مصطلح (الاعتقاد - العقيدة)

: اللجنة العلمية

 

اعتقاد

      اعتقاد لغة :

      الإعتقاد : وزان افتعال ، مصدر اعتقد بمعنى اشتد وصلب ، واعتقدت كذا : عقدت عليه القلب والضمير . ومنه العقيدة : وهي ما يدين الإنسان به(1) . 

      اعتقاد اصطلاحاً :

      استعمل في الإصطلاح بعدة معانٍ ، وهي :

1ـ العلم المطلق ، أي الأعم من أن يكون جازماً أو غير جازم ، وقد يعبر عنه بـ(الإطمئنان) .

2ـ القطع واليقين الجازمين .

3ـ التدين والعقيدة .

4ـ عقد القلب على ثبوت أمرٍ أو نفيه .

5ـ التصديق المطلق ، أعم من الجزم وعدمه ، والمطابقة وعدمها ، والثبوت وعدمه .

 

       الألفاظ ذات الصلة :

1ـ العلم: وهو نقيض الجهل(2) ، ويطلق على معان : منها : معرفة الشيء مطلقاً ، أعم من أن يكون جازماً أو غير جازم .

     ومن معانيه : اليقين ، يقال : علم إذا تيقن(3) ، بلا فرق بين التصور والتصديق .

2ـ اليقين : هو العلم الحاصل عن نظر وإستدلال ، واليقين فوق المعرفة والدراية وأخواتها(4) .

3ـ الإعتناق: وهو من المعانقة ، بمعنى جعل الرجل يديه على عنق الآخر وضمه إلى نفسه ، ومن معانيه : أخذ الأمر بجد ، يقال : اعتنق الأمر، إذا لزمه وأخذه بجد(5).

4ـ الإطمئنان: وهو الإستقرار والسكون بعد الإنزعاج ، يقال : اطمأن في المكان ، أي أقام به واتخذه وطناً . واطمأن الرجل اطمئناناً وطمأنينة إذا سكن واستأنس(6).

5ـ الظن: وهو مرتبة متوسطة بين الوهم (الشك) والعلم ، إلا أن له مراتب مختلفة من حيث الشدة والضعف ، فإذا بلغ أعلى مرتبة صار اطمئناناً ، فتكون النسبة هي العموم والخصوص المطلق ، بناءً على عد الإطمئنان من الظنون ، وإلا  صار مبايناً .

 

       صفة الإعتقاد (حكمه التكليفي) وآثاره :

       وهنا عدة أمور هي :

1ـ الإعتقاد قد يكون واجباً وقد يكون محرماً ، كما أنه قد يوصف بالصحة وقد يوصف بالفساد ، فالإعتقاد بأصول الدين واجب عقلاً وشرعاً ، والإعتقاد بالكفر والعقائد الضالة محرم شرعاً .

2ـ ان الإعتقادات من حيث مطابقتها للحق والواقع وعدم مطابقتها توصف بالصحة والفساد ، فيقال : اعتقاد فاسد واعتقاد صحيح .

3ـ الإعتقاد الملحوظ هنا يستوعب أصول الدين وغيرها ، كالإعتقاد بوجوب الصلاة وحرمة شرب الخمر . 

 

      الإعتقاد بين العلم والظن :

      كيف يجب أن يبنى الإعتقاد ؟ هل اليقين لازم فيه أم يكفي الظن ؟ وهل مطلق اليقين أم يقين خاص ؟

      هنا عدة آراء نذكرها وهي :

1ـ اعتبار اليقين في الإعتقاد لأصول الدين ، فلا يصح التقليد فيها ولا الظن ؛ لوضوح أنه لا عمل في تلك الأمور حتى يستند فيها إلى قول الغير أو لا يستند ، فإن المطلوب فيها هو اليقين والإعتقاد ونحوهما مما لا يمكن أن يحصل بالتقليد ، فلا معنى له في مثلها .

      نعم ، إذا حصل له اليقين من قول الغير يمكن أن يكتفي به في الأصول ؛ إذ المطلوب في الإعتقادات هو العلم واليقين ، من دون فرق في ذلك بين أسبابه وطرقه(7) .

2ـ عدم كفاية الظن ولزوم تحصيل العلم بالإستدلال ، فلا يكفي العلم عن تقليد .

3ـ كفاية الظن مطلقاً ، سواء جاء من الإستدلال أم من             التقليد.

4ـ كفاية الظن الناتج عن استدلال لا عن تقليد .

5ـ كفاية الظن الناتج عن أخبار الآحاد خاصة .

6ـ التفصيل بين ما يجب الإعتقاد به كالتوحيد والنبوة فلا يجوز الإكتفاء بالظن فيه مع القدرة على تحصيل العلم ولو عَبْرَ التقليد ، وأما مع عدم القدرة فلا يجب عليه تحصيل العلم ؛ للعجز ، ولا الظن ؛ لعدم تحقق الإيمان به فيتوقف .

أما ما يجب الإعتقاد به على تقدير حصول العلم فيه كتفاصيل المعارف ، فإن حصل العلم فبها ، وإلا لم يجب تحصيل الظن ؛ استناداً إلى ما دل على عدم جواز الأخذ بالظن واقتفاء سبيل غير العلم(8) . 

 

      الإعتقاد ومرجعية النص :

      إن صفة ( المقلدة ) التي وصم بها الشيعة جاءت من تقيدهم بالنص الديني ، و كذلك وصف متكلمي الشيعة بـ( مستضعفي المتكلمين )(9)، جاء بسبب التزامهم بالنص الصادر عن الإمام المعصوم ( عليه السلام ) ، إذ لا كلام و لا اجتهاد مع وجود النص .

      فالنص له الدور المهم في تكوين المعتقد عند أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام .

      فمثالاً على ذلك : نجد في جواب هشام بن الحكم لأبي الهذيل العلاف ـ حين اشترط عليه الأخير الدخول في مذهبه لو غلبه ـ دليلاً على ذلك ، فما كان جواب هشام إلا أن قال له : (( إن غلبتني رجعت إلى إمامي ))(10) .

 

     الأصول الاعتقادية :

     الأصول الإعتقادية على قسمين : 

1ـ منها ما يجب البناء وعقد القلب عليه ، والتسليم والإنقياد له ، كأحوال ما بعد الموت من مسألة القبر والحساب والكتاب والصراط والميزان ، والجنّة والنار وغير ذلك ، فإنّه لا يجب على المكلّف تحصيل المعرفة بخصوصيات الأمور المذكورة ، بل الواجب عليه إنّما هو البناء وعقد القلب على ما هو عليه الواقع من جهة إخبار النبي (ص) أو الوصي (ع) بها . 

2ـ وقسم منها ما يجب معرفته عقلاً أو شرعاً كمعرفة اللّه سبحانه وتعالى ، ومعرفة أنبيائه وأوصيائه ، وأنّهم أئمة معصومون ، وأحكام الشرع عندهم ، وتأويل القرآن وتفسيره لديهم ، وأمّا سائر الخصوصيات الواردة فيكفي التصديق بها ، ولا يجوز إنكار ما ورد في علمهم ، وسائر شؤونهم (ع) حتّى إذا لم يكن في البين رواية صحيحة ، فضلاً عن وجود الرواية الصحيحة .

 

      العقيدة لغةً واصطلاحاً :

     

      العقيدة لغةً :

      العقيدة لغة : مصدر مِن اعتَقَد يعتقدُ اعتقادًا  وعقيدة ، مأخوذٌ من العَقد ، وهو : الرَّبط والشدُّ بقوَّة وإحْكام ، ونحو ذلك ممَّا فيه توثُّق وجزم ؛ ولذا يُطلَق العقد على البيع والعهد والنِّكاح واليمين ونحوهما من المواثيق والعُقود ؛ لارتباط كلٍّ من الطرفين بهذا العقد عُرفًا وشَرعاً ، إلى غير ذلك ممَّا يجبُ الوَفاء به ؛ قال تعالى : ﴿(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)﴾(11) .

      

     العقيدة : 

       وأصل اشتقاق كلمة العقيدة من (عقد) ، وهي في اللغة مَدارها على ثلاثة معانٍ ؛ اللزوم ، والتأكد ، والإستيثاق ، نحو قول الله تعالى: ((لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ))،  فتعقيد الأيمان يكون بعزم القلب عليه ، والعقود هي أوثق العهود .

 

       العقيدة اصطلاحاً :

       العقيدة في الإصطلاح : هي ما ينعَقِدُ عليه قلبُ المرء ويجزمُ به ويتَّخذه دينًا ومَذهبًا ؛ بحيث لا يتطرَّق إليه الشكُّ فيه ، فهي حُكم الذهن الجازم أو ما ينعَقِدُ عليه الضمير ، أو الإيمان الجازم الذي يترتَّب عليه القَصد والقول والعمل بمُقتَضاه .

      إن العقيدة في الإصطلاح هي اعتقادٌ جازمٌ مُطابقٌ للواقع لا يقبل الشك أو الظن ، فالعلم الذي لم يَصل بالشيء إلى درجة اليقين الجازم لا يُسمّى عقيدة ، وإذا كان الإعتقاد غير مُطابق للواقع والحق الثابت ولا يقوم على دليل فهو ليس عقيدةً صحيحة سليمة ، وإنّما هو عقيدة فاسدة كاعتقاد النصارى بألوهيّة عيسى وبالتثليث .

وتُعرّف العقيدة أيضاً بأنها التصديق الجازم فيما يجب لله عزّ وجل من الوحدانية ، والربوبية ، والإفراد بالعبادة ، والإيمان بأسمائه الحسنى ، وصفاته العليا . 

 

      الألفاظ ذات الصلة :

      الآيديولوجية : 

      إن (الآيديولوجية) كلمة مركبة من (آيده) + (لوجية)، ومعناها اللغوي هو : علم العقيدة ، مثل الفيسيولوجي (علم وظائف الأعضاء) ، والبيولوجي (علم الحياة) ، والسيكولوجي (علم النفس) . ولكن كلمة (الآيديولوجية) تطلق أيضاً على العقيدة نفسها ومحتوى التفكير .

      إن للآيديولوجية معنيين اصطلاحيين ، أحدهما أعم من الآخر :

     أولهما : مطلق (النظام الفكري والعقائدي) الشامل للأفكار (النظرية) ؛ أي الأفكار المبينة للواقعيات الخارجية ، والتي لا ترتبط ـ بشكل مباشر ـ بسلوك الإنسان ، والأفكار (العملية) ، أي الأفكار المتعلقة بسلوك الإنسان والمحتوية على (الوجوب) و(المنع) .

     وثانيهما : يختص بـ(النظام الفكري المحدد لشكل سلوك الإنسان) .

     فعندما تستعمل (الآيديولوجية) في مقابل (الرؤية الكونية) ، فالمقصود منها حينئذٍ هو المعنى الخاص ، لأن الرؤية الكونية عبارة عن (النظرة الكلية التي تدور حول ما هو موجود) ، وتتكون فقط من (الأفكار النظرية) . وبهذا المعنى تصبح الآيديولوجية في مقابلها ، لأنها تتكون من مجموعة من الأفكار العملية التي تحدد الشكل العام لسلوك الإنسان .

     وبناءً على هذا فالإعتقاد (بوجود الله) يصبح جزءاً من الرؤية الكونية ، لأنه لا يتعلق بالأعمال مباشرة ، ومفهومه ليس فيه (وجوب) ولا (منع) .

     وإذا استعملنا (الآيديولوجية) بمعناها العام ، فستكون شاملة لمثل هذا الإعتقاد أيضاً ؛ أما إذا استعملناها بمعناها الخاص ، فلن تكون شاملة له .           وعلى العكس من هذا ، فإن الإعتقاد بوجوب عبادة الله ليس جزءاً من الرؤية الكونية ، وإنما هو جزء من الآيديولوجية ؛ لأنه يحتوي على مفهوم (الوجوب) ويتعلق مباشرة بسلوك الإنسان وأعماله(12) . 

 

      أركان العقيدة : 

      أركان العقيدة في الإسلام هي كلٌ لا يتجزّأ ، وكلّ من كفر بواحدة منها أو بجزئيّة منها ممّا ثَبت في القرآن الكريم أو في السنة النبوية لا يُقبل إيمانه بالأركان الأخرى ، وقد وَرد ذكر هذه الأركان في كتاب الله عزّ وجلّ ، وسُنّة نبيه -صلّى الله عليه وآله وسلّم- في مواضع كثيرة ، منها : 

      قوله سبحانه وتعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)، وقوله سبحانه وتعالى : (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ، وقوله سبحانه وتعالى : (وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) . 

وبيان هذه الأركان كما هي معروفة بأركان الإيمان كالآتي : 

1ـ الإيمان بالله ويُقصَد به الإيمانُ الجازمَ بوجودِ الله سُبحانه وتعالى .

2ـ الإيمان بربوبيَّته وألوهيَّته .

3ـ الإيمان بأسمائه وصفاته جميعها ، وأنَّه وَحده المُتَّصِفُ بجميع صفات الكمال ، وأنّه وحده المُنَزَّهُ عن كلِّ نقصٍ . 

4ـ الإيمان بالمَلائكة جميعاً بأنّهم خلقٌ من خلقِ الله سبحانه وتعالى ، وأنّهم عبادٌ مُكرَمون ، منهم من أُوكِل بحمل عرش الرّحمن ، ومنهم من أُوكِل بالجنّة والنّار ، ومنهم من أُوكل بكتابة أعمال العباد ، ومن الإيمان بهم الإيمان أيضاً بما وَرد من أسمائهم عن الله سبحانه وتعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ، مثل : جبريل أمين الوحي ، وميكائيل ، ومالك خازن النَّار ، وإسرافيل صاحب الصور ، وغيرهم ممّا جاء فيه نصٌّ صحيح . 

5ـ الإيمان بالكتب السماويّة ، أي الإيمان الجازم بوجودها جميعها على أصلها الذي نزلت فيه ، وما جاء فيها من تشريعات وتكاليف . 

6ـ الإيمان بالرُّسُل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعاً : يعني الإيمانَ بالرّسل والتّصديقَ الجازمَ بأنّ الله سبحانه وتعالى قد بعث في كلّ أمةٍ رسولاً ؛ ليدعوهم ويهديهم إلى عبادة الله وحده ، لا شريك له ، ويأمرهم بالكفر بما يعبدون من دون الله من أصنام وأوثان ، وأنّ الرُّسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعهم صادقون أُمناء ، أيّدهم الله بالمعجزات ، وأنّهم عليهم الصلاة السلام أدّوا وبَلَّغوا ما أرسلهم الله به ، وأنهم لم يكتموا ما أُرسلوا به ، ولم يغيروا فيه شيئاً ولم يزيدوا فيه شيئاً من عند أنفسهم ، وأنّ الله سبحانه وتعالى فضّل بعض النبيين على بعض ، ورفع بعضهم على بعضٍ درجاتٍ . 

7ـ الإيمان  باليوم الآخر ، أي : الإيمان بكلّ ما أخبر عنه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وثبتت صحّته من حياة بعد الموت ؛ ومن عذاب القبر ومن بعْثٍ وحساب ، وجنة ونار . 

 

       آثار العقيدة الإسلامية : 

       للعقيدة الإسلامية آثارٌ واضحةٌ في حياة المسلمين ومن هذه الآثار : 

1ـ تحرير الإنسان من العبودية للبشر ؛ فيتوجب على الإنسان المسلم التحرّر من كل ولاءٍ لغير الله ، قال تعالى : (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۘ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) . 

2ـ تحرير العقل من الخرافات والأوهام وحثه وتحفيزه على التفكير ؛ فقد اتجهت العقيدة الإسلامية إلى تحرير العقل من الخضوع للأساطير والخرافات ، وحثته على التفكر في الكون . 

3ـ غرس الإستقامة ؛ فعندما يلتزم المسلم بالعقيدة الإسلامية الصحيحة ويراقب الله تعالى في أقواله وأفعاله ، تُصبح نفسه مُستقيمةً تبتعد عن المُنكرات والمعاصي . 

4ـ تبعث الطمأنينة والسعادة والأمن في نفس الإنسان  الشعورَ بالعزّة والكرامة والحرية ، فالإنسان المسلم يَكتسب هذا الشعور من عزّة الله سبحانه وتعالى حيث قال : ( يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).

      العقيدة والنظام الإسلامي : 

      نقسِم النّظام الإسلاميّ إلى قسمين رئيسيين هما : العقيدة والشريعة ، والشريعة تعني التكاليف العمليّة التي جاءَ بها الإسلام في العبادات والمُعاملات ، أمّا العَقيدة فهي الأمور العلميّة التي يَجب على المُسلم أن يَعتقدها بقلبه . 

      تمتازُ العقيدةُ الإسلاميّة بعدّة خصائص تُميّزها عن العَقائد الأخرى ، منها : أنّها عقيدةٌ ربّانية المصدر ؛ حيث أوحيَ بها من عند الله تعالى بواسطة جبريل إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي متّفقةٌ مع فطرة الإنسان السليمة ؛ حيث تتّفق عمليّاً مع ما يدور في خلج الإنسان من الأفكار من وجود خالقٍ مدبّرٍ لهذا الكون العظيم الواسع حتى قبل أن يَعرف الإيمان أو يتعلّمه ، كما أنّها تتميّز بالوضوح واليُسر والبساطة ، وهي شاملة لجميع مناحي الحياة ؛ الكون والإنسان وأطوار حياته ، وهي عقيدةٌ ثابتةٌ لا تتغيّر بتَغيُّر الأزمنة والأمكنة ؛ فهي لَيست نظريّات صاغها البشر ، كما أنّها تتماشى مع واقع الإنسان ومُتطلّبات وجوده ، وهي عقيدة مبرهنة تعتمد على الحجّة الدامغة والبَراهين الواضحة .  

 

      صحَّة العقيدة أو فسادها :

      إن عقيدة المرء هي إيمانه الجازم الذي ينعقد عليه قلبُه ويحكم به ذهنه ويتَّخذه مَذهبًا ودِينًا يدينُ به ، بغضِّ النظَر عن صِحَّتها وفَسادها ؛ ولهذا يُفرق بين العقائد ، فيقال : هذه عقيدة صحيحة ؛ نظرًا لقيام الحجَّة والبرهان على صحَّتها ؛ كاعتقاد المؤمنين بتفرُّد الله تعالى فيما يختصُّ به ويجبُ له ، واعتقادهم بطلانَ تسوية غيره به في شيءٍ من خَصائِصه وحُقوقه .

      وما خالَف الحقَّ فهو اعتقادٌ باطلٌ لقيام الدليل على بُطـلانه ؛ كاعتقاد ضُلاَّل النصارى أنَّ الله تعالى هو المسيح ابن مريم ، أو أنَّه ثالث ثلاثة ، واعتقاد المشركين أنَّ أصْنامهم وأوثانهم آلهة مع الله تُقرِّبهم إلى الله أو تشفَعُ لهم عندَه ، واعتقاد بعض المنتسِبين للإسلام أنَّ شِركهم بالله بدُعائهم الصالحين والمقبورين عبادةٌ لله وسببٌ في قَضاء الحاجات ، ونحو ذلك من الملل المحرَّفة والعقائد الباطلة التي لا يـُحصِيها إلا الله عزَّ وجلَّ .

 

       العقيدة الإسلامية الصحيحة :

       العقيدة الإسلامية الصحيحة هي التي دلَّت عليها أصولُ الإسلام من الكتاب والسُّنَّة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم .

       وهي: الإيمان الجازم بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخِر ، والإيمان بكلِّ ما جاء به القُرآن ، وبكلِّ ما جاء به النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فهي تصديقٌ بالغيب ، وتوحيدٌ وتنزيهٌ للربِّ ، وعبادةٌ لله بما شرَع ، واعتقادٌ ببُطلان الكفر والشِّرك والبِدَع ، وبراءةٌ من كلِّ مَن كفَر وأشرَك وابتَدع ، واليقين بلقائه سبحانه وجزائه . 

 

       ما يدخُل في العقيدة الإسلامية :

      تشمَل العقيدة الإسلاميَّة على وجوبِ توحيد الله تعالى فيما يجبُ له ، وتنزيهه عمَّا لا يليقُ به ، والقيام بأركان الإسلام وحَقائق الإيمان والإحسان ، والتصديق بالنبوَّات ، والكتب ، وأحوال البرزخ ، والآخِرة ، وسائر أمور الغيب ، وتحقيق الولاء والبراء ، والقيام بالواجب .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الصحاح، ج2، ص510، لسان العرب، ج9، ص309، المصباح المنير، ص421.

(2) لسان العرب، ج9، ص371.

(3) المصباح المنير، ص427.

(4) المفردات، ص892، المصباح المنير، ص681.

(5) الصحاح، ج4، ص1534، المصباح المنير، ص432.

(6) العين، ج7، ص442، الصحاح، ج6، ص2158.

(7) العروة الوثقى، ج1، ص57، مستمسك العروة الوثقى، ج1، ص103.

(8) فرائد الأصول، ج1، ص559ـ577.

(9)  شرح نهج البلاغة ، ابن ابي الحديد ، ج3 ، ص 223 .

(10) رسالة في الاعتقادات ، محمد بن علي بن بابويه القمي ، ص 74 .

(11) سورة المائدة، الآية (1).

(12) محاضرات في الايديولوجية المقارنة، محمد تقي مصباح اليزدي، ص 7ـ9.