ما الفرقُ بينَ الصديقِ والصّاحب، وأيٌّ مِنهما الأعلى رُتبة؟
الله قال في القرآن الكريم (إذ يقول لصاحبه لا تحزن) هل هناك فرق بين صاحب وصديق واي منهما الاعلى؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،يظهرُ منَ التتبّعِ في قواميسِ اللغةِ ومُفرداتِ القرآنِ العظيم وكذلكَ في الكتبِ التي تُعنى بالتربيةِ والسلوكِ، يظهرُ مِنها أنَّ هناكَ فرقاً بينَ المفهومين، وأنّ مفهومَ الصّديقِ هوَ أعلى منَ الصّاحب، وبيانُ ذلكَ فيما يلي: 1ـ إذا تتبّعنا مواردَ القرآنِ العظيمِ فسنرى أنّه يُقدّمُ أمثلةً رائعةً عن الصّديقِ، إذ في قولِه تعالى: {لَيسَ عَلَى الأَعمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الأَعرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُم أَن تَأكُلُوا مِن بُيُوتِكُم أَو بُيُوتِ آبَائِكُم أَو بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُم أَو بُيُوتِ إِخوَانِكُم أَو بُيُوتِ أَخَوَاتِكُم أَو بُيُوتِ أَعمَامِكُم أَو بُيُوتِ عَمَّاتِكُم أَو بُيُوتِ أَخوَالِكُم أَو بُيُوتِ خَالَاتِكُم أَو مَا مَلَكتُم مَفَاتِحَهُ أَو صَدِيقِكُم لَيسَ عَلَيكُم جُنَاحٌ أَن تَأكُلُوا جَمِيعًا أَو أَشتَاتًا فَإِذَا دَخَلتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُم تَحِيَّةً مِن عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ} [النور : 61]. فلاحِظ أنّ الشريعةَ الغرّاءَ جوّزَت الأكلَ مِن بيتِ الصّديقِ، وأعطَت لهُ اعتباراً وقيمةً كما أعطَت ذلكَ للأقارب، فجعلَت بيتَه كبيتِك الذي تملكُ مفاتيحَه. 2ـ وانظر إلى قولِه تعالى: {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ، وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 101] تجدُ أنّ القرآنَ العظيمَ يصفُ حالَ المُشركينَ وهُم يصرخونَ في النار، معَ اعترافِهم أنّه ليسَ لهُم مِن شافعٍ ولا صديٍق ينقذُهم ممّا هُم فيهِ مِن عذاب، وهذهِ الآيةُ تُبيّنُ لنا قيمةَ الصّديقِ عند صديقِه خصوصاً في الظروفِ التي تحيطُ بهِ مِن حولِه أو حينَ يقعُ في مُشكلةٍ، ولذا فالصّديقُ في الدّنيا هو الرفيقُ الذي يجدُه الإنسانُ عندَ الشدّةِ فيجدُ لديه السّلوى والراحة، كما هوَ معروف. وأمّا الصّاحبُ فحالهُ يختلفُ بحسبِ الزمانِ والمكان. وبيانُ ذلكَ فيما يلي: 1ـ قد تكونُ الصُّحبةُ بينَ مُسلمٍ وكافر، كما في قولِه تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُطفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} [الكهف: 37] 2- قد تكونُ الصُّحبةُ بينَ نبيٍّ وكافر، كما في صُحبةِ النبيّ يوسف (ع) لمِن كانَ معَه في السّجن، إذ جاءَ في قولِه تعالى على لسانِ يوسف (ع): {يَا صَاحِبَيِ السِّجنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسقِي رَبَّهُ خَمرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصلَبُ فَتَأكُلُ الطَّيرُ مِن رَأسِهِ قُضِيَ الأَمرُ الَّذِي فِيهِ تَستَفتِيَانِ} [يوسف: 41]. 3ـ وقد تكونُ الصُّحبةُ دائمةً، كما يرشدُ القرآنُ الإنسانَ في تعاملِه مع والديه. قال تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلَا تُطِعهُمَا وَصَاحِبهُمَا فِي الدُّنيَا مَعرُوفًا} [لقمان: 15]. 4- الرفيقُ في السفرِ أيضاً مِن أنواعِ الصُّحبة، وقد اهتمَّتِ الشريعةُ بهذا النوعِ منَ الصّحبة، كما في قولِه تعالى: {وَاعبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا وَبِذِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُربَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ} [النساء: 36]. 4 ـ وصُحبةُ الأنبياءِ عليهم السّلام لا تعني أن يكونوا جميعاً مؤمنينَ مُخلصينَ له، فاللهُ تعالى يخبرُ عن قومِ موسى (ع)، فيقولُ: {فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمعَانِ قَالَ أَصحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدرَكُونَ} [الشعراءُ: 61]، فلمّا عبرَ بهم موسى (ع) البحرَ عبدوا العجل. واللهُ تعالى يقولُ عن خاتمِ النبيّينَ (ص) حينَ يخاطبُ أهلَ مكّةَ {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَى} [النجم: 2]. أي كانَ النبيُّ (ص) صاحباً لهُم في الزمانِ والمكان، ولكن ليسَ في الاعتقادِ والإيمان. ومـمّا تقدّمَ يتبيّنُ لكَ أنّ مرتبةَ الصّديقِ هيَ أعلى مِن مرتبةِ الصُّحبة، إذ الصّديقُ جُزءٌ لا يتجزّأ مِن حياةِ الإنسان؛ بل تكمنُ أهميّةُ الصّداقةِ في كونِها تجعلُ الإنسانَ مُطمئنّاً إلى وجودِ مَن يُشاطرُه أحلامَه، وآلامَه، وطموحاتِه، ومآسيه، وهيَ قيمةٌ لا يُستهانُ بها، ودورُ الأصدقاءِ دورٌ محوريٌّ في حياةِ الإنسان، فمنَ المُمكنِ أن يجعلَ الأصدقاءُ صديقَهم في مُنتهى السّعادةِ، ومنَ المُمكنِ أن يجعلوهُ في مُنتهى التعاسةِ، فلذا وجبَ على الإنسانِ أن يحرصَ - حينَ يبني علاقاتِه - على اختيارِ الأشخاصِ الذينَ يرتاحُ إليهم ويرتاحونَ إليه؛ ومِن هُنا قد تعمَدُ بعضُ الأسرِ إلى مُساعدةِ أبنائِها في تكوينِ صداقاتِهم والتدخّلِ في اختيارِهم وفقَ إطارٍ معياريٍّ يُحدّدُ سلوكَ وأخلاقيّات الصّديقِ ممّا يجعلهم يُحسنونَ الاختيارَ ويوفّقونَ فيه.أضِف إلى ذلكَ: هناكَ عدّةُ حِكمٍ وأقوالٍ تدلُّ على مزيّةِ الصّداقة، اقتبسناها منَ الكُتبِ التي تُعنى بالسّلوكِ وتربيةِ الإنسانِ على الفضيلة، فمِنها: 1- المرءُ غنيٌّ بأصدقائِه. 2- يُعرفُ الأصدقاءُ الحقيقيّونَ وقتَ المحنة. 3- متى أصبحَ صديقُك منكَ بمنزلةِ نفسِك، فقُل قد عرفت الصّداقة.4- الصّديقُ عندَ الضيق، والرفيقُ قبلَ الطريق. 5- يُعرفُ المرءُ بأقرانِه. 6- كلُّ أمجادِ العالمِ لا توازي صديقاً صادقاً. 7- مَن أطاعَ الواشي ضيّعَ الصّديق. 8- الصّديقُ الصّدوقُ ثاني النفسِ وثالثُ العينين. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق