هل كان الحجاب واجباً على الحرة فقط دون الأمة؟ ولماذا؟ وما هو سبب نزول آية الحجاب؟ هل فعلاً تم التحرّش بنساء النبي (ص) ونزل الحكم الشرعي لحمايتهنّ من التحرّش أما الأمة فيمكن للآخرين التحرش بها؟
السلام عليكم ورحمة الله
لابُدَّ منَ الإشارة أوّلاً إلى أنّ هذا البحث له علاقةٌ بالتاريخ ولا يرتبط بالواقع المعاصر لعدم وجود جواري الآن، وفيما يتعلّق باستكشاف ما كان معمولاً به من أحكامٍ تخصّ الجواري في الماضي المرجعُ الفصل فيه آياتُ القرآن الكريم، التي حكمت بوجوب الحجاب على المرأة بشكلٍ مطلقٍ دون تمييز الحرّة عن الأمة، قال تعالى: (وَقُل لِّلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنهَا ۖ وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ..) وعليه فالأَمَةُ كالحرّة فيما يتعلّق بستر العورة ووجوب تغطية جميع بدنها إلّا الوجه والكفّين، وقد ذهبَ بعض علماء أهل السنّة على عدم وجود الحجاب على الجواري بحجّة عمل السلف، يقول إبن تيمية (والحجابُ مختصٌّ بالحرائر دون الإماء، كما كانت سُنّةُ المؤمنين في زمن النبيّ وخلفائه: أنّ الحُرّة تحتجب، والأمَة تبرُز. وكان عُمر إذا رأى أمةً مُختمرةً، ضربها وقال: أتتشبّهين بالحرائر) وقد خالفه على ذلك بعض العلماء مثل أبو محمّد بن حزم ومن المعاصرين الألبانيّ، أمّا بخصوص روايات أهل البيت (عليهم السّلام) فهناك بعض الرّوايات التي لا توجب على الجارية تغطية الرّأس في الصّلاة، أوردها الحرُّ العامليّ في الوسائل تحت باب (عدمُ وجوب تغطية الأمَة رأسها في الصّلاة)، ففي الحديث رقم 5554 عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت: الأمَة تغطّي رأسها إذا صلّت؟ فقال: ليس على الأمة قناع). وفي الحديث 5555 عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: ليس على الإماء أن يتقنّعن في الصّلاة) وغير ذلك من الرّوايات التي أجازت للجارية الصّلاة من دون تغطية الشعر، وجواز ذلك لا يعني حُرمة تغطيتها للشعر إذا أرادت، وليس بالضرورة أن نعرف العلّة من هذا الحكم، فالأحكام الشرعية تعبّديّة في المقام الأوّل ولا تتوقّف على معرفة الحكمة منها، وبخاصّة في ما يتعلّق بالأحكام التي لم نعِش ظروفها ولم نتعرّف على طبيعتها، فمجتمعُ الجواري في العصر الأوّل للإسلام لا يمكن فهمه بمجرّد الإطلاع على بعض الرّوايات التاريخيّة، وعليه منَ الصّعب الوقوف على حكمة عدم وجوب تغطية الرأس في الصّلاة بالنسبة للجارية. أمّا القول أنَّ آية الحجاب نزلت بخصوص نساء النبيّ وهي قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ) فليس صحيحاً لأنّ الحكم فيها عامّ كما ذهب إلى ذلك الكثير من العلماء، والذي يدلّ على ذلك أيضاً قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدنَىٰ أَن يُعرَفنَ فَلَا يُؤذَينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) ووجوب الحجاب في هذه الآيات مُطلقٌ لا يمكن تخصيصه بالحرّة دون الأمَة، كما أنّها تحفظ الأمَة منَ التعرّض لها بنفس المقدار الذي تحفظ الحرّة ولا فرق بينهما.
اترك تعليق