ماصحة المقوله المنسوبة الى أمير المؤمنين(عليه السلام) "شاوروهن وخالفوهن فهن ناقصات العقول"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أقولُ: في هذا الحديثِ أمرانِ لا بُدَّ مِن أخذِهما في الاعتبارِ حتّى نصلَ إلى الجوابِ الذي نطمئنُّ إليهِ.
الأمرُ الأوّلُ يتعلّقُ بإسنادِه: وهوَ أنَّ هذا الحديثَ لا يُنسبُ إلى أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلام فحسب , وإنّما يُنسَبُ أيضاً إلى النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) , وكذلكَ يُنسبُ إلى عُمرَ بنِ الخطّابِ , وإلى عائشةَ وإلى أنسٍ. وهوَ على كُلِّ حالٍ لا يصحُّ كما سيتبيّنُ بعدَ قليلٍ. والأمرُ الآخرُ يتعلّقُ بمتنِه: وهوَ أنَّ هذا الحديثَ على إطلاقِه فيهِ عدّةُ محاذيرَ نبيّنُها لاحِقاً بعدَ التّعرّضِ لإسنادِه.
فأمّا ما يتعلّقُ بإسنادِه , فإنَّ هذا الحديثَ رويَ مِن طُرقِ العامّةِ والخاصّةِ, فأمّا طرقُ العامّةِ , فيقولُ أحدُ عُلمائِهم وهوَ المباركفوريّ في كتابِه (تحفةُ الأحوذيّ بشرحِ جامعِ التّرمذيّ) في تعليقِه على هذا الخبرِ: (ج6/ص446): قلتُ: قالَ صاحبُ مجمعِ البحارِ في كتابِه تذكرةُ الموضوعاتِ في المقاصدِ: (شاوروهنَّ وخالفوهنَّ) لَم أرَهُ مرفوعاً, ولكِن رُوِيَ عَن عُمر : خالفوا النّساءَ, فإنَّ في خلافهنَّ البركةَ, بَل رُوِيَ عن أنس رفعَه: لا يفعلنَّ أحدُكم أمراً حتّى يستشيرَ, فإن لم يجد مَن يستشيره, فليستشِر امرأةً, ثُمَّ ليُخالِفها, فإنَّ في خلافِها البركةَ, وفي سندِه عيسى ضعيفٌ جدّاً, معَ أنّهُ مُنقطعٌ, وعَن عائشةَ مرفوعاً بطُرقٍ ضِعافٍ: طاعةُ النّساءِ ندامةٌ. ثُمَّ إنَّ المعروفَ عَن عُلمائِهم - في عدّة أسئلةٍ وُجِّهَت إليهم - سواءٌ أكانوا في الأزهرِ أم في السّعوديّةِ أم في غيرِهما, أنّهم يتّفقونَ على أنَّ هذا الحديثَ لا يصحُّ عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله). وأمّا ما يتعلّقُ بطُرقِنا الخاصّة, فالأحاديثُ في هذا البابِ عَن أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام مُرسلةٌ ومقطوعةٌ , ولا يُعرفُ لها إسنادٌ ما. نعَم, وردَ هذا الحديثُ مُسنداً إلى النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله). إذ رواهُ الشّيخُ النّوريّ في كتابِه (مُستدرَكُ الوسائل), (ج14/ص264), والمجلسيّ في كتابِه البحارُ [ 9627 ] 3 – وغيرُهما ، نقلاً عَن كتابِ (الإمامةِ والتّبصرةِ) لعليٍّ بنِ بابويه عَن هارونَ بن موسى ، عَن مُحمّدٍ بنِ عليّ ، عَن مُحمّدٍ بنِ الحُسينِ ، عَن عليٍّ بن أسباط ، عَن ابن فضّالٍ ، عنِ الصّادقِ ، عَن أبيهِ، عَن آبائِه ،عنِ النّبيّ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) ، قالَ : (شاوروا النّساءَ وخالفوهُنَّ ، فإنَّ خلافَهُنَّ بركةٌ ).
قلتُ: وهذا الحديثُ مدارُه على شيخِ هارونَ بنِ موسى, وهوَ مُحمّدُ بنُ عليٍّ بنِ مُعمّرٍ, فهوَ مجهولٌ لا يُعرفُ منهُ شيءٌ سِوى في هذا الخبرِ. وقَد ذكرَهُ الطّوسيّ في رجالِه في بابِ مَن لم يروِ عنِ الأئمّةِ عليهمُ السّلام. ولم يُورِد فيهِ جرحاً أو تعديلاً, فهوَ - إذن - مجهولٌ كما قُلنا. والحديثُ إنفردَ به, ولم يروِه أحدٌ مِن عُلمائِنا في كُتبِهم المُعتبرةِ أو غيرِها, فتأمّل!
ثُمَّ إنّهُ على فرضِ أنَّ هذا الحديثَ صحيحٌ, فإنَّ العُلماءَ لم يحملوهُ على جميعِ النّساءِ وخصوصاً الخيّراتِ منهنَّ, وإنّما حملوهُ على أشرارِ النّساءِ, ويُؤيّدُ ذلكَ ما يُروى عَن أميرِ المُؤمنينَ عليه السّلام في هذا البابِ: أنَّ النّساءَ نواقصُ الإيمانِ نواقصُ العقولِ, نواقصُ الحظوظِ، فأمّا نُقصانُ إيمانهنَّ، قعودهنَّ عنِ الصّلاةِ والصّيامِ أيّامِ حيضهنَّ, وأمّا نقصانُ عقولهنَّ , فشهادةُ إمرأتينِ بشهادةِ رجُلٍ واحدٍ, وأمّا نقصانُ حظوظهنَّ, فمواريثُهنَّ على النّصِف مِن مواريثِ الرّجلِ, فاتّقوا أشرارَ النّساءِ, وكونوا مِن خيارهنَّ على حذرٍ.
وهُنا تجدرُ الإشارةُ إلى أنّهُ لا ينبغي للمُؤمنِ أو المؤمنةِ - حينَ يقرأونَ مثلَ هذهِ الأخبارَ - أنّ تذهبَ بهُما مُخيّلتُهما إلى التّفكيرِ السّيّء, فيتصوّرونَ أنَّ هُناكَ ظُلماً ما قَد وقعَ على النّساءِ مِن قبلِ الشّرعِ نفسِه, فيتناسونَ أنَّ اللهَ جلَّ وعلا بمُقتضى حكمتِه قَد جعلَ إستمراريّةَ الحياةِ البشريّةِ مُتوقّفةً على دعامتينِ, هُما الرّجلُ والمرأةُ, فجعلَ لكُلٍّ منهُما دوراً أساسيّاً في هذا المجالِ, بأن أودعَ في كلٍّ منهُما قوىً ومشاعرَ لتوظيفِها في الجهةِ المَقصودةِ, فكانَ السّهمُ الأوفرُ منَ العواطفِ والحنانِ والأحاسيسِ مِن نصيبِ المرأةِ, خصوصاً أنّها في أغلبِ الأحيانِ تكونُ ربّةَ البيتِ, وأُمّاً للأطفالِ. في حينِ أنَّ وظيفةَ الرّجلِ هيَ إدارةُ العائلةِ, إذ أنَّ التّوغّلَ في المُجتمعِ يحتاجُ بالضّرورةِ إلى تدبيرٍ راقٍ وعقلٍ مُدبّرٍ, فلِذا كانَ نصيبُه مِن قوّةِ العقلِ أكثر, فلِذا عُرِفَ عنِ النّساءِ تغليبُ حُكمِ العاطفةِ على حُكمِ العقلِ بعكسِ الرّجالِ, فمِن هُنا يُحمَلُ التّحذيرُ الواردُ في مثلِ هذهِ الأخبارِ على ذلكَ, ولكِن معَ الأخذِ بعينِ الإعتبارِ أنَّ الفارقَ الأساسيَّ بينَهُما لا يعني أنَّ الرّجلَ دائِماً وفي جميعِ الأحوالِ يكونُ أعظمَ درجةً منَ المرأةِ في الإسلامِ، بَل هوَ بمعنى تقسيمِ الوظائفِ والأدوارِ ليسَ إلّا ، حتّى إنّه وردَ عَن الإمامِ الصّادقِ (عليه السّلامُ) أنّهُ قالَ: ( رُبَّ امرأةٍ خيرٌ مِن رجل).
ثُمَّ إنَّ الواقعَ العمليَّ لحياةِ المُسلمينَ يؤيّدُ أخذَ رأي المرأةِ الفاضلةِ إذا كانَ رأيُها موافِقاً للحقِّ, وإنَّ مِـمّا يُستأنسُ بهِ في هذا المقامِ ما يُروى مِن طُرقِ العامّةِ أنَّ النّبيَّ ( صلّى اللهُ عليه وآله ) قد استشارَ أمَّ سلمةَ رضوانُ عليها في قضيّةِ الحُديبيّةِ, إذْ دلَّ ذلكَ على وفورِ عقلِها ورجاحتِه, وكذلكَ فإنَّ نبيَّ اللهِ شُعيباً عليهِ السّلام قَد أخذَ برأي ابنتِه حينَ قالَت لهُ: يا أبتِ استأجرهُ إنَّ خيرَ مَنِ استأجرتَ القويُّ الأمين. وغيرها من الأخبارِ في هذا الباب . ودُمتم سالمين.
اترك تعليق