هل نستطيع اثبات جهنم وصفاتها بالعلم ؟ وكيف يعاقبنا الله وهو خالقنا وهو يعلم اننا ندخل النار ؟
السلام عليكم هل يمكن أن نستخدم العلم لاثبات جهنم و صفاتها بواسطه قوانين الفيزياء؟؟؟ و كيف نرد على شخص يقول اذا خلق الله الناس و يعلم أنهم سوف يدخلون النار اذن لماذا يعاقبهم و هو خالقهم و يعلم أنهم سوف يدخلون النار؟؟؟
السلام عليكم ورحمة الله
عالمُ الآخرةِ بما فيهِ مِن جنّةٍ ونارٍ يُعدُّ غيباً بالنّسبةِ للإنسانِ، وقدراتُ الإنسانِ المعرفيّةُ قائمةٌ على إدراكِ ما هوَ شهودٌ، والعقلُ الإنسانيُّ مهما إمتلكَ مِن قُدراتٍ إلّا أنّهُ لا يستطيعُ أن يتجاوزَ دائرةَ الشّهودِ إلى دائرةِ الغيبِ، ولَو حاولَ الإنسانُ معرفةَ ما في الغيبِ فإنَّ محاولتَهُ ليسَت إلّا إستغراقاً في الجهلِ؛ لأنَّ حالَهُ حالُ الأعمى الذي يدّعي معرفةَ الألوانِ، فحتّى لو أصابَ فهوَ مُخطئٌ، ومِن هُنا لا يمكنُ معرفةُ عالمِ الآخرةِ إلّا مِن خلالِ إخبارِ اللهِ تعالى، وحينَها تنحصرُ حدودُ معرفتِنا بمقدارِ ما أخبرَنا اللهُ تعالى به، وعليهِ لا يمكنُ للإنسانِ تقديمُ معرفةٍ تفصيليّةٍ بخصوصيّاتِ جهنّمَ والقوانينِ الفزيائيّةِ الحاكمةِ فيها، لعدمِ وجودِ أيّ دليلٍ يقودُنا إلى الجزمِ بأنَّ قوانينَ الدّنيا هيَ ذاتُها قوانينُ ذلكَ العالم.
أمّا بالنّسبةِ للسّؤالِ الثّاني، فقَد أجَبنا سابِقاً عَن سؤالٍ شبيهٍ لهُ، ولكِن لا بأسَ مِن إعادةِ الإجابةِ بتوضيحٍ آخر: لابدَّ منَ الإشارةِ إلى أنَّ السّؤالَ يرتكزُ على مُغالطةٍ واضحةٍ، وهيَ أنَّ السّائلَ بنى السّؤالَ على أنَّ العلمَ المُسبقَ هوَ المسؤولُ والمُتحكّمُ بمُجرياتِ ما يحدثُ فِعلاً، وهذا خلطٌ بينَ العلمِ والإرادةِ، فالعلمُ كشفٌ عنِ الواقعِ بينَما الإرادةُ هيَ المسؤولةُ عَن إيجادِ الواقعِ، فمثلاً أنا أعلمُ بأنَّ البذرةَ التي وضعَت على الأرضِ تُصبحُ شجرةً إلّا أنَّ علمي لم يحوّل البذرةَ إلى شجرةٍ، وإنّما ذلكَ مُتعلّقٌ بشيءٍ آخرَ غيرِ علميّ، وحتّى يُصبحَ السّؤالُ حقيقيّاً وإشكاليّاً في نفسِ الوقتِ يجبُ أن يكونَ على هذا النّحوِ: إذا أرادَ اللهُ للعبدِ أن يدخُلَ النّارَ فلِماذا خلقَه؟ لأنَّ حينَها تُصبحُ إرادةُ اللهِ هيَ المسؤولةَ عَن دخولِه للنّارِ، وبذلكَ تتّضحُ المُغالطةُ في السّؤالِ حيثُ فسّرَ العلمَ بالإرادةِ وهذا غيرُ صحيحٍ، فاللهُ عالمٌ بحالِ العبدِ ولكنّهُ ليسَ مُريداً لذلكَ، وعليهِ تصبحُ إرادةُ الإنسانِ هيَ المسؤولةَ طالما لَم يُجبرهُ اللهُ بمُصادرةِ إختيارِه، ولكَي نفهمَ هذا الأمرَ لابُدَّ أن نفهمَ فلسفةَ خلقِ الإنسانِ في هذهِ الحياةِ، وبشكلٍ مُختصَرٍ يُمكنُنا أن نقولَ أنَّ اللهَ أوجدَ الإنسانَ وكلّفَهُ بلزومِ طريقِ الحقِّ وتجنُّبِ طريقِ الباطلِ، ثمَّ زوّدَهُ بكلِّ الإمكاناتِ التي تُؤهّلُه لهذهِ المُهمّةِ، بالتّالي الإنسانُ هوَ الكائنُ الوحيدُ الذي يمكنُه أن يختارَ لنفسِه ما يُحبُّ أن يكونَ عليهِ في الدّنيا والآخرةِ، وإذا فهِمنا الدّنيا كأنّها قاعةٌ كبيرةٌ يجتمعُ فيها جميعُ الطّلبةِ مِن أجلِ الإمتحانِ، حينَها نفهمُ أنَّ العدالةَ ستكونُ القيمةَ الحاكمةَ فلا يجوزُ التّمييزُ بينَ المُمتحنينَ بَل يجبُ أن تتساوى أمامَهُم الفرصُ، ولا يحقُّ للمُشرفِ أن يمنعَ البعضَ لعلمِه المُسبقِ بفشلِهم في الإمتحانِ، لأنَّ حينَها يصبحُ ترتيبُ الأثرِ على العلمِ المُسبقِ ظُلماً يتناقضُ معَ العدالةِ، كما يتناقضُ معَ الحِكمةِ الأساسيّةِ مِن عقدِ هذا الإمتحانِ منَ الأساسِ، فلَو كُنّا نعلمُ يقيناً أنَّ أحدَ المُمتحنينَ سوفَ يرسبُ في الإمتحانِ فهَل يُعطي ذلكَ مسوّغاً قانونيّاً بأن نمنعَهُ مِن دخولِ قاعةِ الإمتحانِ؟ بالتّأكيدِ لا يمكنُ ذلكَ لأنَّ عِلمَنا برسوبِه لا يعني مُصادرةَ إرادتِه في النّجاحِ، وعليهِ فإنَّ العدالةَ تقتضي جعلَ الفُرصةِ أمامَهُ مفتوحةً وهوَ الذي يُقرّرُ ما يريدُ إن كانَ نجاحاً أو فشلاً. وفي المُحصّلةِ لابُدَّ أن نؤكّدَ على أنَّ فعلَ الإنسانِ في هذهِ الدّنيا مُتعلّقٌ بإرادتِه، وبالتّالي هوَ المسؤولُ عَن كُلِّ ما يصدرُ منهُ إن كانَ خيراً يُثابُ عليهِ وإن كانَ شرّاً يُحاسَبُ عليه، أمّا علمُ اللهِ المُسبقِ بما يفعلُه الإنسانُ فلا علاقةَ لهُ بنفسِ حدوثِ الفعلِ منَ الإنسانِ، فكونُ اللهِ عالماً بهِ لا يعني أنَّ اللهَ هوَ الذي يفعلُه نيابةً عنِ الإنسانِ، فلَو قالَ رجلٌ للمُهندسِ المُشرفِ على بناءِ عمارةٍ أنَّ هذهِ العمارةَ سوفَ تسقطُ غداً السّاعةَ السّابعةَ، وبالفعلِ سقطَت البنايةُ في نفسِ الموعدِ، فهَل هذا الرّجلُ الذي تنبّأ بالسّقوطِ هوَ المسؤولُ عَن سقوطِها أم المُهندسُ هوَ المَسؤول؟ وهَل كانَ لعلمِه المُسبقِ أيُّ أثرٍ على السّقوطِ؟ بالطّبعِ إنَّ العلمَ المُسبقَ لا علاقةَ لهُ بحدوثِ الفعلِ في الخارجِ ولا أثرَ لهُ، فلَو كانَ اللهُ يعلمُ بأنَّ فُلاناً سيرتكبُ جريمةَ قتلٍ مثلاً، فهذا لا يعني أنَّ اللهَ هوَ المَسؤولَ وإنّما الإنسانُ بإرادتِه هوَ الذي إرتكبَ الجُرمَ، أمّا لِماذا خلقَهُ اللهُ وهوَ يعلمُ بارتكابِه هذا الجُرمَ؟ هذا شبيهٌ بالسّؤالِ الذي يقولُ: لِماذا سمَحتُم لفُلانٍ بالإمتحانِ وأنتُم تعلمونَ بفشلِه ورسوبِه؟ وحينَها سيكونُ الجوابُ في الحالتينِ أنَّ العلمَ المُسبقَ لا أثرَ لهُ في الخارجِ وإنّما تأثيرُ ذلكَ مُعلّقٌ بإرادتِه واختيارِه وبالتّالي لا يمكنُ حرمانُه مِن مُمارسةِ فعلِه بحُرّيّةٍ.
اترك تعليق