ما الفرق بين التقليد والاتباع، فالقران لم يذكر كلمة التقليد ابداً وانما كل الايات تتحدث عن الاتباع، فما معنى التقليد وما معنى الاتباع ومن اين جاءت كلمة التقليد؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
لا فرقَ بينَ المُفردتينِ كثيراً ، كما يظهرُ مِن معناهما .
والسّببُ في ذكرِ الفُقهاءِ لمُفردةِ التّقليدِ عندَ تقسيمِهم المُكلّفَ إلى ثلاثةٍ: مُجتهدٍ ومُقلّدٍ ومُحتاطٍ ، يعودُ إلى ورودِها في بعضِ الرّواياتِ التي ذكرَت الصّفاتِ التي يجبُ توفّرُها في مرجعِ التّقليد .
حيثُ رويَ عنِ الإمامِ العسكريّ عنِ الإمامِ الصّادقِ عليهما السّلام: فأمّا مَن كانَ منَ الفُقهاءِ صائِناً لنفسِه، حافِظاً لدينِه، مُخالِفاً على هواهُ، مُطيعاً لأمرِ مولاه ، فللعوامِّ أن يُقلّدوهُ. الإحتجاجُ للطبرسيّ ج 2 ص ٢٦٣ .
وهذهِ الفقرةُ منَ الحديثِ جاءَت في سياقِ حديثِ الإمامِ (ع) عَن تقليدِ عوامِّ اليهودِ لعُلمائِهم وأنّهُ مُحرّمٌ عليهم تقليدُهم، لأنَّ عوامَّ اليهودِ عرفوا عُلماءهم بالكذبِ وأكلِ الحرامِ والرّشا، وتغييرِ الأحكامِ، والعملِ بالمُحرّماتِ، والفسقِ، فتعصّبَ عوامُّ اليهودِ لعُلمائِهم وقلّدوهم، بعدَ أن عرفوا منهُم صفاتِ الفسقِ الموجبِ لعدمِ التّصديقِ على اللهِ، وسقوطِ شهاداتِهم وحكاياتِهم وإخباراتِهم، ولِذا ذمّهُم اللهُ تعالى في كتابِه.
ثمَّ قالَ الإمامُ : وكذلكَ عوامُّ أمّتِنا إذا عرفوا مِن فُقهائِهم الفسقَ الظّاهرَ، والعصبيّةَ الشّديدةَ، والتّكالبَ على حُطامِ الدّنيا وحرامِها، وإهلاكِ مَن يتعصّبونَ عليهِ وإن كانَ لإصلاحِ أمرِه مُستحقّاً ... فمَن قلّدَ مِن عوامِّنا مثلَ هؤلاءِ الفُقهاءِ، فهُم مثلُ اليهودِ الذينَ ذمّهُم اللهُ بالتّقليدِ لفسقةِ فُقهائِهم، فأمّا مَن كانَ منَ الفُقهاءِ صائِناً لنفسِه، حافِظاً لدينِه ، مُخالِفاً على هواهُ ، مطيعاً لأمرِ مولاهُ ، فللعوامِّ أن يُقلّدوهُ ، وذلكَ لا يكونُ إلّا في بعضِ فُقهاءِ الشّيعةِ لا جميعِهم ، فإنّهُ مَن ركبَ منَ القبائحِ الفواحش مراكبَ فسقةِ العامّةِ فلا تقبلوا منّا عنهُ شيئاً ولا كرامةَ . الإحتجاجُ ج 2 ص 262 - 264 ، تفسيرُ الإمامِ العسكريّ ص ٣٠٧ .
والتّقليدُ لُغةً : منَ القلادةِ ، ومعناهُ : جعلُها في عُنقِ الغير .
قالَ الفيومي : قلدَ : القلادةُ معروفةٌ، والجمعُ قلائدُ وقلّدَت المرأةُ تقليداً جعلَت القلادةَ في عُنقِها، ومنهُ تقليدُ الهدي وهوَ أن يُعلّقَ بعُنقِ البعيرِ قطعةٌ مِن جلدٍ ليُعلمَ أنّهُ هديٌ فيكفُّ النّاسُ عنه، وتقليدُ العاملِ : توليتُه كأنّهُ جعلَ قلادةً في عُنقِه، وتقلّدتُ السّيفَ. المصباحُ المُنيرُ، مادّةُ : قلّدَ . وانظر لسانَ العربِ مادّةَ قلد.
فالمُقلّدُ يربطُ أعمالَه في عنقِ الفقيهِ الذي يُقلّدُه، ويجعلُها في رقبتِه .
وإصطلاحاً هوَ : أخذُ فتوى الغيرِ للعملِ بهِ . أو : الإستنادُ إلى قولِ الغيرِ في مقامِ العمل .
والفرقُ بينَ التّعريفينِ الإصطلاحيّين : أنّ حقيقةَ التّقليدِ هَل هوَ نفسُ الإلتزامِ والأخذِ حتّى وإن لم يعمَل بهِ بعد ، أم هوَ العملُ إستناداً إلى رأي الغير ؟ التّنقيحُ للخوئي ج 1 ص 59 .
هذا ما يرتبطُ بالتّقليدِ تعريفاً ومنشأ .
- وأمّا الإتّباعُ: فهوَ إقتفاءُ الأثرِ ، واللّحوقُ ، والسّيرُ إثرَه .
قالَ إبنُ منظور : تبعَ الشّيءَ تبعاً وتباعاً في الأفعالِ وتبعتُ الشّيءَ تبوعاً: سرتُ في إثره ...
قالَ الفرّاءُ : الإتّباعُ هو أن يسيرَ الرّجلُ وأنتَ تسيرُ وراءَه ، فإذا قُلتَ إتبعتُه فكأنّكَ قفوتَه . لسانُ العربِ مادّةُ تبع .
إذن :
التّقليدُ : هوَ الإستنادُ إلى رأي الغيرِ في مقامِ العملِ .
والإتّباعُ : إقتفاءُ الأثرِ والسّيرُ إثرَه ووراءَه .
ولا فرقَ بينَهُما مآلاً .
ولعلَّ مُفردةَ التّقليدِ أنسبُ ، فإنّ الإتّباعَ يتضمّنُ معنى مطابقةِ أعمالِ التّابعِ للواقعِ عندَ إقتفاءِ أثرِ المَتبوعِ ، بخلافِه في التّقليدِ فإنّهُ منَ القلادةِ وهوَ جعلها في رقبةِ الفقيهِ إذا خرجَت غيرَ مُطابقةٍ للواقعِ ، فهوَ أعمُّ ، وهذا (التّقليدُ) أنسبُ بالفقيهِ ، والأوّلُ (الإتّباعُ) أنسبُ بالمعصوم .
اترك تعليق