ما صحة الحديث الذي يقول "شهر رجب شهر الله و شعبان شهر محمد و رمضان شهر أمتي" ؟

: السيد رعد المرسومي

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

إختلفَ العلماءُ مِن جمهورِ الفريقينِ في هذا الحديثِ، فجمهورُ علماءِ السّنّةِ يذهبونَ إلى أنّ هذا الحديثَ موضوعٌ مُختلقٌ. وإليكَ طائفةً مِن أقوالِهم: في كتابِ الموضوعاتِ لإبنِ الجوزيّ (ج ٢/ص 436 وما بعدَها). قالَ إبنُ الجوزيّ في بابِ صلاةِ الرّغائبِ، رقم (51): وأنبأنا محمّدٌ بنُ ناصر الحافظ أنبأنا أبو القاسمِ بن مندة أنبأنا أبو الحُصينِ عليّ بنُ عبدِ اللهِ بن جهيمٍ الصّوفيّ حدّثنا عليّ بنُ محمّدٍ بنِ سعيدٍ البصريّ حدّثنا أبي حدّثنا خلفٌ إبنُ عبدِ اللهِ وهوَ الصّغاني عَن حميدٍ الطّويلِ عَن أنس بن مالك قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله: رجبٌ شهرُ اللهِ وشعبانُ شهري ورمضانُ شهرُ أمّتي . قيلَ يا رسولَ اللهِ: ما معنى قولِك رجبُ شهرُ اللهِ ؟ قالَ : لأنّهُ مخصوصٌ بالمغفرةِ ، وفيهِ تُحقنُ الدّماءُ ، وفيهِ تابَ اللهُ على أنبيائِه...الخ . ثُمَّ نقلَ إبنُ الجوزيّ تعليقَ شيخِه الحافظِ محمّدٍ بنِ ناصر على هذا الحديثِ قائلاً: هذا حديثٌ موضوعٌ على رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ، وقَد إتّهموا بهِ إبنَ جهيمٍ ونسبوهُ إلى الكذبِ ، وسمعتُ شيخَنا عبدَ الوهّابِ الحافظَ يقولُ : رجالُه مجهولونَ ، وقد فتّشتُ عليهم جميعَ الكتبِ فما وجدتُهم. قالَ المُصنّفُ [أي إبنُ الجوزيّ] قلتُ: ولقَد أبدعَ مَن وضعَها [أي صلاةَ الرّغائبِ]، فإنّهُ يحتاجُ مَن يُصليها أن يصومَ وربّما كانَ النّهارُ شديدَ الحرّ ، فإذا صامَ ولم يتمكَّن منَ الأكلِ حتّى يُصلّي المغربَ ثمّ يقفَ فيها ويقعَ في ذلكَ التّسبيحِ الطّويلِ والسّجودِ الطّويلِ، فيتأذّى غايةَ الأذى. وفي الحاشيةِ قالَ مُحقّقُ الكتابِ نورُ الدّينِ في تعليقِه على هذا الحديثِ: وأوردَه السّيوطيّ في اللّالئ (2/57) وقالَ رواتُه مجهولونَ وأقرّهُ، وإبنُ عراق في التّنزيهِ (2/92)، وقالَ الذّهبيّ: في التّرتيبِ 42 أ: إسنادُه ظلماتٌ مِن وضعِ الحُسينِ بنِ إبراهيم، وأقرّهُ الحافظ إبنُ حجرٍ في تبيينِ العجبِ (ص50-51)، وعبدُ الحيّ اللّكنويّ في الآثارِ المرفوعةِ (ص60). وأمّا علماءُ الإماميّةِ فيظهرُ منهُم أنّ الحديثَ لا إشكالَ فيهِ خصوصاً أنّه واردٌ في بابِ النّوافلِ والأدعيةِ ونحوِها التي لا ينبغِي التّشديدُ فيها مِن جهةِ السّندِ، والحديثُ نفسُه لم يُخالِف القرآنَ العظيمَ ولا السّنّةَ المُطهّرةَ، فلِذا أوردوهُ في كتبِهم من دونِ نكير، وإليكَ مصادرَ الحديثِ طبقاً لِما وقفنا عليهِ: إذ أوردَ الحديثَ الشّيخُ الصّدوقُ في كتابِه (الأمالي)، (ص ٦٢٧) بإسنادِه إلى أبي سعيدٍ الخُدريّ عنِ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله، وأوردَه كذلكَ السّيّدُ إبنُ طاووس في كتابِه إقبال الأعمالِ، (ج ٣/ص190)، بإسنادِه إلى أبي جعفر بنِ بابويه فيما ذكرَه في كتابِ ثوابِ الأعمالِ والأمالي. وأوردَه أيضاً العلّامةُ المجلسيّ في بحارِ الأنوارِ (ج104/ص127) بإسنادِه إلى أنس بنِ مالك عَن رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله. وأوردَه كذلكَ الميرزا حُسين النّوريّ الطّبرسيّ في مُستدركِ الوسائلِ (ج7/ص534) بإسنادِه إلى القُطبِ الرّاونديّ في لبِّ اللّبابِ : عنِ النّبيّ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ).وفي كتابِ جامعِ أحاديثِ الشّيعةِ للسّيّدِ البروجرديّ (ج7/ص378). ثمّ إنّ لهذا الحديثِ شاهداً آخرَ يُؤيّدُه، وهوَ ما أخرجَه الشّيخُ الصّدوقُ في كتابِه عيونُ أخبارِ الرّضا (ع)،(ج2/ص76) بإسنادِه إلى رسولِ اللهِ ( صلّى اللهُ عليهِ وآلِه) أنّه قالَ: رجبُ شهرُ اللهِ الأصمُّ يصبُّ اللهُ فيهِ الرّحمةَ على عبادِه ، وشهرُ شعبانَ تنشعبُ فيه الخيراتُ ، وفي أوّلِ ليلةٍ مِن شهرِ رمضانَ تُغلُّ المردةُ منَ الشّياطينِ ويُغفرُ في كلِّ ليلةٍ سبعينَ ألفاً ، فإذا كانَ في ليلةِ القدرِ غفرَ اللهُ بمثلِ ما غفرَ في رجبَ وشعبانَ وشهرِ رمضانَ إلى ذلكَ اليومِ إلّا رجلاً بينَه وبينَ أخيهِ شحناءَ فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ أنظروا هؤلاءِ حتّى يصطلحوا. ودمتُم سالِمين.