الفرقُ بينَ الجسمِ والجسد  

ورد في الزيارة : ((والسلام عليكم وعلى ارواحكم وعلى اجسادكم وعلى اجسامكم)) ...السؤال ما معنى او ما الفرق بين اجسامكم واجسادكم؟

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

قيلَ : لا فرقَ بينَهُما ، وقيلَ : بوجودِ الفرق ، وذكروا فروقاً عديدةً في كتبِ اللّغة .  

ولعلَّ الفرقَ بينَهما هُنا : أنّ الجسمَ يُطلقُ على البدنِ إذا حلّ فيهِ الرّوحُ والحياةُ ، والجسدُ يطلقُ على البدنِ بلا روحٍ وحياة .  

وهذا التّفريقُ لعلّهُ يقتنصُ مِن مواردِ إستعمالِ الكلمتينِ في القرآنِ الكريمِ ، فقَد وردَ في سليمانَ : { وَلَقَد فَتَنَّا سُلَيمَانَ وَأَلقَينَا عَلَى كُرسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ } [ص : 34] حيثُ اُلقيَ ولدُه على كرسيّهِ ميتاً بدناً بلا روحٍ ، وقالَ تعالى : { وَاتَّخَذَ قَومُ مُوسَى مِن بَعدِهِ مِن حُلِيِّهِم عِجلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَم يَرَوا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُم وَلَا يَهدِيهِم سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ } [الأعرافُ : 147 ، طه : 88] حيثُ كانَ عجلُ بني إسرائيلَ بدناً بلا روحٍ .  

وقالَ تعالى : { وَمَا جَعَلنَاهُم جَسَدًا لَا يَأكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ } [الأنبياءُ : 8] فإنّ الأنبياءَ أجسامٌ تأكلُ وتتحرّكُ ، وليسُوا بأجسادٍ لا تأكلُ ولا تتحرّكُ .  

حيث اُطلق الجسد في الموارد الثلاثة على البدن بلا روح .  

وأما الجسم في القرآن : قال تعالى : { وَزادَه ُ بَسطَةً فِي العِلمِ وَالجِسمِ } [البقرة : 247] وقال تعالى : { وَإِذا رَأَيتَهُم تُعجِبُكَ أَجسامُهُم } [المنافقون : 4]  

حيثُ أطلقَ الجسمُ في الموردينِ على البدنِ الذي يحلُّ فيه الرّوح .  

فمعنى هذهِ الفقرةِ منَ الزّيارةِ : والسّلامُ عليكُم وعلى أرواحكُم وعلى أجسامِكُم وعلى أجسادِكم ، هو السّلامُ على الإمامِ في جميعِ حالاتِه، السّلامُ على روحِه ، والسّلامُ على جسمِه قبلَ الموتِ ، والسّلامُ على جسدِه بعدَ الموتِ وهوَ موضوعٌ في قبرِه وحُفرَتِه .  

 

قالَ حبيبُ اللهِ الخوئي : ويُفرّقُ بينَ الجسمِ والجسدِ بأنّ الجسمَ يكونُ حيواناً وجماداً ونباتاً ، والجسدُ مُختصٌّ بجسمِ الإنسِ والجنِّ والملائكةِ ويُطلقُ على غيرِ ذوي العقولِ وقوله تعالى : { عِجلًا جَسَداً } أي ذا جثّةٍ على التّشبيهِ بالعاقلِ أو بجسمِه . (منهاجُ البراعةِ في شرحِ النّهجِ : 11 / 6)  

وقالَ حبيبُ اللهِ الكاشاني : وجسمُ الإنسانِ وجسدُه وجثمانُه هوَ مجموعُ أعضائِه المُؤلّفةِ منَ العناصر.  

وربّما يُفرّقُ بينَ الجسمِ والجسدِ بإختصاصِ الأوّلِ (الجسمِ) بما فيهِ روحٌ أو تعميمُه لذي الرّوحِ وغيرِه ،وإختصاصُ الثّاني (الجسدِ) بما خلا عنِ الرّوح.  

ويُحتمَلُ أن يُرادَ بأجسامِهم أشباحُهم النّورانيّةُ ، لأنَّ مِن مراتبِهم ومنازلِهم مقامُ الأشباحِ ، كما يدلُّ عليهِ جملةٌ منَ الأخبار ، ففي بعضِها : ( إنّ آدمَ رأى على العرشِ أشباحاً يلمعُ نورُها ) وفي بعضِها : ( ثمَّ بعثَهُم في الظّلالِ، قالَ : قلتُ : أيُّ شيءٍ الظّلالُ؟ قالَ : ألم ترَ إلى ظلّكَ في الشّمسِ شيءٌ وليسَ بشيء ) .  

قالَ الطّريحي : ( ثمَّ بعثَهُم في الظّلالِ أي في عالمِ الذّرّ والتّعبيرُ بعالمِ الذّرّ والمجرّداتِ واحدٌ ، وإنّما عُبّرَ عنهُ بذلكَ ، لأنّهُ شيءٌ لا كالأشياء.) وفي بعضِها : ( كيفَ كنتُم حيثُ كنتُم في الأظلّةِ ؟ قالَ : يا مُفضّلُ كُنّا عندَ ربّنا في ظلّةٍ خضراء .)  

ويُحتمَلُ أن يُرادَ بالأجسامِ الأجسادُ الأصليّةُ اللّطيفةُ التي لا تتغيّرُ بمُضيّ الدّهورِ ، وورودِ الآفاتِ ، وبالأجسادِ الأجسادُ العنصريّةُ الزّمانيّةُ التي تنقصُ وتزيدُ .  

ويُحتملُ أن يُرادَ بأحدِهما الأجسادُ المثاليّةُ البرزخيّةُ ، وبالآخر هذا الهيكلُ المحسوسُ في هذا العالم .  

وربّما يُفرّقُ بينَ الجسدِ والبدنِ : بأنّ الأوّلَ لا يُقالُ إلّا على الحيوانِ العاقلِ ، بخلافِ الثّاني . وقَد يُقالُ : البدنُ هو الجسدُ ما سوى الرّأسِ . جنّةُ الحوادثِ في شرحِ دعاءِ وارث لحبيبِ الله الكاشاني ص 181 – 182 .