(ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقةَ لنا به) هذا الشّيءُ مفروغٌ منهُ أنَّ اللهَ تعالى لا يُحمّلُ الإنسانَ أكثرَ مِن طاقتِه، فلِماذا هذا الدّعاء؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : 

هذا الدّعاءُ هو جزءٌ منَ الآيةِ 286 مِن سورةِ البقرةِ، وبالرّجوع لتمامِ الآيةِ يتّضحُ لنا تمامُ المعنى، قالَ تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَت وَعَلَيهَا مَا اكتَسَبَت ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَّسِينَا أَو أَخطَأنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحمِل عَلَينَا إِصرًا كَمَا حَمَلتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعفُ عَنَّا وَاغفِر لَنَا وَارحَمنَا ۚ أَنتَ مَولَانَا فَانصُرنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ)، وقد تصوّر السائلُ أنّ (ما لا يطيقه الإنسان) هوَ ما يكونُ فوقَ مقدراتِ الإنسانِ الطبيعيّةِ كأن يأمرَه بأن يحملَ جبلاً على ظهره، وعليهِ؛ كيفَ يطلبُ منَ اللهِ أمراً هوَ بالأساسِ غيرُ داخل فيه أو كما يُقالُ خارجٌ منهُ تخصّصاً وليسَ تخصيصاً، وهذا المعنى بالتّأكيدِ غيرُ مقصودٍ؛ فما لا يطيقُه الإنسانُ هو الأمرُ الذي يمكنُ أن يقومَ به ولكِن بمشقّةٍ زائدةٍ وجهدٍ غيرِ مُحتملٍ، فمثلاً لو كانَ في حدودِ قدرةِ الإنسانِ أن يصومَ ثلاثَة أيّامٍ متواصلةٍ إلّا أنّهُ لا يصحُّ أن يكونَ تكليفاً لأنّهُ تكليفٌ بما لا يطاقُ، أو بعضُ الحركاتِ الرياضيّةِ التي يمكنُ أن يقومَ بها الإنسانُ ولكِن بمشقّةٍ غير محتملةٍ في العادةِ، وعليهِ المقصودُ مِن عدمِ الطّاقةِ ما هوَ داخلٌ في الحدودِ الطبيعيّةِ للإنسانِ وليسَ خارجاً عنها. يقولُ السّيّدُ الطباطبائيّ في تفسير الميزان: (قوله تعالى: ربّنا ولا تُحمّلنا مالا طاقةَ لنا به، المُرادُ بما لا طاقةَ لنا به ليسَ هوَ التّكليفُ الإبتدائيّ بما لا يُطاق، إذ قَد عرفتَ أنَّ العقلَ لا يُجوّزُه أبداً) (الميزانُ، ج2، ص 445)، وسوفَ يتّضحُ مِن خلالِ تمامِ الآيةِ أنَّ المقصودَ هوَ أنَّ الإنسانَ لا طاقةَ له بتحمّلِ أعباءِ سيّئاتِه مِن يومِ القيامة. 

فإذا عُدنا للآيةِ فإنّها تؤكّدُ بأنَّ التّكاليفَ التي أوجبَها اللهُ على الإنسانِ هيَ في حدودِ قُدرتِه وإمكانيّاتِه، أي باستطاعتِه القيامُ بها مِن غيرِ عُسرٍ أو مشقّةٍ، وبالتّالي لا عذرَ للإنسانِ في عدمِ الإلتزامِ بها، حيثُ يتحمّلُ مسؤوليّةَ ما يكتسبُه مِن أعمالٍ سواءٌ كانَت خيراً أو شرّاً، (لَهَا مَا كَسَبَت وَعَلَيهَا مَا اكتَسَبَت). ولكنَّ الإنسانَ في مسيرتِه العباديّةِ قد يقعُ منهُ الذّنبُ بسببِ النّسيانِ أو الخطأ غيرِ المُتعمّدِ، فهُنا لابدَّ أن يسألَ اللهَ أن لا يؤاخذَه لِما فيها مِن عُسرٍ ومشقّةٍ، (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَّسِينَا أَو أَخطَأنَا)، ومعَ ذلكَ يجوزُ للهِ أن يُكلّفَ بعضَ الأقوامِ بتكاليفَ زائدةٍ مثلَ أن يمنعَهم منَ الصّيدِ يومَ السّبتِ، أو يُحرّمَ عليهم بعضَ الحلالِ عقاباً أو تأديباً لهم، كما صنعَ معَ بني إسرائيل، قالَ تعالى: (وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُوا حَرَّمنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍۢ ۖ وَمِنَ ٱلبَقَرِ وَٱلغَنَمِ حَرَّمنَا عَلَيهِم شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَت ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلحَوَايَآ أَو مَا ٱختَلَطَ بِعَظمٍۢ ۚ ذَٰلِكَ جَزَينَٰهُم بِبَغيِهِم ۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ) وهُنا يكونُ الدّعاءُ مستوجباً على المؤمنِ بأن لا يُحمّلَه مِن مثلِ هذهِ التّكاليفِ، (رَبَّنَا وَلَا تَحمِل عَلَينَا إِصرًا كَمَا حَمَلتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِنَا)، ومِن ثمَّ لا بدَّ للعبدِ أن يرجو رحمةَ اللهِ وعفوَه ولا يعتمدَ على أعمالِه، فليسَ عندَه ما يستحقُّ بهِ رضا اللهِ غيرَ أن تشملَه رحمتُه، فلو حاسبَه اللهُ بأعمالِه وقابلَه بذنوبِه وإسرافِه على نفسِه، لاستحقَّ غضبَه وسخطه وهذا ما لا يطيقُ الإنسانُ تحمّلَه، والذي يؤكّدُ أنَّ هذا هوَ المقصودُ مِن قوله (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) هوَ ما جاءَ معها بشكلٍ مباشرٍ قوله (وَاعفُ عَنَّا وَاغفِر لَنَا وَارحَمنَا) فعليهِ أنَّ المقصودَ مِن قولِه لا طاقةَ لنا بهِ هوَ تحمّلُ جزاءِ السّيّئاتِ يومَ القيامةِ، ولا منجى مِن ذلكَ غير الرّحمةِ والمغفرة.