ما معنى الحركة الجوهرية التي قال بها المرحوم ملا صدرا رحمه الله؟ وهل تفضي إلى القول بصحة نظرية التطور ام ان المعنى بعيد تماما عن النظرية؟؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يعتقدُ صدرُ المُتألّهينَ الشّيرازيّ أنَّ عالمَ المادّةِ يخضعُ وباستمرارٍ لعمليّةِ تجدُّدٍ وجوديّ، فبحسبِ أصالةِ الوجودِ يكونُ الكتابُ أو الهاتفُ الذي أمامكَ عبارةً عَن وجودٍ سيّالٍ مُفاضٍ منهُ تعالى، وهوَ في حالةِ تبدُّلٍ وتجدُّدٍ مُستمرٍّ، فالوجودُ في الآنِ السّابقِ هوَ غيرُ الوجودِ في الآنِ اللّاحقِ، لكنّنا لا نحسُّ بهذا التّبدّلِ والتّجدّدِ لدوامِ الفيضِ، نظيرَ عدمِ إحساسِنا بجُزيئاتِ العطرِ المُتعدّدةِ واعتبارِها شيئاً واحداً، معَ أنَّ العطرَ في الواقعِ مُكوّنٌ مِن أجزاءٍ مُتعدّدةٍ، وكذا عدمُ إحساسِنا بتعدُّدِ جُزيئاتِ الحرارةِ، واعتبارِها شيئاً واحِداً، أو كالذي يضعُ يدَه في النّهرِ، مُعتبِراً أنَّ ما يُلامسُ يدَهُ ماءاً واحداً، معَ أنَّ ما يلامسُ يدَهُ مِن قطراتِ الماءِ في الآنِ الأوّلِ غيرُ القطراتِ التي لامسَت يدَهُ في الآنِ الثّاني.
وهذا يُثبتُ أنَّ التّغيّرَ والتّبدّلَ والتّجدّدَ يحصلُ في جوهرِ وذاتِ الموجودِ، لا فقَط في آثارِه وشؤونِه، بلِ التّغييراتُ التي تحصلُ في أعراضِه وشؤونِه إنّما تتفرّعُ على تغيُّرِ وتبدُّلِ ذاتِه.
ثمَّ إنَّ الحركةَ الجوهريّةَ وإن اشتركَت معَ نظريّةِ التّطوّرِ في وقوعِ الموجودِ فيهما على صراطِ التّكاملِ، إلّا أنّهُما يختلفانِ جدّاً ومِن عدّةِ وجوهٍ:
الأوّلُ: إنَّ الحركةَ الجوهريّةَ تبحثُ عَن إنتقالِ الموجودِ مِن مرتبةٍ وجوديّةٍ إلى مرتبةٍ أعلى، فتثبتُ إمكانَ إنتقالِ الموجودِ المادّيّ إلى المُجرّدِ تجرُّداً ناقِصاً، وهو إلى المُجرّدِ التّامّ، بينَما نظريّةُ التّطوّرِ تبحثُ في التّغيُّراتِ الحاصلةِ في أجسامِ الموجوداتِ في نفسِ المرتبةِ، مِن حيثُ التّغيُّراتُ الحاصلةُ والمُنسجمةُ معَ بيئتِها.
ثانياً: تقومُ الحركةُ الجوهريّةُ على مقوّماتٍ ستّ، منها فاعلُ الحركةِ، والذي هوَ اللهُ تباركَ وتعالى، فنظريّةُ الحركةِ الجوهريّةِ مُتضمِّنةٌ للقولِ بالخالقِ، بخلافِ نظريّةِ التّطوّرِ التي لا تتوقّفُ عليه.
ثالِثاً: تقومُ نظريّةُ الحركةِ الجوهريّةِ على تركُّبِ الجسمِ مِن مادّةٍ وصورةٍ، الأمرُ الذي تنفيهِ تماماً نظريّةُ التّطوّرِ الدّارويني.
رابِعاً: قد ثبتَ في محلِّه أنَّ الموجودَ الذي لهُ قوّةُ الكمالِ والفعليّةِ إذا خرجَ منَ القوّةِ إلى الفعلِ فإنّهُ يستحيلُ بعدَ ذلكَ رجوعُه إلى القوّةِ ثانياً، و كذلكَ كلُّ ما هوَ أكملُ وجوداً فإنّهُ لا يرجعُ في سيرِه الإستكماليّ إلى ما هوَ أنقصُ وجوداً منهُ مِن حيثُ هوَ كذلك، الأمرُ الذي لا يمتنعُ بحسبِ نظريّةِ التّطوّر.
بعبارةٍ ثانيةٍ، بحسبِ الحركةِ الجوهريّةِ لا يمكنُ عودةُ المُتكاملِ الى الأنقصِ وجوداً، بخلافِ نظريّةِ التّطوّرِ التي ليسَت مُقيّدةً بهذا القيدِ، وإن كانَت عادةً هيَ كذلك.
وهناكَ أمورٌ أخرى تُفرّقُ بينَ النّظريّتينِ أعرضنا عَن ذكرِها روماً للإختصارِ.
ومِن خلالِ ما تقدّمَ يتّضحُ البونُ الشّاسعُ بينَ النّظريّتين، وإنَّ القولَ بالحركةِ الجوهريّةِ بعيدٌ جدّاً عنِ القولِ بنظريّةِ التّطوّر.
اترك تعليق