ورد قوله: (من احيا نفسا كانما احيا الناس جميعا..) مالمقصود من هذا الحديث؟ فهل هو الاحياء المعنوي أم المادي واذا كان الاخير فمن هم الناس..المسلمين؟ ام المسلمين والكفار؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يبدو أن السائل يشير إلى الآية القرآنية وهي قوله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) فقد جاءت هذه الآيات في سياق الآيات التي تتحدث عن قصة ابني آدم، وكيف قتل قابيل أخاه هابيل حسداً وظلماً، حيث بدأت القصة بقوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) وقد اكدت هذه القصة على طبيعة التمرد الإنساني على إرادة الله وسلطانه، فالحسد والكبر يتعاظم في نفس الإنسان عندما يتصور نفسه صاحب إرادة لها القدرة والاستقلال في هذا الوجود، وحينها يصبح التعدي على حقوق الاخرين نوعاً من التمرد على وحدانية الله وربوبيته، ومن اكبر أنواع التعدي هو القتل والحرمان من الحياة، وفي ذلك تحدي واضح لإرادة الله التي أوجدت الإنسان ومنحته الحياة، يقول السيد الطباطبائي: (وإنما أراد الله سبحانه بخلق الافراد وتكثير النسل أن تبقى هذه الحقيقة التي ليس من شأنها أن تعيش إلا زمانا يسيرا، ويدوم بقاؤها فيخلف اللاحق السابق ويعبد الله سبحانه في أرضه، فإفناء الفرد بالقتل إفساد في الخلقة وإبطال لغرض الله سبحانه في الانسانية المستبقاة بتكثير الافراد بطريق الاستخلاف كما أشار إليه ابن آدم المقتول فيما خاطب أخاه: "ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين" فأشار إلى أن القتل بغير الحق منازعة الربوبية) (تفسير الميزان، ج5، ص 315)
ويتضح من هذه الآيات حرمة النفس الإنسانية وعدم جواز قتلها إلا بالحق، وقد حددت الآية المبررات الشرعية لقتل الإنسان وهي القصاص أو من يسعى للإفساد في الأرض، وما دون ذلك لا يجوز قتل النفس الإنسانية تحت أي دواعي، وهذا خلاف ما عليه حال البشرية الذي أصبحت فيه الدماء ارخص ما يمكن سفكه في سبيل المصالح والانانيات الشخصية، وقد جعلت الآية منزلة النفس الإنسانية بمنزلة الناس جميعاً، فالحفاظ عليها حفاظ على كل الإنسانية والتعدي عليها تعدي على الجميع؛ وذلك لأن الإنسانية حقيقة مشتركة بين الجميع وكل فرد منها يحمل صفات المجموع، وعليه فان الآية جعلت قتل النفس الواحدة بمثابة قتل الإنسانية وهي الطبيعة المشتركة بين الجميع، يقول السيد الطباطبائي: (أن قوله: "من قتل نفسا - إلى قوله - فكأنما قتل الناس جميعا" كناية عن كون الناس جميعا ذوي حقيقة واحدة إنسانية متحدة فيها، الواحد منهم والجميع فيها سواء، فمن قصد الانسانية التي في الواحد منهم فقد قصد الانسانية التي في الجميع كالماء إذا وزع بين أواني كثيرة فمن شرب من أحد الآنية فقد شرب الماء، وقد قصد الماء من حيث إنه ماء - وما في جميع الآنية لا يزيد على الماء من حيث إنه ماء - فكأنه شرب الجميع، فجملة: "من قتل، الخ" كناية في صورة التشبيه) (الميزان، ج5، ص 317).
ومع أن الآية نص صريح في خصوص القتل والاحياء الجسدي إلا أنها لا تأبى أن تشمل ايضاً القتل والاحياء المعنوي، فالضلال والهداية تقابل الموت والحياة، والذي يعيش في الضلال حاله كحال الميت قال تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ) فقد قارنت الآية بين الاحياء والأموات وجعلت الذين لا يستمعون إلى الحق كأصحاب القبور، وعليه فان من يسعي لهداية الإنسان وارشاده إنما يعمل على احياء الناس جميعاً، بعكس من يعمل على افساد الناس وإضلالهم فإنه يعمل على موتهم.
اترك تعليق