منظورالجسد والروح عند الغرب

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله

تطرّقَ الفلاسفة إلى الروح والجسد والعلاقة بينهما منذ أمد بعيد ودارت حولهما الكثير من الأبحاث، مضافاً إلى الآراء النابعة من الأعراف والديانات الشعبية في كلّ قارات الأرض، ولم تكن الفلسفة الغربية بعيدةً عن هذا الجدل الفلسفي فيما يتعلق بطبيعة الروح والجسد، ولذا من الصعب الإحاطة بكل الآراء والاختلافات في مثل هذا المقام، وسوف نكتفي بالإشارة إلى بعض الآراء العامّة حول الجسد والروح والتصور الذي أصبح مهيمناً على الثقافة الغربية. أولُ ما يمكن رصدهُ في الفلسفة الغربية هو التباين فيما يتعلقُ بكون الجسد والروح شيئاً واحد أم شيئين مختلفين؟، فبينما نجد ديكارت يفصل بينهما بجعل الجسد هو الوعاء الذي يتضمنُ الروح والروح هي الشعلة الإلهية التي تمنحُ الجسد الحيوية، نجد في المقابل سبينوزا يصرح بوحدة الروح والجسد تبعاً لرؤيته الفلسفية القائمة على وحدة الموجود، وقد حاول ديكارت بذلك التوفيق بين طرفي الإنسان حيث يمثل الجسد المادة المحسوسة والملموسة في الكون وتمثل الروح الجوهر الذي ينتمي إلى عالم الميتافيزيقيا، بينما أراد سبينوزا ربط جسم الإنسان بشكل مباشر مع الله الذي يمدّه بروحه في علاقة توحيدية، فالله عند سبينوزا ليس خارجاً عن الطبيعة أو كما يعبّر عنها بالطبيعة الطابعة والطبيعة المطبوعة، ولم يتوقف التباين عند هذا الحدّ حيث نجد كانط قسم الحقيقة إلى مظهر وجوهر، فمثّل المظهر عنده المادة والجسم والجسد، ومثّل الجوهر الروح والنفس والفكر والذهن، إلا أن سارتر خالفه في هذا التقسيم لكونه يعتقد بانّ كلّ ما هو غير مرئي غير موجود، وقد يقودنا هذا الرأي إلى اتجاهٍ اخر أنطلق من سؤال وهو كيف يمكن للمادة المتمثلة في مخ الإنسان أن تنتج الفكر أو الأفكار؟ وقد خلق هذا السؤال انعطافةً كبيرة في مفهوم الجسد في الثقافة الغربية، حيث تضاعف التفكير في الجسد دراسةً وتشريحاً، الأمر الذي جعل الفكر يتسم بالصبغة المادية فلم يعدّ الاهتمام بعلاقة الروح بالجسد وتم التركيز على الجسد كمصدر الحيوية والحركة والعمل وحتى الإنتاج الفكري والفني، وقد استقلت العلوم التجريبية عن الفلسفة وشقت طريقها الخاص في ذلك وتطور معها علم الأعصاب وتشريح الدماغ، مضافاً إلى علوم الفيزياء التي ترى الإنسان جسماً كبقية الاجسام، وعلم البيولوجيا التي ترى فيه مجموعة خلايا وأعضاء، وغير ذلك من الميادين حتى أصبح الجسد هو محلّ اهتمام الباحثين في شتى اتجاهات الفكر، ولم يعد هناك كلام عن الجانب الغيبي في الإنسان إلا بقدر التصور الذاتي للإنسان، أمّا الرأي الغالب هو الذي ينظر للإنسان كجسم مادي فيه تسكنُ الحيوية والإنسانية، الأمر الذي جعل الثقافة المهيمنة في الغرب في ما يتعلقُ بالإنسان ثقافة مادية بحتة.