اذا الباري تعالى لايتكلم بآلة فكيف يبلغ مراده؟
الكلامُ صفةٌ محدثة وليست أزليةً ، والله يتكلم ولكن لا بآلة ، ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال : إنّ الكلام صفة محدَثة ليست بأزلية ، كان الله ولا متكلم . الكافي ج1 ص107 .
وعن أمير المؤمنين (ع) : كلمَ الله موسى تكليماً بلا جوارحَ وأدوات ، ولاشفة ولا لهوات . التوحيد للصدوق ص79 .
ويوصِلُ الله تعالى مراده إلى خلقه بطرق كثيرة جداً نذكر بعضها :
1- إمّا بأن يخلق الكلام والصوت في الهواء أو الشجرة أو .. فيسمعه الشخص فيفهم مراده ، كما كلّم الله موسى .
2- وإمّا من طريق ملائكته فيوصلوا مراد الله تعالى الى بعض عباده ، كالأنبياء والرسل والمحدَّثين .
3- وإمّا من طريق الإلهام والقذف في القلوب .
4- وإمّا من طريق الكتابة في بعض الألواح ، كاللوح المحفوظ أو المحو والإثبات أو غيرهما .
5- وإمّا من طريق الرؤيا والمنام .
قال تعالى : ﴿وَما كانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلّا وَحيًا أَو مِن وَراءِ حِجابٍ أَو يُرسِلَ رَسولًا فَيوحِيَ بِإِذنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكيمٌ﴾ [الشورى: ٥١]
والروايات كثيرة في هذا المجال وإليك بعضها :
1- روى الصدوقُ بالإسناد عن أبي معمر السعداني أنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - وذكر حديث الشاكّ إلى أن قال - فقال عليه السلام : فأمّا قوله ( ما كان لبشرٍ أن يكلمهُ الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ) فإنّه ما ينبغي لبشر أن يكلمهُ الله إلا وحياً ، وليس بكائن إلا من وراء حجاب ، أو يرسل رسولاً فيوحيَ بإذنه ما يشاء ، كذلك قال الله تبارك وتعالى علواً كبيراً ، قد كان الرسولُ يوحى إليه من رسل السماء فيبلغ رسلُ السماء رسلَ الأرض ، وقد كان الكلام بين رسل أهل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرئيل هل رأيت ربك فقال جبرئيل : إن ربي لا يرى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فمن أين تأخذ الوحي ؟ فقال : آخذه من إسرافيل فقال : ومن أين يأخذه إسرافيل ؟ قال : يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين ، قال : فمن أين يأخذه ذلك الملك ؟ قال : يقذف في قلبه قذفاً ، فهذا وحي ، وهو كلام الله عز وجل ، وكلام الله ليس بنحو واحد ، منه ما كلم الله به الرسل ، ومنه ما قذفهُ في قلوبهم ، ومنه رؤيا يريها الرسل ، ومنه وحيّ وتنزيل يُتلى ويقرأ ، فهو كلام الله ، فاكتفِ بما وصفتُ لك من كلام الله ، فإنّ معنى كلام الله ليس بنحو واحدٍ فإنّ منه ما يبلغ به رسل السماء رسل الأرض ، قال : فرّجت عني فرّج الله عنك وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين . التوحيد، الشيخ الصدوق، ص ٢٦٤ رقم 5 .
2- روى الصدوقُ بالإسناد عن الإمام الرِّضَا (ع): إِنَّ كَلِيمَ اللَّهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ (ع) عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَن أَن يُرَى بِالْأَبْصَارِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَلَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَرَّبَهُ نَجِيّاً رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُم أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ وَنَاجَاهُ فَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَسْمَعَ كَلَامَهُ كَمَا سَمِعْتَ وَكَانَ القَوْمُ سَبْعَمِائَةِ ألفِ رَجُلٍ فَاخْتَارَ مِنْهُم سَبْعِينَ أَلْفاً ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُم سَبْعَةَ آلَافٍ ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُم سَبْعَمِائَةٍ ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُم سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِ رَبِّهِ فَخَرَجَ بِهِم إِلَى طُورِ سَيْنَاءَ فَأَقَامَهُم فِي سَفْحِ الجَبَلِ وَصَعِدَ مُوسَى (ع) إِلَى الطُّورِ وَسَأَلَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُكَلِّمَهُ وَيُسْمِعَهُم كَلَامَهُ فَكَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَسَمِعُوا كَلَامَهُ مِن فَوْقُ وَأَسْفَلُ وَيَمِينُ وَشِمَالُ وَوَرَاءُ وَأَمَامُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحْدَثَهُ فِي الشَّجَرَةِ ثُمَّ جَعَلَهُ مُنْبَعِثاً مِنْهَا حَتَّى سَمِعُوهُ مِن جَمِيعِ الوُجُوهِ . التوحيد، الشيخ الصدوق، ص ١٢١
وغيرها من الرواياتِ الكثيرة .
اترك تعليق