معنى البداء في الإمامينِ العسكريّينِ (عليهما السّلام )
في زيارة العسكريين ع عبارة السلام عليكما يا من بدا لله في امركما..) و البداء الوارد كما هو معروف في الامام العسكري ع.. حيث جعلت الامامة له بعد ان كانت للسيد محمد (سبع الدجيل).. و اما البداء في الامام الهادي فلم ادركه... ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أوّلاً : هذهِ الزّيارةُ رواها إبنُ قولويه في كاملِ الزّياراتِ ص520 : عَن بعضِهم (عليهم السّلام) ، فهيَ مُرسلةٌ ، والشّيخُ الطّوسيّ في التّهذيبِ : 6 / 94 : عَن كتابِ الجامعِ لإبنِ الوليدِ ، ولم يسنِدها إلى المعصوم !
والصّدوقُ في مَن لا يحضرُه الفقيهُ : 2 / 607 : ولكِن لم يرِد فيها هذهِ الفقرةُ التي هيَ موردُ السّؤالِ ! ولم يسنِدها إلى المعصوم.
ثانياً : ليسَ المرادُ منَ البداءِ في الإمامِ الكاظمِ أو الجوادِ أو الهادي أو العسكريّ عليهم السّلام ، البداءُ في إمامتِهم ، بمعنى : أنّهُ لم تكُن الإمامةُ لهُم ، ثمَّ بدا للهِ ، وجعلَها فيهم بعدَ أن كانَت في غيرهم .
هذا المعنى للبداءِ باطلٌ وغيرُ صحيحٍ ، فقد أجمعَ علماءُ الإماميّةِ أنّهُ لا بداءَ في الإمامةِ ، فالأئمّةُ الإثني عشرَ بأسمائهم وأشخاصِهم مُعيّنونَ ومعروفونَ لا يتغيّرونَ ولا يتبدّلون .
فليسَ معنى البداءِ في أمرِ الإمامِ العسكريّ (ع) هوَ جعلُ الإمامةِ فيهِ بعدَ أن كانَت في أخيهِ السّيّدِ محمّد سبعِ الدّجيل .
المعنى الصّحيحُ للبداءِ فيهم وفي إسماعيلَ إبنِ الإمامِ الصّادق (ع) والسّيّدِ محمّد سبعِ الدّجيل ، هوَ ما يرتبطُ بدفعِ القتلِ عنهُم ، أو إظهارِ أمرٍ كانَ خافياً عنِ النّاس ، وهكذا ...
قالَ الشّيخُ المُفيد : فأمّا الرّوايةُ عَن أبي عبدِ اللهِ - عليهِ السّلام - مِن قولِه : " ما بدا للهِ في شيءٍ كما بدا لهُ في إسماعيلَ" فإنّها على غيرِ ما توهّموهُ أيضاً منَ البداءِ في الإمامةِ وإنّما معناها ما رويَ عَن أبي عبدِ اللهِ - عليهِ السّلام - أنّهُ قالَ : إنَّ اللهَ تعالى كتبَ القتلَ على إبني إسماعيلَ مرّتينِ فسألتُه فيهِ فعفا عَن ذلكَ فما بدا لهُ في شيءٍ كما بدا لهُ في إسماعيلَ ، يعني به ما ذكرَه منَ القتلِ الذي كانَ مكتوباً فصرفَهُ عنهُ بمسألةِ أبي عبدِ اللهِ - عليه السّلام - وأمّا الإمامةُ فإنّهُ لا يوصفُ اللهُ فيهِ بالبداء ، وعلى ذلكَ إجماعُ فقهاءِ الإماميّةِ ومعُهم فيهِ أثرٌ عنهم - عليهم السّلام - أنّهم قالوا : مهما بدا للهِ في شيءٍ فلا يبدو لهُ في نقلِ نبيٍّ عَن نبوّتِه ولا إمامٍ عَن إمامتِه ولا مؤمنٍ قَد أخذَ عهدَه بالإيمانِ عَن إيمانِه . (الفصولُ المُختارةُ ص309) وسيأتي أيضاً نصُّ الشّيخِ الطّوسي .
وقالَ السّيّدُ عليّ خان المدني : رويَ عنِ الصّادقِ (عليه السّلام) : أنّهُ قالَ : ما بدا للهِ أمرٌ كما بدا لهُ في إسماعيلَ ، فتوهّمَ بعضُهم أنّ معناه أنّه جعلَه أوّلاً قائماً بعدَه مقامُه ، فلمّا توفّيَ نُصبَ الكاظمُ (عليه السّلام) بدلَه ، وهذا وهمٌ باطلٌ وخطأٌ محضٌ ، كيفَ وقد ثبتَ وصحَّ مِن طرقِ الإماميّةِ ، ورواياتِهم أنّ النّبيّ (صلَى اللهُ عليه وآله) قد أنبأ بأئمّةِ أمّتِه ، وأوصيائِه مِن عترتِه وأنّهُ سمّاهم بأعيانِهم (عليهم السّلام) ، وأنَّ جبرئيلَ (عليه السّلام) نزلَ بصحيفةٍ منَ السّماءِ فيها أسماؤهم وكناهُم ، كما شُحنَت بالرّوايات في ذلكَ كتبُ الحديثِ سيّما كتابُ الحُجّةِ منَ الكافي . (رياضُ السّالكين : 1 / 128)
ثالثاً : أمّا ما يتعلّقُ بالبداءِ في الإمامِ العسكريّ (ع) : فإنّ بعضَ أصحابِ الإمامِ الهادي (ع) كانوا يظنّونَ ويتصوّرونَ أنّ السّيّدَ محمّداً سبعَ الدّجيل هوَ الإمامُ بعدَ أبيه ، وذلكَ لكبرِ سنّهِ ، وهذا الفهمُ الخاطئ نتجَ ممّا رويَ عَن أحدِهم أنّهُ قالَ للإمامِ الهادي (ع) : إن كانَ كونٌ – وأعوذُ بالله – فإلى مَن ؟ قالَ (ع) : عهدي إلى الأكبرِ مِن ولدي . (الكافي للكُليني : 1 / 326) فالإمامُ الهادي (ع) عيّنَ لهُ الإمامَ مِن بعدِه بالوصفِ لا بالإسمِ ، وكانَ وقتَها السّيّدُ مُحمّد أكبرَ أبناءِ الإمامِ (ع) ، فتصوّرَ هؤلاءِ أنّهُ الإمامُ بعدَ أبيه لإنطباقِ وصفِ "أكبرُ ولدي" عليهِ آنذاك ، ولكنَّ الإمامَ الهادي (ع) كانَ ناظراً إلى الأمرِ مِن بعدِ وفاتِه ، لا في حياتِه ، إذ لا معنى لإمامةِ سبعِ الدّجيلِ في حياةِ أبيه .
ولما توفيَ السّيّدُ محمّد فجأةً في حياةِ أبيه ، صارَ الإمامُ العسكريّ (ع) أكبرَ ولدِه ، فظهرَ للنّاسِ خطأُ تصوّرهم ، وزيفُ إعتقادِهم في إمامةِ سبعِ الدّجيلِ ، وتبيّنَ لهُم أنّ مقصودَ الإمامِ الهادي (ع) مِن : " أكبر ولدي " بعدَ وفاتِه ، فظهرَ لهُم أنّ اللهَ لم يُنصِّب سبعَ الدّجيلِ للإمامةِ ، وإنّما نصبَ الإمامَ الحسنَ العسكريّ (ع) ، فأظهرَ اللهُ إمامةَ الإمامِ العسكريّ (ع) للنّاسِ بعدَ أن خفيَ عليهم ، وذلكَ عندَ وفاةِ السّيّدِ محمّدٍ سبعِ الدّجيل .
ولِذا وردَ في الرّوايةِ أنَّ الإمامَ الهادي (ع) قالَ للإمامِ العسكريّ (ع) : يا بُنيّ أحدِث للهِ شُكراً فإنَّ اللهَ قَد أحدثَ فيكَ أمراً . (الكافي للكُلينيّ) إذ ظهرَ للنّاسِ أنّهُ الإمامُ بعدَ أبيه .
فالبداءُ بمعنى الإبداءِ وهوَ الإظهارُ ، يعني إظهارَ ما كانَ خافياً على الناس ، إذ خفيَ على بعضِ الشّيعةِ إمامةُ الإمامِ الحسنِ العسكريّ (ع) برهةً منَ الزّمن .
وليسَ البداءُ بمعنى أنَّ اللهَ في بدايةِ الأمرِ جعلَ الإمامةَ في السّيّدِ محمّدٍ سبعِ الدّجيلِ ، وأخبرَ أنّها لهُ ، ثمَّ شاءَ وأرادَ أن يجعلَها في الإمامِ العسكريّ (ع) ، وأخبرَ أنّها له !
هذا المعنى للبداءِ باطلٌ ، إذ لا بداءَ في الإمامةِ ، كما أجمعَ عليهِ العُلماء .
فالأمرُ يرتبطُ بمسائلَ ظاهريّةٍ وإعتقاداتِ وتصوّراتِ النّاسِ ، ولا يرتبطُ بتغييرٍ وتبديلٍ في الأئمّةِ عليهم السّلام .
قالَ الشّيخُ الطّوسي : ما تضمّنَ الخبرُ المُتقدّمُ مِن قولِه : " بدا للهِ في محمّدٍ كما بدا لهُ في إسماعيلَ " معناهُ ظهرَ منَ اللهِ وأمرُه في أخيهِ الحسنِ ما زالَ الرّيبُ والشّكُ في إمامتِه ، فإنَّ جماعةً منَ الشّيعةِ كانوا يظنّونَ أنَّ الأمرَ في محمّدٍ مِن حيثُ كانَ الأكبرُ ، كما كانَ يظنُّ جماعةٌ أنَّ الأمرَ في إسماعيلَ بنِ جعفرٍ دونَ موسى عليه السّلام فلمّا ماتَ محمّدٌ ظهرَ مِن أمرِ اللهِ فيه ، وأنّهُ لَم ينصِبهُ إماماً ، كما ظهرَ في إسماعيلَ مثلُ ذلكَ لا أنّهُ كانَ نصَّ عليهِ ثمَّ بدا لهُ في النّصِّ على غيرِه ، فإنَّ ذلكَ لا يجوزُ على اللهِ تعالى العالمِ بالعواقبِ . (الغيبةُ للطّوسي ص202) .
وقالَ الشّيخُ البلاغيّ : قد كانَ النّاسُ يحسبونَ أنَّ إسماعيلَ بنَ الصّادقِ عليهِ السّلام هو الإمامُ بعدَ أبيهِ ، لِمَا علمُوهُ مِن أنَّ الإمامةَ للولدِ الأكبرِ ما لم يكُن ذا عاهةٍ ، ولأنَّ الغالبَ في الحياةِ الدّنيا وأسبابِ البقاءِ أن يبقى إسماعيلُ بعدَ أبيهِ عليه السّلام ، فبدا وظهرَ بموتِ إسماعيلَ أنَّ الإمامَ هوَ الكاظمُ عليهِ السّلام ، لأنَّ عبدَ اللهِ كانَ ذا عاهةٍ ، فظهرَ للهِ وبدا للنّاسِ ما هوَ في علمِه المكنونِ .
وكذا في موتِ محمّدٍ بنِ الهادي عليهما السّلام ، حيثُ ظهرَ للشّيعةِ أنَّ الإمامَ بعدَ الهادي هوَ الحسنُ العسكريّ عليهِ السّلام .
وهذا الظّهورُ للشّيعةِ هوَ الأمرُ الذي أحدثَهُ اللهُ بموتِ محمّدٍ ، كما قالَ الهادي للعسكريّ عليهما السّلام عندَ موتِ محمّدٍ : " أحدِث للهِ شكراً ، فقَد أحدثَ فيكَ أمراً" . (أربعُ رسائلَ - مسألةٌ في البداء ص74)
ولعلّهُ – واللهُ العالِم – لأجلِ إعتقادِ بعضِ الشّيعةِ بإمامةِ السّيّدِ محمّدٍ سبعِ الدّجيل ، تصوَرَت السّلطةُ العبّاسيّةُ الحاكمةُ أو غيرُها بأنّهُ الإمامُ اللّاحقُ للشّيعةِ ، فبادرَت الى إغتيالِه وتصفيتِه بالسّمِّ ، فكانَ رحمَهُ اللهُ فداءً للإمامِ العسكريّ (ع) ، فصرفَ اللهُ القتلَ والإغتيالَ عنِ الإمامِ العسكريّ (ع) ، ولذا قالَ لهُ الإمامُ الهادي (ع) : أحدِث للهِ شُكراً فإنَّ اللهَ أحدثَ فيكَ أمراً . إذ دفعَ عنهُ القتل .
ولا مانعَ أن يكونَ كِلا الأمرين مورداً لقولِ الإمامِ الهادي (ع) : أحدِث للهِ شُكراً فإنّ اللهَ قَد أحدثَ فيكَ أمراً " مِن دفعِ القتلِ عنه ، وإظهارِ إمامتِه للنّاس .
هذا ما يرتبطُ بالبداءِ في الإمامِ العسكريّ عليهِ السّلام .
رابعاً : أمّا البداءُ في الإمامِ الهادي عليهِ السّلام : فلا نعلمُ بالضّبطِ ما هوَ ذلكَ الأمرُ أو الحادثةُ التي حصلَ فيها البداءُ فيه ، لعلّه حصلَ شيئٌ ولكنّه لم يصِلنا ، أو كانَ فيما يرتبطُ بالقيامِ بالسّيفِ ، أو هوَ نفسُ البداءِ الذي حصلَ للإمامِ العسكريّ (ع) ، ونُسِبَ للإمامِ الهادي (ع) مِن بابِ أنّه هوَ المعنيُّ بإظهارِ إمامةِ الإمامِ العسكريّ (ع) .
قالَ العلّامةُ المجلسيّ مُعلِّقاً على هذهِ الفقرةِ منَ الزّيارةِ : أمّا البداءُ في أبي محمّدٍ الحسنِ عليه السّلام فقد مضى في بابِ النّصِّ عليه أخبارٌ كثيرةٌ بأنَّ البداءَ قَد وقعَ فيهِ وفي أخيهِ الذي كانَ أكبرَ منهُ وماتَ قبلَه ، كما كانَ في موسى وإسماعيل ، وأمّا في أبيهِ عليه السّلام فلم نرَ فيهِ شيئاً يدلُّ على البداءِ ، فلعلّهُ وقعَ فيهِ أيضاً شيءٌ مِن هذا القبيلِ ، أو منَ القيامِ بالسّيفِ أو غيرِهما ، أو نسبَ هذا البداءُ إلى الأبِ أيضاً لأنّ التّنصيصَ على الإمامةِ يتعلّقُ به . (بحارُ الأنوار: 99 / 63)
واللهُ العالم .
اترك تعليق