ماسبب زواج أئمة الحق والهدى عليهم السلام من أمهات ولد (ملك اليمين)؟! وهل الحديث المروي عن الإمام الصادق عليه السلام: (اولدني أبو بكر مرتين ) صحيح السند ؟؟
السلام عليكم ورحمة الله : أمّا ما يتعلّق بالشقّ الأوّل منَ السؤال فنقول: ما دام نكاح الإماء جائزاً بحكم الشريعة الإسلاميّة ولا يختلف فيه إثنان من علماء المسلمين بمختلف مذاهبهم, خصوصاً أنّ هناك آيات صريحة تدلُّ على ذلك, كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِم أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيْرُ مَلُومِينَ). [المؤمنون: 5 – 6]. ولكون الإمام عليه السلام يُعَـدُّ فرداً من أفراد المسلمين المؤمنين بل سيّدهم, فإنّه يجوز له عليه السلام ما يجوز لغيره من المسلمين في أنْ ينكحوا الإماء, وأمّا الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة , فيرى بعض أهل العلم في نكاح الأئمّة عليهم السلام للإماء عدّة أمور, منها:
1 ـ إلغاء الإعتبارات الإجتماعيّة الخاطئة التي خلّفها المجتمع الجاهليّ آنذاك, وذلك لأنّ الإسلام عندما جاء إلى المجتمع العربيّ كان هذا المجتمع قد ثبّت مجموعةً من العادات والأعراف جعلها قوانينَ يجري عليها المجتمع جيلاً مِن بعد جيل. فالأعراف المتعلّقة بالعبيد والإماء لِـما فيها من حيف و ظلم وإلغاء لإنسانيّة هؤلاء البشر، كانت قد تحوّلت إلى قانون لا يخرقه إلّا من يوصف عندهم بالشذوذ، والفوارق التي ثبتَت بين القبائل مِن كون هذه القبيلة أعلى و تلك أدنى ، عبر مُفاخرات الشعراء ، كانت قد تحوّلت إلى آيات مقدّسة لا يرتابُ فيها أحد. وليس غريباً أن تجد الشخصَ عديم الكفاءة في نفسه ، ودنيءَ الخُلق في سلوكه ، ولكنّه يبقى الأفضل لأنّه من هذا البطن من قريش!!
وعندما جاء الإسلام بتعاليمهِ السامية وضع حدّاً ـ منَ الناحية النظريّة ـ لهذه الإعتبارات و التقاليد وألغاها سواءٌ بالتوجيه إلى تساوي البشر في مصدر الخلق، والعبوديّة لله سبحانه أو بجعل مقاييس جديدة في الأفضليّة لا تعتمد على الجنس واللون والقبيلة, بل تعتمد على الكفاءة والجهد البشريّ الخاصِّ بالفرد .إلّا أنّ السياسات الخاطئة بعد الرسول (صلّى الله عليه و آله) و صعود بني أميّة على دفّة السلطة السياسيّة في الأمّة ، أعاد المسألة جذعةً ، وأرجع الحاضر إلى التاريخ الجاهليّ ، فإذا بنار العصبيّات تشتعل وأيّ إشتعال !! و إذا بشعر المنافرات والمفاخرات ينبعث مارداً من قمقمه ، وإذا بتلك التقاليد والأعراف الجاهليّة تعود من جديد!! فالمُسلم الموحّد صاحب الكفاءة ، والمخلص لإعلاء كلمة الدين ، يبعدُ من الساحة ، لا لشيء إلّا لأنّه ( مولى ) أو ( أعجميّ )، وحتّى قال قائلهم لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : غلبتنا هذه الحمراء عليك يا أمير المؤمنين ، فلو طردتهم !! وحتّى مُنعَ غير العرب منَ الدخول إلى المدينة !! وحتّى أصبح في المسلمين طبقةً جديدة تسمّى ( الموالي ) و الحمراء و غير ذلك !!
لقد كان مفروضاً أن يكون هؤلاء الموالي في منزلة إجتماعيّة تتساوى ـ من الناحية الإنسانية على الأقلّ ـ مع منزلة العرب وذلك وفقاً للمبادىء الديمقراطيّة التي جاء بها الإسلام وأعلنها الرسول (صلّى الله عليه وآله) في خطبة الوداع المشهورة وهي تلك المبادئ التي تجعل تمايز الناس لا على أساسٍ منَ الأصل أو الحسب و إنّما على أساس من التقوى ، ولكنَّ المثاليّة شيء ، والواقع شيء آخر, فلم يكد ينقضي عهد الخلفاء, ويودّع المجتمع الإسلاميّ أميرَ المؤمنين عليه السلام الذي يُروى عنه أنّه كان يقول: ( لا فضل لشريف على مشروف ولا لعربيّ على أعجميّ ), حتّى أخذ العرب في العصر الأمويّ ينظرون للموالي نظرة السيّد للعبد ، ومضوا يعاملونهم معاملة بعيدة عن روح الإسلام السمح ومُجانبة لمبادئه الإنسانيّة الساميّة تختلف عن تلك المعاملة الإسلاميّة الرقيقة التي أمرهم بها الله عزّ وجلّ و رسوله (صلّى الله عليه وآله), فقد كانوا يرونهم جنساً مُنحطّاً لا يمتاز عن العبيد إلّا قليلاً أو كما يقول شبث بن ربعيّ أحد أفراد الارستقراطيّة الكوفيّة البارزين : فيئاً أفاءه الله عليهم ، وقد وصل الأمر ببعض العرب إلى درجة أنّهم كانوا يرون الصلاة خلفهم تواضعاً لله بلى لقد وصل الأمر بالشعبيّ قاضي الكوفة في خلافة عمر بن عبد العزيز إلى التصريح بأنّ الموالي قد بغضوا إليه المسجد حتّى تركوه أبغض إليه من كُناسة داره. و لهذا لا نجد غرابة عندما نسمع في حوالي منتصف القرن الثاني عن مسجدٍ في الكوفة يُسمّى ( مسجد الموالي ) الذي يميل (خدا بخش) إلى الظنِّ بأنّهم إضطروا إلى تأدية صلواتهم فيه بعد أن رأوا تعصّب العرب ضدّهم لم يكن يسمح لهم حتّى بالعبادة في مسجد واحد. ( ينظر: حياة الشعر في الكوفة : 169 ، دكتور يوسف خليفة).
وطُعن الإسلام من الخلف حين أصبح من يلبس لباس الدين ، أو من يلبس رداء الخلافة ويخالفه في أيسر قواعده في المساواة ، والإعتبار الواحد . وكان الردُّ على هذه التحوّلات يحتاجُ إلى عمل ، إضافةً إلى التوجيه, كما قام رسول الله ( صلّى الله عليه و آله ) بفعل ذلك في مسألة زواج زيد بن حارثة مولاهُ من زينب بنت جحش إبنة عمّته ، وزيدٌ كان غلام رسول الله ومولاه ، في حين كانت زينب بنت جحش قد حازت المجد العائليّ من طرفيه فهي أسديّة الأب وهاشميّة الأمّ . ومع ذلك زوّجها الرسول ( صلّى الله عليه وآله), ليتّضع النكاح، أي لكيلا تصبح هذه الإعتبارات الإجتماعيّة عقدةً عند الناس يمتنعون من زواج بعضهم بعضا تبعا لها .
و نحن نجد في النصِّ الذي يروى عن الإمام السجّاد ( عليه السلام ) تصريحاً بهذا المعنى ، ذلك بأنّ الإمام السجّاد ( عليه السلام ) كان قد أعتق إحدى جواريه وتزوّجها ، ونظراً لكون الخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان لا يزال يعيش في جوِّ الإعتبارات التي تحدّثنا عنها، فقد وجدها فرصته في الطعن على الإمام ( عليه السلام ).فعن يزيد بن حاتم قال : كان لعبد الملك بن مروان عينٌ بالمدينة يكتب إليه بأخبار ما يحدث فيها ، وإنّ عليّاً بن الحسين ( عليه السلام ) أعتق جارية له ثمَّ تزوّجها ، فكتب العين بذلك إلى عبد الملك ، فكتب عبد الملك إلى عليٍّ بن الحسين ( عليه السلام) :أمّا بعد فقد بلغني تزويجك مولاتك ، وقد علمتُ أنّه كان في أكفائك من قريش مَنْ تمجّد به في الصهر وتستنجبه في الولد فلا لنفسك نظرت ولا على ولدك أبقيت. والسلام.
فكتب إليه عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) : أمّا بعد فقد بلغني كتابك تعنّفني بتزويجي مولاتي وتزعم أنّه قد كان في نساء قريش من أمجّد به في الصهر وأستنجبه في الولد . . وأنّه ليس فوق رسول الله (صلّى الله عليه و آله) مُرتقىً في مجد ولا مستزاد في كرم وإنّما كانت مُلك يميني خرجت منّي ـ أراد الله عزّ وجلّ ـ بأمرٍ إلتمست به ثوابه ثمّ إرتجعتها على سنّته, ومن كان زكيّاً في دين الله فليس يخلُّ به شيء مِن أمره, وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة, وتـمّـمَ به النقيصة وأذهب اللؤم ، فلا لؤم على إمرئٍ مسلم إنّما اللؤم لؤم الجاهليّة . . والسلام.
فلما قرأ الكتابَ رمى به إلى إبنه سليمان فقرأه فقال : يا أمير المؤمنين لشدّ ما فخر عليك عليّ بن الحسين !! فقال له يا بني لا تقل ذلك فإنّها ألسنُ بني هاشم التي تفلق الصخر وتغرف مِن بحر.. إنّ عليّاً بن الحسين يا بنيّ يرتفع من حيث يتّضع الناس. ( ينظر: بحار الأنوار : 46 / 164). فانظر إلى الفرق بين منطق التمييز الجاهليّ ومنطق المساواة الرساليّ .
2ـ الإماءُ كُنّ مؤهّلات لاحتضان الأئمّة: إذ ثبت في التاريخ أنّ تلك الجواري كُنَّ نجيبات ومنجبات مع وجود الحرائر, وبعضهنَّ مـمّن يتمتّعنَ بمجد عائليّ متميّزـ حسب المقاييس السائدة آنذاك ـ إلّا أنّ تلك الجواري هُنَّ اللائي إختصصن باحتضان الأئمّة المعصومين ( عليهم السلام). يضافُ إلى ذلك أنّ علينا أن نتوجّه جيّداً الى معنى ( الجواري ), فإنّ المُتبادر منها عن الناس يُمثّل المعنى الحقيقيّ لهذه الكلمة. ذلك أنّ المُتبادر إلى الذهن عن الجواري هو تلك الإماء الزنجيّات الممتهنات بالعمل ، والخادمات اللائي لا أخلاق عالية لهنَّ ، أو تلك النساء اللائي ينتقلن مِن حضنٍ إلى آخر للمتعة والجنس، و هذا التبادر وإن كان وارداً إلّا أنّه من باب الشائع في كتب الأدب ، لا أنّه ليس كلّ الجواري كُنَّ على هذه الشاكلة ، فإنّنا نجد أنّ الكثير من نساء الجواري كُنَّ من بيوت شريفة في مجتمعاتهنّ, ولكن تبعاً لظروف الحرب وما تجرُّ من سبي للنساء ، فلم يكن هذا السبيّ يميّز بين ذوي البيوتات الرفيعة أو غيرها ، بل ربمّا كانت نساء البيوت الرفيعة إجتماعيّاً أقرب إلى السبي والغنيمة مِن غيرها ، نظراً لكون رجال هذه البيوت يشكّلون القادة السياسيين أو العسكريين في المجتمعات التي فُتحت على يد المسلمين ، فكان هؤلاء الرجال يُقتلون أو ينهزمون في هذه الحروب, في حين تؤسر نساؤهم وبناتهم ويُؤخذن على شكل غنائم وجواري. ولعلّنا نجد في قصّة إبنتي يزدجرد مصداقاً واضحا لهذا المعنى ، ذلك أنّ جيوش المسلمين عندما دحرت جيوش الفرس واستولت على إيران ساقت من الغنائم الشيء الكثير ، وكان من بين ذلك، النساء اللاتي سُبين وحسب العرف المتّبع فإنّهُنَّ يُسترققن ويدخلن في مُلك المسلمين إلّا أنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كما هو معروفٌ بيّن أنّ هاتين البنتين من بنات الملوك . وتِبعاً لتوجيه الإسلام بإكرام أهل الكرم الذين خانهم الزمن.
إذ جاء في الحديث : (أكرموا ثلاثةً وحقٌّ لهم أن يُكرموا : غنيٌّ إفتقر بعد غناه ، وعزيز قوم ذلّ ، وعالمٌ ضاع بين جهّال ), فأعتقَ نصيبه ونصيب بني هاشم فيها فأعتق المسلمون تبعاً لذلك نصيبهم ، وخيّرهما الإمام فاختارت إحداهما الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأصبحت فيما بعد أمّ الإمام السجّاد ( عليه السلام ) وماتت في نفاسها به ، والأخرى إختارت محمّداً بن أبي بكر فأنجبت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، ويقول المؤرّخون إنّ الناس كانوا يرغبون عن إستيلاد الجواري خشية من أن يكون النسل غير نجيب ، حتّى ولد زين العابدين ( عليه السلام ) والقاسم بن محمّد بن أبي بكر, فرأى الناس في الأوّل أفضل الناس بعد أبيه علماً ومعرفة وتقوى ، ورأوا في الثاني فقيهاً من كبار الفقهاء ، فرغبوا في إستيلادهنّ. بل ربمّا يقال إنّ عوامل الوراثة ستكون في خدمة هذا المولود الناتج بين عنصرين، إذ أثبت العلماء أنّ العادة أن يحمل المولود خلاصة إيجابيّات ونقاط قوّة كلّ من العنصرين (الفارسيّ والعربيّ في المثال). ولعلّ الأحاديث التي توجّه إلى التزاوج خارج العائلة الواحدة والإختيار من العوائل الأخرى باعتبار أنّ ذلك ( أنجب للولد ) ، وأقوى لصحّة جسمه ، ولمُدركاته العقليّة ، لعلّ هذه الأحاديث تشمل التزاوج مع الأجناس الأخرى بوحدة المناط فتؤيّد ما ذُكر آنفا. ودمتُم غانمين.
وأمّا الجواب: عن الشقّ الثاني من السؤال المتعلّق بعبارة: (ولدني أبو بكر مرّتين ) , فنقول: إنّ هذه العبارة موضعَ ريبٍ وشكٍّ لعدّة أمور منها:
أوّلاً: لم يروِها الشيعة، بل هي من مرويّات أهل السنّة، وعليه: فكيف يصحُّ الإحتجاج على الشيعة بما لم يُروَ عندهم؟
ثانياً: حتّى لو كان الشيعة هم الذين رووها، فإنّها لا تتضمّن إفتخاراً، ولا تصويباً لأبي بكر فيما فعل، بل هي تقريرٌ لأمر واقع، لا يفيد مدحاً ولا ذمّاً, فإنّ قولك: فلان ابن فلان، أو عمّه، أو إبنه، أو فلانة زوجة فلان، أو فلان زوج فلانة لا يفيد ذمّاً ولا مدحاً لكلٍّ من الطرفين. وقد وردت الإشارة إلى أمثال هذه الأمور في القرآن الكريم، فراجع سورة التحريم وغيرها. ومن باب المثال القريب نقول: نحن لسنا ببعيدين عن عمّي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الحمزة وأبي لهب, ومكانُ كلٍّ منهما واضحٌ لدى عموم المسلمين فتدبّر.
ثالثاً: إنّ مَن ينتسب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لا يحتاج إلى الإفتخار بالإنتساب إلى أحدٍ سواه, خصوصاً مع ما صدر من أبي بكر تجاه الزهراء (عليها السلام)، التي هي جدّة الصادق (عليه السلام), وتجاه الإمام عليّ (عليه السلام) الذي هو جدُّ الإمام الصادق (عليه السلام), وهو مـمّا لا يجهله أحد.
رابعاً: في صحّة حديث: ولدني أبو بكر مرّتين نقاشٌ، وذلك لِما يلي:
1 ـ ذكر القرمانيّ في (أخبار الدول وآثار الأُوَلِ (بهامش الكامل في التاريخ سنة 1302 هـ) ج1 ص234): أنّ أمّ الإمام الصادق «عليه السلام» هي «أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي سمرة». وعدم ورود القاسم بن محمّد بن أبي سمرة في كتب الرجال لا يعني أنّه شخصية موهومة، إذ ما أكثر الشخصيّات الحقيقيّة التي أهمل التاريخ ذكرها لأكثر من سبب. ولعلّ هذا هو السبب في أنّ الشهيد قد إكتفى بالقول: «أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد». (ينظر: راجع: بحار الأنوار ج47 ص1).
2 ـ هناك جماعةٌ ـ ومنهم الجنابذيّ ـ تقول: إنّ أمّ فروة هي جدّة الإمام الباقر «عليه السلام» لأمّه، وليست زوجته، ولا هي أمّ الإمام الصادق «عليه السلام» ( ينظر: كتاب كشف الغمّة (ط سنة 1381 هـ المطبعة العلمية ـ قم) ج2 ص120 وناسخ التواريخ، حياة الإمام الصادق ج1 ص11 وبحار الأنوار ج46 ص218).
3 ـ لعلّ شُهرة القاسم بن محمّد بن أبي بكر تجعل إسمه دون سواه يسبق إلى ذهن الرواة، فإذا كتبوا القاسم بن محمّد، فإنّهم يضيفون كلمة «ابن أبي بكر»، جرياً على الإلفة والعادة، أو الميل والهوى القلبيّ.
أضِف إلى ذلك: أنَّ القاسم بن محمّد أكثر من رجل، كما يُعلم مِن مراجعة كتب التاريخ والتراجم.
هذا ما عندنا عن هذه العبارة التي يردّدها بعضهم دون التأمّل في الإشكالات الواردة نحوها. ودمتم سالمين.
اترك تعليق