لماذا نقضِ معاويةَ الصّلحَ معَ الإمامِ الحسن (ع)
السّلامُ عليكُم ورحمة الله وبركاته:
لقَد إهتمَّ الإسلامُ بالعهودِ والمواثيقِ إهتماماً بالغاً فأكّدَ رعايتَها وضرورةَ الوفاءِ بها، قالَ تعالى: (وأوفوا بالعهدِ إنَّ العهدَ كانَ مسؤولاً) [الإسراءُ: 34]، وعليهِ فلا يجوزُ للمؤمنينَ باللهِ تعالى ورسولِه الأكرمِ صلّى اللهُ عليهِ وآله خرقُ ذلكَ الميثاقِ، وذلكَ لِـما لهُ مِن الأهميّةِ عندَ اللهِ عزّ وجلّ، إذ يقولُ الرّسولُ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): المؤمنونَ عندَ شروطِهم، وقالَ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): المؤمن إذا وعدَ وفى، ويقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السّلام) في عهدِه لمالكٍ الأشتر : وإن عقدتَ بينَك وبينَ عدوّكَ عُقدةً أو ألبستَه منكَ ذمّةً فحُطَّ عهدَك بالوفاءِ وارعَ ذمّتكَ بالأمانةِ واجعَل نفسَك جُنّةً دونَ ما أعطيتَ، فإنّهُ ليسَ مِن فرائضِ اللهِ شيءٌ للنّاسِ أشدُّ عليهِ إجتماعاً معَ تفرّقِ أهوائِهم وتشتّتِ آرائِهم مِن تعظيمِ الوفاءِ بالعهود ...إلخ.
فإذا عرفتَ ذلكَ تعرفُ أنَّ مَن ينقضُ العهودَ والمواثيقَ هوَ خارجٌ عَن دائرةِ المؤمنينَ، وهذا ما كانَ عليهِ معاويةُ في حقيقةِ أحوالِه خصوصاً أنَّ هذا الأمرَ صارَ واضحاً لـمّا نقضَ صراحةً الصّلحَ الذي كانَ بينَه وبينَ الإمامِ الحسنِ عليه السّلام، فلم تمضِ أيّامٌ على إمضاءِ المعاهدةِ حتّى أعلنَ نقضَها فقالَ أمامَ المُسلمينَ: ألا وإنّي كنتُ منّيتُ الحسنَ وأعطيتُه أشياءَ وجميعُها تحتَ قدمي لا أفي لهُ بشيءٍ منها. [ الأربليّ، كشفُ الغمّة: ج1، ص542]. والسّببُ في نقضِه الصّلحَ حتى يبقى هوَ وذُرّيّتُه مُتسلِّطاً على رقابِ المُسلمينَ، وقَد صرّحَ بذلكَ أمامَ المُسلمينَ في خُطبتِه المشهورةِ التي نقلها غيرُ واحدٍ منَ المُصنّفينَ، منهُم: الحافظُ إبنُ أبي شيبةَ في كتابِه المُصنّف، رقمُ الخبرِ (31197) بإسنادِه إلى سعيدٍ بنِ سويد، قالَ صلّى بِنَا مُعَاوِيَةُ الجُمُعَةَ بِالنُّخَيلَةِ فِي الضُّحَى ، ثُمَّ خَطَبنَا فَقَالَ : مَا قَاتَلتُكُم لِتُصَلُّوا وَلاَ لِتَصُومُوا وَلاَ لِتَحُجُّوا وَلاَ لِتُزَكُّوا ، وَقَد أَعرِفُ أَنَّكُم تَفعَلُونَ ذَلِكَ ، وَلَكِن إنَّمَا قَاتَلتُكُم لأَتَأَمَّرَ عَلَيكُم .هذا هوَ السّببُ الرّئيسُ في نقضِ الصّلحِ، إذ لو لَم يفعَل ذلكَ لوجبَ عليهِ أن يفيَ للإمامِ الحسنِ عليه السّلام بما إشترطَ عليهِ منَ الشّروطِ التي أهمّها، أن تنتقلَ ولايةُ المُسلمينَ مِن بعدِ فترةِ معاويةَ إلى الإمامِ الحسنِ عليهِ السّلام، فلذا نقضَ المُعاهدةَ كلّها، إذ لم يكُن همُّ معاويةَ في حياتِه سوى الوصول إلى كُرسيّ الحُكمِ والبقاءِ فيه، فلذا تراهُ في حياتِه يستغلُّ مثلَ هذهِ الأموِر إستغلالاً سيّئاً، حتّى إنّه ضلّلَ كثيراً منَ المُسلمينَ بوسائلَ شتّى منذُ مقتلِ عثمانَ حتّى وصلَ إلى ما يريدُ. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق