هل النفس الامارة بالسوء "مخلوقة" ؟ وكيف للخير المطلق ان يخلق النفس الامارة بالسوء ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) (10 الشمس) من الواضح أن الإنسان في منطق القرآن ليس مخلوقاً ملائكياً كما أنه ليس حيواناً بهيمياً، وإنما هو مخلوق يمتلك مقومات الكمال كما يمتلك مقومات النقص، فهو ليس عقل مجرد لا شهوة فيه، ولا شهوة مجردة لا عقل فيه، وإنما كائن مركب من مادة وروح ومن عقل وشهوة، وبالتالي طبيعة الإنسان مخلوقة بالشكل الذي تمكنه من فعل الخير والشر، فبالروح والعقل يسمو الإنسان على المادة، وبالأهواء والشهوات يركن إلى الأرض، والحِكمة من كل ذلك أن يختار الإنسان بإرادته أن يكون إنساناً ولا يكون حيواناً، قال تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث..) (176 الاعراف). فاتباع الهوى ليس إلا خلوداً إلى الأرض وهو أساس كل الشرور الإنسانية، ووجه الشبه بين من يخلد إلى الأرض وبين الكلب، هو أن من يتبع هواه ويخلد إلى الأرض في حالة من اللهث الدائم خلف أنانياته ومصالحه الخاصة.
وبما أن الحِكمة من وجود الإنسان في الدنيا قائمة على اختباره وامتحانه فلا بد أن يُخلق بالكيفية التي تمكنه من اختيار الخير أو الشر، ومن هنا كان من الضروري أن يكون إلهام الإنسان بالفجور والتقوى في اصل طبيعته الذاتية، أي أن الله وضع فيه مقومات الكمال والنقص وجعله مسؤولاً عن اختيار الخير وترك الشر، ثم امره بالخير ورغبه فيه واثابه عليه وبعث له الأنبياء والرسل حتى يرشدوه، وفي المقابل نهاه عن الشر وحذره منه ووعده بالعقاب عليه، بل وصف القرآن من يستسلم لضغوط المادة ويركن للهوى بالأنعام، وذلك لكونه ترك العمل بعقله واسترسل مع شهواته ورغباته، قال تعالى: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)، وعليه لم يخلق الله الشر في الإنسان وإنما اقدره على فعله كما اقدره على فعل الخير، فإذا أصاب الإنسان خير فمن الله وإن أصابه شر فمن نفسه قال تعالى: (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ)
اترك تعليق