أريدُ أن أعرفَ أبرزَ دوافعِ المُستشرقينَ الألمان لدراسةِ علومِ القرآن؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : اهتمَّ الاستشراقُ الألمانيُّ بشكلٍ كبيرٍ بجمعِ وفهرسةِ المخطوطاتِ ووضعِ معاجمِ اللغةِ العربيّة، ويبدو أنَّ ذلكَ قادَه إلى تركيزِ البحثِ حولَ النصِّ القرآني، حيثُ تُعتبَرُ الترجماتُ الألمانيّةُ للنصِّ القُرآنيّ مِن أقدمِ الترجماتِ في أوروبا، فقد ذكرَ عبدُ الرحمنِ بدوي أنَّ أقدمَ ترجمةٍ ألمانيّةٍ عن النصِّ العربي مُباشرةً هيَ ترجمةُ (دافيد فريدرش ميجرلن)، الأستاذُ في جامعةِ فرنكفورت سنةَ 1772، وإنَّ عددَ ترجماتِ معاني القرآنِ إلى الألمانيّةِ تصلُ إلى حوالي اثنتينِ وأربعينَ ترجمةً، كانَ آخرُها ترجمةَ (رودي باريت) 1966، والتي تعدُّ مِن أفضلِ الترجماتِ للقرآنِ الكريم، كما أنَّ شيخَ المُستشرقينَ الألمان (تيودور نولدكه) 1836 - 1931، يعدُّ مِن أكبرِ المُتخصّصينَ في علومِ القرآنِ في أوربا كلّها، حيثُ عُدَّت مجهوداتُه مرجعاً للدّراساتِ القرآنيّةِ والإسلاميّةِ في جميعِ أوروبا، فقد كانَت أطروحتُه في الدكتوراه التي قدّمَها سنةَ 1858، حولَ أصلِ القرآنِ وترتيبِ سورِه، وقد تمَّ نشرُها لاحقاً بعنوانِ (تاريخِ النصِّ القرآني) سنةَ 1860، ثمَّ طُبعَت عدّةَ طبعاتٍ معَ شروحاتٍ وزياداتٍ مِن تلاميذِه. وفي الجُملةِ يمكنُ اعتبارُ الاستشراقِ الألمانيّ له اهتمامٌ مُتميّزٌ بعلومِ القرآن، ولا يمكنُنا الجزمُ بوجودِ أهدافٍ خاصّةٍ لهذا الاهتمام، فالأهدافُ المُعلنةُ للاستشراقِ هيَ أهدافٌ علميّةٌ ومعرفيّة، إلّا أنَّ ذلكَ لا يمنعُ مِن وجودِ أهدافٍ أخرى لمُجملِ الحركةِ الاستشراقيّة، حيثُ ترافقَت البداياتُ المُبكّرةُ للاستشراقِ معَ الحروبِ الصليبيّةِ وغزوِ نابليون لمصر، وبذلكَ ارتبطَ الاستشراقُ بشكلٍ أو بآخر بالحركةِ الاستعماريّةِ والتنصيريّة، ومنَ الطبيعيّ أن تكونَ هناكَ أدوارٌ سلبيّةٌ وإيجابيّةٌ للاستشراق، ومنَ الطبيعيّ أيضاً أن يكونَ هناكَ اختلافٌ بينَ دوافعِ مُستشرقٍ ومُستشرقٍ آخر، حيثُ كانَ بعضُهم أكثرَ موضوعيّةً فعملَ على نقلِ الإسلامِ إلى أوروبا، بينَما كانَ البعضُ الآخرُ أكثرَ عدوانيّةً على الإسلامِ فعملَ على تشويهِ صورتِه، ولذلكَ فإنَّ البعضَ اعتبرَ الاستشراقَ ساهمَ وبشكلٍ كبيرٍ في إفسادِ صورةِ الإسلامِ وطمسِ معالمِه، وإنّه كانَ يقفُ خلفَ الكثيرِ منَ الشبهاتِ التي تمَّ الترويجُ لها داخلَ الوسطِ الإسلاميّ، كما يُعتبرُ مُساهِماً وبشكلٍ كبيرٍ في غرسِ مبادئِ الحضارةِ الغربيّةِ والترويجِ لقيمِها على حسابِ القيمِ الإسلاميّة.