هل توجد احاديث مكذوبة عن ظلم الزهراء ع ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
إنَّ ظُلامةَ الزّهراءِ (ع) منَ الأمور التي لا يعتريها شكٌّ ولا ريبٌ بحسبِ ما وردَ في المصادر الحديثيّةِ والتاريخيّةِ في التّراثِ الإسلاميّ، حيثُ أجمعَ المُسلمونَ أنَّ الزّهراءَ (ع) طالبَت بفدك، وطالبَت بإرثِها مِن أبيها رسولِ اللهِ (ص) ، فمُنعَت مِن جميعِ ذلكَ، وهذا ممّا رواهُ جميعُ المُسلمينَ إبتداءً منَ البُخاريّ ومسلمٍ ومروراً بالسّننِ والمسانيدِ، وجميعِ دواوينِ الإسلامِ شيعةً وسُنّةً.
وروى جميعُ المسلمين أيضاً أنّ رجالَ السّقيفةِ هدّدوا فاطمةَ (ع) بحرقِ دارِها عليها إن لَم يخرُج عليٌّ (ع) للبيعةِ.
ورووا أيضاً أنّهم إقتحمُوا دارَها وكشفُوا بيتَها، وقد أقرّ أبو بكرٍ على كشفِه دارَ فاطمةَ (ع) نادماً في مرضِ وفاتِه. (تاريخُ الطّبري : 2 / 619)
وإعترفَ إبنُ تيميّةَ أنّ القومَ كبسوا بيتَها وكشفوهُ واقتحموهُ. (منهاجُ السُّنّةِ : 8 / 291)
وروَت عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ أنّ فاطمةَ توفّيَت وهيَ غاضبةٌ على أبي بكرٍ، ودُفنَت ليلاً ولم يُؤذن لأبي بكرٍ في الصّلاةِ عليها (صحيحُ البخاري : 5 / 82)
وعدمُ إيذانِها للقوم بحضورِ جنازتِها وتشييعِها والصّلاةِ عليها، ودفنُها ليلاً وإخفاءُ قبرها ، أدلّةٌ صارخةٌ أنّها توفّيَت وهيَ مُخاصمةٌ لرجالاتِ السّقيفةِ أشدَّ خصومةٍ ، لأنّهم ظلموها وظلموا زوجَها أميرَ المؤمنين (ع) .
ولكِن أينَ تفاصيلُ ظُلامتِها ؟!
ماذا حصلَ عندَما هجمُوا على دارِها وكشفُوا بيتَها؟!
هَل دفعَتهُم ومانعَتهُم عنِ الدّخولِ إلى دارِها؟! هل ضربوها ؟!
عندَما أخرجوا عليّاً (ع) إلى البيعةِ ماذا فعلَت الزّهراءُ (ع)؟
هل يُعقلُ أنّها سكتَت ولم تُدافِع عَن زوجِها وإمامِ زمانِها ؟!
أينَ تفاصيلُ الحادثةِ ؟
أينَ الأجوبةُ عَن هذهِ الأسئلةِ في التّراثِ الرّسميّ للقوم ؟!
الرّواياتُ الرّسميّةُ للسّقيفةِ ساكتةٌ عَن ذلكَ ، باستثناءِ بعضِ الرّواياتِ التي نجدُها مرويّةً في فلتاتِ التّراثِ عندَهُم والتي تُشيرُ شيئاً ما إلى تفاصيلِ مظلوميّتِها .
هذا مُضافاً إلى مقاماتِ فاطمةَ في القُرآنِ والسّنّةِ، فهيَ مِن أهلِ آيةِ التّطهير { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا } [الأحزاب 33] ومنَ الذينَ أخرجَهُم النّبيّ (ص) لمُباهلةِ نصارى نجران { فَمَن حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنَةَ اللَّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ } [آلُ عمران 61] وغيرِها منَ الآياتِ الكثيرة.
وقالَ رسولُ اللهِ (ص) في حقِّها: فاطمةُ بضعةٌ منّي فمَن أغضبَها أغضبَني . (صحيحُ البخاري : 4 / 210)
وقالَ (ص): إنّما فاطمةُ بضعةٌ منّي يُؤذيني ما آذاها . (صحيحُ مُسلمٍ: 7 / 141)
وفي هذهِ الأحاديثِ يُحذّرُ النّبيّ (ص) أمّتَه وأصحابَه مِن إغضابِ فاطمةَ وإيذائها وظُلمِها، وإعترفَت عائشةُ أنَّ فاطمةَ غضبَت على أبيها أبي بكر وتُوفّيَت وهيَ غاضبةٌ عليه.
وقالَ النّبيُّ (ص): أما ترضينَ أن تكوني سيّدةَ نساءِ أهلِ الجنّةِ أو نساءِ المُؤمنينَ. (صحيحُ البخاري : 4 / 183)
وفي روايةٍ أخرى: سيّدةُ نساءِ هذهِ الأمّةِ. (صحيحُ البُخاري : 7 / 142)
وفي روايةٍ: سيّدةُ نساءِ العالمينَ. (المُستدركُ على الصّحيحينِ: 3 / 156)
تأمّلوا معي بدقّة: إذا كانَت فاطمةُ الزّهراء (ع) مِن أهلِ آيةِ التّطهيرِ ، وسيّدةُ نساءِ العالمينَ والجنّةِ والأمّةِ والمؤمنينَ، ووردَ نهيٌ منَ النّبي (ص) عَن إيذائها وإغضابِها، وإعترفَت عائشةُ بأنَّ أباها أبي بكرٍ قَد أغضبَ فاطمةَ (ع) وتُوفّيَت وهيَ غاضبةٌ عليه.
فإذا كانَت الزّهراءُ (ع) تحملُ هذا الرّصيدَ الكبيرَ والثّقلَ الكبيرَ منَ الشّرعيّةِ ، حتّى عُدّ إيذاؤها وإغضابُها إغضاباً وإيذاءً للرّسولِ (ص) ، فمنَ الطّبيعيّ أن يقومَ القومُ بإخفاءِ تفاصيلِ ظُلامتِها ، وما جرى عليها بعدَ رحلةِ أبيها (ص) ، حتّى تُقدّمَ لنفسِها صورةً بيضاءَ للملأ العامّ .
ومنَ الطّبيعيّ أن يضعوا رواياتٍ مكذوبةً محاولينَ فيها تبرئةَ السّقيفةِ منَ الجناياتِ التي قامَت بها تجاهَ الزّهراءِ (ع) وأهلِ بيتِ النّبيّ (ص) ، فمِن تلكَ الرّواياتِ الموضوعةِ ما رواهُ الشّعبيُّ (التّابعيُّ) مُرسلاً أنّ فاطمةَ رضيَت عَن أبي بكرٍ!! وهذا في مُقابلِ الرّوايةِ الرّسميّةِ التي يرويها البُخاريّ ومسلمٌ عن عائشةَ وهيَ بنتُ أبي بكرٍ حيثُ أقرَّت أنَّ فاطمةَ تُوفّيَت وهيَ غاضبةٌ على أبيها أبي بكرٍ! وعائشةُ أعلمُ بحالِ أبيها وحالِ الزّهراءِ (ع) منَ الشّعبيّ الذي ولدَ ما بينَ سنةِ 17 و 31 هجريّة ، فهوَ لم يُعاصِر الحادثةَ ، بخلافِ عائشةَ التي كانَت شاهدةً على الحادثةِ ، فهيَ تُخبرُ عَن حسٍّ ، ويبدو أنّ هذا الأمرَ كانَ مشهوراً جدّاً
حتّى إضطُرَّت عائشةُ أنّ تُصرّحَ بالحقيقةِ فيها ، بحيثُ لو قالَت غيرَ ذلكَ لعُرِفَت بأنّها كاذبةٌ ، ولِذا لم تستطِع إنكارَ حقيقةِ وفاةِ فاطمةَ (ع) وهيَ غاضبةٌ على أبيها أبي بكر .
وأمّا عامرٌ الشّعبي فهوَ منَ التّابعينَ ، ورأى كثيراً منَ الصّحابةِ ، فلو كانَ صادِقاً لأسندَ ذلكَ إلى أحدِ الصّحابةِ ، وأخبرَنا بإسمِ الصّحابيّ الذي حدّثَهُ بأنَّ فاطمةَ رضيَت عَن أبي بكر .
وأيضاً منَ الطّبيعيّ أن يقوموا بإخفاءِ تفاصيلِ ظُلامتِها عندَ هجومِهم على دارِها ، وهيَ تمنعُهم منَ الدّخولِ لإخراجِ أميرِ المؤمنينَ (ع) ، فضُرِبَت وعُصرَت بينَ الحائطِ والبابِ وكُسرَ ضلعُها وأُسقطَ جنينُها ولُطمَ خدُّها وجرى ما جرى عليها في ذلكَ الهجومِ المشؤومِ على دارِها !
ولكنَّ أصحابَ القضيّةِ – وهُم أهلُ البيتِ (ع) وشيعتُهم – لم ينسُوا قضيّتَهُم ولن ينسوها ، ولم يألوا جُهداً في روايةِ تفاصيلِ ما جرى عليها وما لحقَها مِن ظُلاماتٍ وأذىً ، رُغمَ تشدّدِ الجهاتِ الحكوميّةِ في المنعِ مِن روايةِ تفاصيلِ الحادثة.
إذَن: هُناكَ جهتان:
1- جهةٌ أقرَّت بالهجومِ على دارِ الزّهراءِ (ع) وكشفِ بيتِها وتهديدِها بإحراقِ دارِها وإخراجِ أميرِ المؤمنينَ (ع) منَ البيتِ للبيعةِ بأعنفِ العُنفِ ، ولكِن أخفَت تفاصيلَ ظُلامةِ الزّهراءِ (ع) ، لأنّهُ يضرُّها .
باللهِ عليكم ، مَن يأتي بالحطبِ بنيّةِ حرقِ دارِ أهلِ بيتِ النّبيّ (ص) وهُم في داخلِها مُعتصمونَ ، ويُهدّدُ بذلكَ ، فهل يتورّعُ عَن ضربِ الزّهراءِ ولطمِها وعصرِها بينَ الحائطِ والبابِ وكسرِ ضلعِها وإسقاطِ جنينِها و ... القومُ أتوا بنيّةِ حرقِ أهلِ البيتِ (ع) ، فهَل يتورّعونَ عَن ضربِ الزّهراءِ ولطمِها و....
2- وجهةٌ نقلَت لنا الحوادثَ بكُلِّ أمانةٍ وصدقٍ ، وهُم أهلُ بيتِ النّبيّ (ص) وشيعتُهم ، وغرضُهم الأساسُ مِن نقلِ تفاصيلِ الحدثِ هوَ بيانُ الحقيقةِ ، وبيانُ عظمِ ما جرى على أهلِ بيتِ الوحي بعدَ وفاةِ رسولِ الله (ص) .
والشّواهدُ والقرائنُ التّاريخيّةُ تُؤيّدُ صدقَ وصحّةَ ما نُقلَ في تراثِ الشّيعةِ مِن مرويّاتٍ في ظلامةِ الزّهراء (ع) .
فالرّواياتُ التي نقلَت لنا تفاصيلَ ظُلامتِها وما جرى عليها ، هذهِ الرّواياتُ متواترةٌ في تراثِ الشّيعةِ الإماميّةِ ، ولا يمكنُ الخدشُ فيها بأيّ وجه .
فلو كانَت الرّواياتُ الشّيعيّةُ غيرَ صحيحةٍ ، فمَن هيَ الجهةُ التي نقلَت لنا الحقائقَ بأمانةٍ ؟! هل السّقيفةُ هي الجهةُ الأمينةُ ؟! وهيَ مُرتكبةُ الجريمةِ ! وغاصبةُ الخلافةِ ! وهل يمكنُ أن تكونَ كلُّ الرّواياتِ التي رواها الشّيعةُ كذبٌ ، وهيَ رواياتٌ متواترةٌ ( ليسَت روايةً أو روايتين ، بل عشراتُ الرّواياتِ المرويّةِ في مصادرَ مُختلفةٍ ) معَ كونِها مُؤيّدةً بشواهدَ وقرائنَ دالّةً على صحّتِها .
إذن : الذي يمكنُ أن يضعَ رواياتٍ كاذبةً هُم أبناءُ العامّةِ لتبرئةِ السّقيفةِ ، وأمّا الشّيعةُ فرواياتُهم متواترةٌ لا يمكنُ فيها الكذبُ والخطأ ، ولا يوجدُ في تراثِهم رواياتٌ كاذبةٌ في مظلوميّةِ الزّهراءِ (ع) ، فجميعُ مُفرداتِ مظلوميّةِ الزّهراءِ إمّا متواترةٌ أو مُستفيضةٌ عندَهم .
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين .
اترك تعليق