إمَامَةَ أهْلِ البَيتِ مِنْ كِتَابِ اللهِ.

أُسَامةُ رَحِيمٌ: السَّلَامُ عَلَيكُم ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ.      كَيفَ نُثبِتُ إمَامَةَ أهْلِ البَيتِ مِنْ كِتَابِ اللهِ؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ أُسَامةُ المُحْتَرَمُ، السَّلَامُ عَلَيكُم ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ

     الأدِلَّةُ علَى إمَامَةِ أهْلِ البَيتِ (عَلَيْهِم السَّلَامُ) كَثِيرةٌ جِدًّا، وقَد ذَكَرَ أكْثرَهَا العلَّامَةُ أبُو مَنصُورٍ الحَسَنُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ المُطَهَّرِ الأسَدِيِّ المُتوَفَّى سَنةَ 726 هِجرِيَّةً، في كِتَابِهِ (الألفَيْنِ) فإذَا أردْنَا إدرَاجَهَا هُنا لطَالَ بِنَا المَقَامُ، لِذَا نَذْكُرُ مِنْها ثَلَاثَ آيَاتٍ لا علَى سَبِيلِ الحَصْرِ معَ اسْتِدلَالٍ مُوجَزٍ لكُلِّ آيَةٍ.

       (1) - قَالَ اللهُ تَعَالَى مُخاطِبًا إبرَاهِيمَ (ع): (( إنّي جَاعِلُكَ للنَّاسِ إمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهدِي الظَّالمِينَ )) [البَقَرة: 124].

       وَجْهُ الإسْتِدلَالِ: بَعْدَما نَالَ إبرَاهِيمُ مَقَامَ الإمَامَةِ العُظْمَى طَلَبَها لذُرِّيَّتِهِ (وَمِنْ ذُرّيَّتي) فأجَابَهُ جَلَّ اسْمُهُ بقَولِهِ: (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالمِينَ). قَولُهُ: (وَمِنْ ذُرِّيَّتي) مَعطُوفٌ علَى كَافِ (جَاعِلُكَ) وبِه قُصِرَ الإمَامَةُ علَى ذُرِّيَّةِ إبرَاهِيمَ (عَلَيْه السَّلَامُ) دُونَ سِوَاهُم.

       وقَولُهُ: (إنّي جَاعِلُكَ) تَدلُّ علَى أنَّ الإمَامَةَ عَهْدٌ ولَيْسَ اخْتِيَارًا وانْتِخَابًا كَما يَعتَقِدُه أهْلُ الخِلَافِ.

       وقَولُهُ: (لاَ يَنَالُ عَهدِي الظَّالمِينَ) تَدلُّ علَى أنَّ غَيْرَ المَعْصُومِ لا تَصُحُّ إمَامَتُه، ولَم يَدَّعِ القَوْمُ العِصْمَةَ لأئِمَّتِهِم بخِلَافِ الإمَامِيَّةِ فإنَّهُم اشْتَرَطُوا العِصْمَةَ، ولا مَعْصُومَ إلَّا العِترَةُ فَثبَتَتْ إمَامَتُهُم.

       (2) – (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَ أَبْنَآءَكُمْ وَ نِسَآءَنَا وَ نِسَآءَكُمْ وَ أَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لّعْنَتَ اللَهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) [آلُ عِمْرانَ: 61].

       وَجْهُ الإسْتِدلَالِ: أخْرَجَ الحَاكِمُ - وصَحَّحَه - وابْنُ مُردَويْهٍ، وأبُو نَعِيمٍ في (الدَّلَائِلِ) عَن جَابِرٍ قَالَ: (أنْفُسَنا وأنْفُسَكُم): رَسُولُ اللهِ وعلِيٌّ (1).

       بَعدَما ثَبَتَ أنَّ (أنْفُسَنا) إشَارَةٌ إلى عَليِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ، فَهذِهِ الآيَةُ أدَلُّ دَلِيلٍ علَى ثُبُوتِ الإمَامَةِ لعَليٍّ (علَيْه السَّلَامُ)، لأنَّه جَلَّ اسْمُه قَد جَعَلَه نَفْسَ رَسُولِ اللهِ (صلَّى اللهُ علَيْه وآلِهِ)، فَالإتِّحَادُ لا يَصُحُّ، فمَا بَقِيَ إلَّا التَّسَاوِي، ولَه (صلَّى اللهُ علَيْه وآلِهِ) الوِلَايَةُ العَامَّةُ، فكَذَا لمُسَاوِيهِ مِثْلُه.  

      (3) - (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [سُورَةُ المَائِدَةِ: 55].

       وَجْهُ الإسْتِدلَالِ: حَكَى جَماعَةٌ مِنْ أئِمَّةِ التَّفْسِيرِ اتِّفَاقَ أهْلِ التَّفسِيرِ علَى أنَّ الآيَةَ نَزلَتْ في عَليِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ (علَيْه السَّلَامُ) حِينَ تَصدَّقَ بخَاتَمِهِ.

       قَالَ القَاضِي عَضُدُ الدِّينِ الأيْجي المُتوَفَّى سَنَةَ 756 هِجرِيَّةً: وأجْمَعَ أئِمَّةُ التَّفسِيرِ أنَّ المُرَادَ عَليٌّ (2).

       وقَالَ الجُرجَانيُّ المُتوَفَّى سَنَةَ 816 هِجرِيَّةً: وقَد أجْمَعَ أئِمَّةُ التَّفسِيرِ أنَّ المُرَادَ بـ (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ... وهُم رَاكِعُونَ) عَليٌّ، فإنَّه كَانَ في الصَّلَاةِ رَاكِعاً، فَسَأَلَه سَائِلٌ، فأعْطَاهُ خَاتَمَه، فَنَزلَتْ الآيَةُ (3).

       وقَالَ سَعْدُ الدِّينِ التَّفتَازَانيُّ المُتوَفَّى سَنَةَ 791هِـجرِيَّةً: إنَّ قَولَهُ تَعَالَى {إنَّما وَلِيُّكُم اللهُ ورَسُولُه والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وهُم رَاكِعُونَ} نَزَلَتْ باتِّفَاقِ المُفسِّرِينَ في عَليِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه حِينَ أعْطَى السَّائِلَ خَاتَمَه وهُو رَاكِعٌ في صَلَاتِهِ (4).

       وقَالَ القَوشَجِيُّ المُتوَفَّى سَنَةَ 879 هِجرِيَّةً: إنَّها نَزَلَتْ باتِّفَاقِ المُفسِّرِينَ في حقِّ عَليِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ حِينَ أعْطَى السَّائِلَ خَاتَمَه وهُو رَاكِعٌ في صَلَاتِه (5).

       وقَالَ القَاضِي عَبدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ البَيْضَاوِي (المُتوَفَّى: 685هِجرِيَّةً):  (وهُم رَاكِعُونَ).. أنَّها نَزَلَتْ في عَليٍّ حِينَ سَألَهُ سَائِلٌ وهُو رَاكِعٌ في صَلَاتِهِ، فطَرَحَ لَه خَاتَمَه (6).

       وقَالَ شِهَابُ الدِّينِ مَحمُودُ بْنُ عَبدِ اللهِ الآلُوسِي (المُتوَفَّى: 270 هِجرِيَّةً):  وغَالِبُ الإخْبَارِيِّينَ علَى أنَّها نَزَلَتْ في عَليٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه (7).

       فبَعْدَما أثْبَتْنا أنَّها نَزَلَتْ في عَليٍّ (علَيْه السَّلَامُ) نُحلِّلُ مُفرَدَاتِ الآيَةِ لنَصِلَ إلى المَطْلُوبِ، فكَلِمةُ (إنَّما) تَدلُّ علَى الحَصْرِ.

       وكَلِمةُ (وَليُّكُم) الوِلَايَةُ في الآيَةِ إنْ قُلنَا: مُشْتَرَكًا لَفْظيًّا. فمَعْنَى ذلِكَ أنْ يَكُونَ هُناكَ مَصَادِيقُ مُتَعدِّدَةٌ ومَعَانٍ مُتَعدِّدَةٌ للَّفْظِ الوَاحِدِ، فإذَا ما قَامَتْ القَرَائِنُ المَقَاميَّةُ أو اللَّفظِيَّةُ لمَعْنًى مِنْ مَعَانِي وَلِيٍّ تُصْرَفُ.

       والقَرَائِنُ اللَّفظِيَّةُ كُلُّها تَدلُّ علَى أنَّ المُرَادَ مِنْ الوِلَايَةِ في هذِهِ الآيَةِ المَعْنَى الَّذِي تَقصُدُه الإمَاميَّةُ، وهُو الأوْلَويَّةُ والأحَقيَّةُ بِالأمْرِ.

      فالأوْلَويَّةُ الثَّابِتةُ لِلهِ وللرَّسُولِ فتَثْبُتُ للَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ويُؤتُونَ الزَّكَاةَ وهُم رَاكِعُونَ.

      وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.

----------------------

(1) الدر المنثور للسيوطي ج2ص231.

(2)  المواقف ج3ص601.

(3)  شرح المواقف ج8ص360.

(4)  شرح المقاصد في علم الكلام ج2ص288.

(5)  شرح تجريد العقائد ص368.

(6)  تفسير البيضاوي ج2ص132.

(7)  روح المعاني ج3ص334.