ما منهجية التعامل مع المختلف فيه ؟

: اللجنة العلمية

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : 

لابُدَّ منَ الإعترافِ أوّلاً بأنَّ الإسلامَ دينٌ واحدٌ، ويتضمّنُ حقائقَ مُحدّدةً أرادَ إيصالَها للبشرِ، إلّا أنَّ الإنسانَ بتركيبتِه المُعقّدةِ جدّاً - المُتأثّرةِ بالبيئةِ، والتّربيةِ، والحالةِ النّفسيّةِ، والمُحيطِ السّياسيّ، والإقتصادي، والإجتماعي - لا يُقاربُ الأشياءَ بصرامةِ المنهجِ الموضوعيّ، وإنّما يُقاربُها بما ينسجمُ معَ ظرفِه ونفسيّتِه ومصلحتِه، ومِن هُنا أكّدَ الإسلامُ على ضرورةِ تهذيبِ النّفسِ وتزكيتِها، وتوخّي الحقّ، ونبذِ التّعصّبِ، وعدمِ إتّباعِ الظّنّ، قالَ تعالى: (قُل هَاتُوا بُرهَانَكُم إِن كُنتُم صَادِقِينَ)، فالبرهانُ هوَ الوحيدُ الذي يجبُ أن يسودَ، والمنطقُ السّليمُ هوَ الذي يجبُ أن يحكُمَ بينَ المُختلفينَ في الفهم، أمّا القطيعةُ والتّكفيرُ وكلُّ مظاهر التّعصّبِ فليسَت مِن طبيعةِ الإسلامِ ولا مِن طبيعةِ العُقلاءِ، والإختلافاتُ التي تحدثُ في ظلِّ المناهجِ العلميّةِ إختلافاتٌ مقبولةٌ طالما تتحرّكُ جميعُها في دائرةِ المناهجِ العلميّةِ، ومِن هُنا فإنَّ الإعترافَ بالتّباينِ ضرورةٌ تفرضُها الطّبيعةُ الإنسانيّةُ كما أنَّ الإعترافَ بالحقائق المُحدّدةِ ضرورةٌ تفرضُها طبيعةُ الرّسالةِ الإلهيّةِ، والجامعُ بينَ الأمرينِ هوَ الفهمُ القائمُ على الضّوابطِ العلميّة. 

فقيمُ الدّينِ وأصولُه ومُرتكزاتُه التي تُشكّلُ البُنيةَ الأساسيّةَ للإسلامِ لا يجوزُ الإختلافُ فيها؛ لكونِها تُشكّلُ الإطارَ العامَّ للهويّةِ الإسلاميّة، أمّا ما يتعلّقُ بالمُتغيّراتِ التي تُلاحقُ الإنسانَ في حركتِه الزّمانيّةِ فالإختلافُ فيها ضرورةٌ تفرضُها طبيعةُ الحياةِ، ومِن هُنا ما زالَ بابُ الإجتهادِ مفتوحاً أمامَ كُلِّ مَن لهُ أهليّةٌ لذلك. 

وبالتّالي طبيعةُ البشرِ تقتضي التّعايشَ معَ التّباينِ على مُستوى الفهمِ، ويظلُّ هذا الأمرُ طبيعيّاً إذا تمَّ حصرُه في إطارِ الفهمِ والإجتهادِ، إلّا أنَّ الخطورةَ تكمنُ في تحوّلِها مِن بابِ التّباينِ الطّبيعيّ للفهمِ، إلى دائرةٍ أخرى تحرّكُها عواملُ غيرُ معرفيّةٍ، فتُصبحُ سبباً للقطيعةِ والهجرانِ بينَ المُسلمينَ، فيُكفّرُ بعضُهم بعضاً ويستبيحُ بعضُهم دماءَ البعضِ الآخر. ومِن هُنا فإنَّ القضايا والمسائلَ المُختلفَ فيها يجبُ ألّا تكونَ سبباً للفُرقةِ طالما جميعُ الآراءِ تمتلكُ المُبرّراتِ العُقلائيّةَ، ومعَ ذلكَ تظلُّ مساحةُ الحوارِ العلميّ مفتوحةً بينَ جميعِ الأطراف.