلِه، مكِّن له دينَه الذي ارتضيتَه له، أبدِله مِن بعدِ خوفِه أمناً، يعبُدكَ لا يُشرِك بكَ شيئاً ». [ينظر: مصباحُ المُتهجِّد ص581، تهذيبُ الأحكام ج3 ص110، إقبالُ الأعمال ج1 ص141].  أقولُ: لا شُبهةَ ولا إشكالَ في أنَّ بقيّةَ اللهِ في الأرضين، الإمامِ المهديّ (عجّلَ اللهُ فرجه)، مُنزّهٌ عن الكُفر، منفيٌّ عنه الشرك، معصومٌ منَ الذنب، مُطهّرٌ منَ الرجس، وكلُّ ذلكَ بعنايةِ اللهِ تعالى وحفظِه، ولُطفِه وحراستِه، فإنّ الإنسانَ مهما علا مقامُه وارتفعَت درجتُه لا ينفكُّ عن الاحتياجِ والافتقارِ للتوفيقاتِ الإلهيّةِ والتسديداتِ الربّانيّة، للحفاظِ على مكانتِه وقُربه، أو لزيادةِ القُربِ وارتفاعِ الدرجة.  وقولهُ: « لا يشرك بك شيئاً » يفيد العموم؛ إذ النكرة ـ وهي (الشيء) ـ وقعت في سياق النفي، وهي تفيد الشمول والاستغراق، فهذه العبارة تفيد نفي جميع مراتب الشرك، وسائر أنواعه، سواء الشرك في الذات أو الصّفات أو الأفعال، وسواء الشرك الجليّ أو الخفيّ، وغير ذلك من أنواعه ومراتبه.  ولا يحسبنّ المرء أنّ الشرك مقصورٌ على إثبات الشريك لله (جلّ جلاله)، فإنّ هذا من أجلى وأوضح مصاديقه، وبنفيه يثبت الإيمان بالله تعالى، وهو متحقّق لدى آحاد المؤمنين، إلّا أنّ الشرك يطلق في الاستعمال القرآنيّ والحديثيّ على غير ذلك أيضاً، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا يُؤمِنُ أَكثَرُهُم بِاللَّهِ إِلا وَهُم مُشرِكُونَ} [سورة وسف: 106]، وروى الشيخ الكلينيّ في [الكافي ج2 ص397] بالإسناد عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قول الله (عزّ وجل): {وَمَا يُؤمِنُ أَكثَرُهُم بِاللَّهِ إِلا وَهُم مُشرِكُونَ} قال: « يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك »، فقد عُدّت إطاعة الشيطان شركاً، وهذا شركٌ في الطاعة وليس شرك عبادة، كما روى ذلك الشيخُ الكلينيّ بالإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير الآيةِ: « شركُ طاعة وليس شركَ عبادة ».  ومن أنواع الشرك: الشركُ في التسليم للهِ ولحجّتهِ، فقد روى الكلينيّ بالإسناد عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: « قال أبو عبد الله (عليه السلام): لو أنّ قوماً عبدوا اللهَ وحدهُ لا شريك له، وأقاموا الصّلاة، وآتوا الزكاة، وحجّوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثمّ قالوا لشيء صنعهُ الله أو صنعهُ النبيّ (صلى الله عليه وآله): ألا صنع خلاف الذي صنع؟ أو وجدوا ذلك في قلوبهم، لكانوا بذلكَ مشركين، ثم تلا هذهِ الآية: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام ) : فعليكم بالتسليم ». ومن الشرك: الابتداعُ في الرأي من غير حجّة، روى الكلينيّ أيضاً بالإسنادِ عن بريدٍ العجلي، عن أبي جعفرٍ (عليه السلام) قال: « سألتُه عن أدنى ما يكونُ العبدُ به مشركاً، قال: فقال: مَن قالَ للنواة إنّها حصاة، وللحصاة إنّها نواة، ثمّ دان به »، وعن أبي العباس قال: « سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن أدنى ما يكون به الانسانُ مشركاً، قال: فقال: مَن ابتدعَ رأياً فأحبّ عليه أو أبغضَ عليه ».  إلى غير ذلك من النصوصِ التي تبيّنُ تعدّد مراتبِ الشركِ واختلافِ أنواعه، وممّا يبيّنُ صعوبتهُ وعدمَ خلوّ مؤمنٍ منه عدا مَن عصمهُ اللهُ تعالى، ما ورد في الحديث: « الشركُ أخفى في هذه الأمّة من دبيبِ النملةِ السوداءِ على الصّخرةِ الصّماء في الليلة الظلماء » [ينظر: الوافي ج8 ص1084].  وما أردناهُ بسرد هذه النصوصِ هو أن نبيّن أنّ المنفيّ في الدعاء « يعبدك لا يشرك بك شيئاً » هو سائرُ أنواع ومراتب الشرك، سواء الجليّة أو الخفيّة، وسواء العلميّة أو العمليّة، وسواء في الطاعة أو العبادة، وسواء في الذاتِ أو الصّفاتِ أو الأفعال، إلى غير ذلك، ومثل هذا الإطلاق لا يثبتُ إلّا في حقّ المعصوم من كلّ دنس، المطهّر من كلّ رجس؛ إذ هو معنى يسانخ العصمة التامّة ويجانسُ الطهارة الكاملة؛ إذ كلُّ معصيةٍ تُعدّ شِركاً، كما تقدّمَ في بعضِ النصوص.  وعِصمةُ اللهِ تعالى لعبادِه المُصطفينَ ابتدائيّةٌ واستمراريّةٌ، وليسَت ابتدائيّةً فحسب، فهوَ يحتاجُ في كلِّ آنٍ لتسديدِ اللهِ تعالى وتوفيقِه وتأييدِه، كما يحتاجُه في أصلِ وجودِه بل كلِّ وجودِه.والدعاءُ لحُججِ اللهِ تعالى محبوبٌ ومُستحسَن، وما صلاتُنا على النبيّ وآلِه (صلّى اللهُ عليهم) إلّا خيرُ شاهدٍ على ذلك، فإنّهم مكلوءون بالعنايةِ الإلهيّة، محفوفونَ بالرّحمةِ الربّانيّةِ، ومعَ ذلكَ أمرَنا اللهُ تعالى أن نُصلّي عليهم، وندعو لهم بكلِّ خيرٍ وعافية.  وهناكَ وجهٌ آخرُ في معنى الدعاءِ ذكرَه السيّدُ روحُ اللهِ الخُمينيّ، وحاصلهُ: أنّه لا شكَّ في أنّ الإمامَ المهديّ (عجّلَ اللهُ فرجه) معصومٌ عن سائرِ أنحاءِ الشرك، ولكن بما أنّه مُتكفّلٌ بتربيةِ العباد، وهدايتِهم علماً وعملاً، وإيصالِهم للكمالِ، وحينئذٍ فما يصدرُ عن العبادِ مِن تقصيرٍ ونحوِه فإنّه يُنسبُ إليه (عليهِ السلام)؛ باعتبارِ أنّهم أمّتُه ورعاياه، وهو مسؤولٌ عنهم.  قالَ السيّدُ في [التعليقةِ على الفوائدِ الرضويّة ص109ـ110]:  « ولهذا كانَت استقامةُ الأمّةِ استقامةَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله9، ووردَ منه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) عندَ قولِه تعالى في سورةِ هود: {فَاستَقِم كَمَا أُمِرتَ}: (شيّبَتني سورةُ هود)؛ لمكانِ هذهِ الآية، وإلّا فهوَ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بوجودِه المُقدّسِ ميزانُ الاستقامة.  ووردَ في بعضِ الأدعيةِ عندَ الدعاءِ لبقيّةِ اللهِ في الأرضين، وحُجّةِ اللهِ على العالمين، صاحبِ الأمرِ (صلواتُ اللهِ عليه، وأرواحُنا له الفداء) بقولِه: (يعبُدك لا يُشركُ بكَ شيئاً)، معَ كونِه (روحيَ لهُ الفداء) خالصاً عن أنحاءِ الشركِ فعلاً وصفةً وذاتاً، فشركُ الأمّةِ وعبادتُهم يعدّ منه؛ لكونِه الأصل، وسائرُ الناسِ مِن فروعه ». وقالَ في [مصباحِ الهداية ص48]: «  فإن كنتَ ذا قلبٍ مُتمكَّنٍ في التوحيد وحصلَ لكَ الاستقامةُ الَّتي قالَ النبيّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآله) فيها: (شيّبَتني سورةُ هود)؛ لمكانِ هذهِ الكريمة؛ لنقصانِ أمّتِه وتكفّلِه لهم ».  وعلّقَ عليها بقوله: «  كما أنّ قولَه (عليهِ السلام) في دعاءِ الافتتاح، فيما يدعو لمولانا القائمِ (روحي لهُ الفداء)، وهوَ: (مكِّن له دينَه الَّذي ارتضاهُ له، وأبدِله مِن بعدِ خوفِه أمناً، يعبُدكَ لا يُشرِك بكَ شيئاً) محمولٌ على ذلك؛ فإنّ العبادَ أوراقُ شجرةِ الولاية، والأوراقُ زينةُ الشجرة، فالوليّ مُتكفّلٌ لتربيةِ العباد، فلهذا ينتسبُ تركُهم إليهِ وعبادتُهم إليه (صلواتُ اللهِ عليه)، تلطَّف تجِد واضحاً ». والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.