أوّليات معاوية ومبتدعاته

السؤال: ما هي أوّليات معاوية ومبتدعاته التي سبق بها الآخرين؟

: الشيخ فاروق الجبوري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم أخي السائل أنّ كتب العامّة قد طفحت بذكر أوّليات معاوية بن أبي سفيان بما لا مجال لاحتوائه في إجابةٍ واحدةٍ، فهو أوّل رجلٍ يُعلن الحرب على الإسلام، ويعزم على طمس تعاليمه العقديّة والتشريعيّة والسلوكيَّة، وقد أمكن لمعاوية أنْ يُحدث ثغرةً عظيمةً في جدار وحدة المسلمين وحياتهم الفكريّة والسياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة، ولا تزال آثارها إلى يومنا هذا بل إلى يوم ظهور مهدي آل محمّد (عَجّل الله فرجه)، وسنقتطف لك أبرز أوّلياته ومبتدعاته تاركين القسم الأكبر منها ،ومقتصرين في المقام على ما ورد في كتب علماء السنّة حصراً:

1ـ أوّل من أشاع عقيدة الجبر بين الناس:

فقد ذكر علماء العامّة أنّ معاوية هو أوّل من أشاع فكرة الجبر بين المسلمين، فزعم أنّ كلّ فعلٍ يصدر عن العبد إنّما هو فعل الله تعالى، وواقعٌ بإرادته تعالى واختياره، وليس بإرادة العبد واختياره! وقد أراد معاوية بذلك تصحيح إمرته على المسلمين وتبرير جرائم بني أميّة وعمّالهم، حيث أشاع بنفسه وعمّاله أنّها جميعاً كانت بقدر الله وقضائه. روى أبو هلال العسكريّ: (إنّ معاوية أوّل من زعم أنَّ الله يريد أفعال العباد كلّها) [الأوائل ص368].

وأورد ابن قتيبة أنّه حينما اعترض عبد الله بن عمر على تولية معاوية لابنه يزيد من بعده، قام معاوية خطيباً في أهل المدينة حتّى قال: «.. يا عبد الله بن عمر، قد كنت تحدّثنا أنّك لا تحبّ أنْ تبيت ليلة وليس في عنقك بيعة جماعة، وأنّ لك الدنيا وما فيها، وإنّي أحذرك أنْ تشقَّ عصا المسلمين، وتسعى في تفريق مَلَئِهِم، وأنْ تسفك دماءهم، وإنّ أمر يزيد قد كان قضاءً من القضاء، وليس للعباد خيرةٌ من أمرهم» [الإمامة والسياسة ج1 ص210].

وقال شيخ الأزهر الأسبق عبد الحليم محمود: (رأى إذن بنو أميّة أنّ القول بالجبر يبرّر كلّ ما يأتون به من المظالم وعملوا على أن يُفسِّر الناسُ كلّ ظلمٍ بقضاء الله وقدره) [التفكير الفلسفي في الإسلام ص145].

2ـ أوّل من أعلن العداء للنبيّ (ص) وتوعّد بدفن ذكره:

لقد بات واضحاً لدى جميع المسلمين أنّ إرادة الله تعالى قد قضت برفع ذكر النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وتخليده على مرّ العصور، فقال عزّ من قائل: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4].

ولكنْ! لمعاوية موقفٌ مضادٌّ من ذلك، فقد روى عالم مكّة الزبير بن بكّار، وابن أبي الحديد، وغيرهما عن المطرف بن المغيرة بن شُعبة: عن أبيه: أنّ معاوية قال له - في حديثٍ طويلٍ -: «وإنّ ابن أبي كبشة [يعني النبيّ] لَيُصاح به كلّ يومٍ خمس مرات: أشهد أنَّ محمداً رسول الله، فأيُّ عمل يبقى؟ وأيُّ ذكرٍ يدوم بعد هذا لا أبا لك؟ لا والله إلّا ‌دفناً ‌دفناً» [الموفّقيات ص219، شرح نهج البلاغة ج5 ص129]

3ـ أول من أعلن وشرّع سبَّ أهل البيت جهاراً:

ليس خفيّاً على المسلمين ما لأهل البيت (عليهم السلام) من الحقوق التي فرضها الله تعالى، وما على الأمّة من واجب التعظيم والتقديس والمودّة لهم، بعدما عظّمهم سبحانه في العديد من آيات الكتاب العزيز، ومع ذلك فقد كان معاوية أوّل من أعلن بغضهم وشرّع سبّهم (عليهم السلام) على المنابر وجعل ذلك من الطاعات والقرّبات إلى الله تعالى.

نقل ابن أبي الحديد المعتزليّ عن شيخهم الجاحظ قال: (إنّ معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: «اللّهمّ إنّ أبا تراب أَلحدَ في دينك. وصدّ عن سبيلك، فالعنه لعناً وبيلاً، وعذّبه عذاباً أليماً» وكتب ذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات يُشاد بها على المنابر إلى أيام عمر بن عبد العزيز. وإنّ قوماً من بني أمية قالوا لمعاوية: يا أمير المؤمنين؟ إنّك قد بلغت ما أمّلت فلو كففت عن هذا الرجل. فقال: «لا والله حتّى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلاً»). [شرح نهج البلاغة ج4 ص57].

وقال المسعوديّ: (ثمّ ارتقى بهم الأمر في طاعته [أي طاعة معاوية] إلى أن جعلوا لعن عليٍّ سُنَّة ينشأ عليها الصغير ويهلك عليها الكبير) [مروج الذهب ج3 ص42].

ونقل العلويّ عن الحافظ السيوطيّ قوله: (إنّه كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبرٍ يُلعن عليها عليّ بن أبي طالب بما سَنَّه لهم معاوية من ذلك) [النصائح الكافية ص104].

ولقد كان رجال الدولة الأمويّة يتفاخرون بذلك، فها هو عبد الله بن هانئ الأوديّ - أحد القادة في جيوش بني أميّة - يقول في معرض مدحه لقومه: «وما منّا رجلٌ عُرِض عليه شتمُ أبي تراب ولعنه إلّا فعل، وزاد ابنيه حسناً وحُسيناً وأمّهما فاطمة!» [شرح نهج البلاغة ج4 ص61].

4ـ أوّل من حوّل الخلافة إلى ملكٍ عضوضٍ وأجبر الناس على البيعة:

قال السيوطيّ: (وأوّل من استخلف ولي العهد في حياته معاوية) [تاريخ الخلفاء ص27]. وأخرج أبو داود ونعيم بن حمّاد وأبو يعلى بسندٍ صحيحٍ عن أبي عبيدة بن الجرّاح ومعاذ بن جبل عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال: «إنّ الله عزّ وجلّ بدأ هذا الأمر نبوّة ورحمة، وكائناً خلافة ورحمة، وكائناً ‌ملكاً ‌عضوضاً، وكائناً عُنوة وجبريّة وفساداً في الأرض، يستحلّون الفروج، والخمور، والحرير، ويُنصرون على ذلك، ويُرزقون أبداً حتّى يلقَوا الله» [مسند الطيالسيّ ج1 ص184، الفتن ج1 ص98، مسند أبي يعلى ج2 ص177].

وقد روى ابن أبي خيثمة: أنّه قدم زياد المدينة فخطب أهلها وقال: «يا معشر أهل المدينة، إنّ أمير المؤمنين حَسُن نظره لكم، وأنّه جعل لكم مفزعاً تفزعون إليه، يزيد ابنه. فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: يا معشر بني أميّة... أَلَا وإنّما أردتم أن ‌تجعلوها ‌قيصريّة، كلّما مات قيصر كان قيصر» [التاريخ الكبير ج2 ص71].

وهكذا تمّ تحويل الخلافة إلى الملك العضوض، وإلى الجبر والفساد في الأرض على يد معاوية حينما وَلِيَ الناس قهراً ثمّ أجبرهم على بيعة ابنه الفاجر يزيد وريثاً للحكم.

5ـ أوّل من استلحق في الإسلام:

إنّ من أبرز قوانين الشريعة الإسلامية - التي لا خلاف فيها - ما أسّس له النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بقوله: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» [صحيح البخاريّ ج2 ص724، صحيح مسلم ج2 ص1080، الكافي ج5 ص491، الاستبصار ج3 ص368]، فمن ولدت زوجته من الزنا أُلحق الولد به.

ولكنّ معاوية قفز على هذا التقنين وخالفه، فقد روى علماء القوم: أنّ أبا سفيان قارف الرذيلة مع امرأةٍ بَغيٍّ يُقال لها سميّة، وهي جارية الحارث بن كلدة وزوجة لأحد عبيده، فحملت منه بزياد، فكان يقال له: زياد بن عبيد، وزياد بن أبيه، وزياد ابن سميَّة، وزياد ابن أمّه، حتّى قام معاوية بما لم يسبقه إليه أحدٌ في الإسلام حيث استلحق زياداً بأبي سفيان، وأصدر مرسوماً بذلك، فعندها صار أكثر الناس يقولون: زياد بن أبي سفيان. [ينظر: أخبار مكّة للأزرقيّ ج2 ص239، أخبار مكّة للفاكهيّ ج3 ص288، تاريخ الطبريّ ج5 ص214، العقد الفريد ج5 ص267، المنتظم ج5 ص210].

6ـ أوّل من سبى المسلمات وأقامهنَّ في الأسواق للبيع:

فقد فعلت جيوشه ما لم يسمع به المسلمون من قبل على الإطلاق، حيث سُبيت النساء المسلمات اللواتي أسرهنّ بسر بن أرطاة من قبيلة همدان وكذلك نساء من أهل اليمن، ثمّ قام بعرضهنَّ في الأسواق للبيع، وقد روى ذلك غير واحدٍ من علماء السنّة بلا نكير، منهم ابن أبي شيبة، وابن عبد البرّ، والذهبيّ، وغيرهم [ينظر: المصنّف ج21 ص385، الاستيعاب ج1 ص161، تاريخ الإسلام ج5 ص369].

7ـ أوّل مَن منع الناس من التلبية في الحجّ:

فقد روى النسائيّ بإسنادٍ صحيحٍ عن سعيد بن جبير قال: «كنت مع ابن عبّاس بعرفات فقال: ما لي لا أسمع الناس يُلبّون؟ قلت: يخافون من معاوية، فخرج ابن عبّاس من فسطاطه فقال: لبّيك اللّهمّ لبّيك، فإنّهم قد تركوا السنّة مِن بُغض عليٍّ» [سنن النسائيّ ج5 ص252، المستدرك ج1 ص464]، قال الحاكم: (هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه)، وقال الألبانيّ: (صحيح الإسناد) [صحيح سنن النسائيّ ج2 ص631].

8ـ أوّل من يدّعي الإسلام ويبيع الأصنام:

روى البلاذريّ والطبريّ بطرقٍ مختلفةٍ عن أبي وائل قال: «كنتُ مع مسروق بالسلسلة فمرّت به سفائن فيها أصنام من صِفرٍ تماثيل الرجال، فسألهم عنها فقالوا: بعث بها معاوية إلى أرض السند والهند تُباع له، فقال مسروق: لو أعلم أنّهم يقتلونني لغرّقتها، ولكنّي أخاف أن يعذّبوني ثمّ يفتنوني، والله ما أدري أيّ الرجلين معاوية، أَرَجُلٌ قد يئس من الآخرة فهو يتمتّع من الدنيا؟!، أم رَجُلٌ زيّن له سوء عمله؟!» [أنساب الأشراف ج5 ص129، تهذيب الآثار ص241].

9ـ أوّل من يدّعي الخلافة ويجاهر في شرب الخمر:

فقد أخرج الإمام أحمد بن حنبل بإسناد معتبر عن عبد الله بن بريدة قال: «دخلتُ أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش، ثمّ أُتينا بالطعام فأكلنا، ثمّ أُتينا بالشراب فشرب معاوية، ثمّ ناول أبي، ثمّ قال: ما شربته منذ حرّمه رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، ثمّ قال معاوية: كنتُ أجمل شباب قريشٍ وأجوده ثغراً، وما شيءٍ كنت أجد له لذّة - كما كنت أجده وأنا شاب - غير اللبن، أو إنسان حسن الحديث يحدّثني» [مسند أحمد ج5 ص347]. ويمكن مراجعة جوابٍ سابق بعنوان: (هل شرب معاوية الخمر؟).

10ـ أوّل والٍ يتمرّد على الخليفة الشرعيّ ويقاتله:

إنّ من حقّ الخليفة الشرعيّ عزل الولاة لسببٍ أوآخر؛ كعدم الكفاءة أو الفساد الماليّ أو الإداريّ، أو الأخلاقيّ، وهذا ما قام به أمير المؤمنين (عليه السلام) حالما تولّى الخلافة حيث عزل جملةً من الولاة بضمنهم معاوية بن أبي سفيان، لكنّ الرجل رفض ذلك وأعلن التمرّد حتّى وقعت معركة صفّين التي راح ضحيّتها آلاف المسلمين. [ينظر: تاريخ الطبريّ ج4 ص2].

11ـ أوّل مَن نبش قبور الشهداء في الإسلام:

فقد أراد معاوية أنْ يُجري عين ماءٍ له شخصيّاً في المدينة، فقال له عامله على المدينة بأنّه لا طريق لها إلّا على قبور شهداء أُحد فأمر بنبشها وإجراء العين، روى ابن المبارك وعبد الرزاق الصنعانيّ بإسنادينِ صحيحينِ عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ، قال: «لمّا أراد معاوية أن يجري الكظامة قال: مَن كان له قتيل فليأتِ قتيله يعني قتلى أحد. قال: فأخرجناهم رطاباً يتثنّون، قال: فأصابت المسحاة أصبع رجلٍ منهم، فانفطرت دماً، فقال أبو سعيد الخدريّ: ولا يُنكِر بعد هذا مُنكِرٌ أبداً» [كتاب الجهاد ص84، المصنّف ج3 ص547]. ولا خلاف بين علماء السنّة في أنّ الشهيد الذي أُصيبت قدمه هو سيّد الشهداء الحمزة بن عبد المطّلب (عليه السلام) [ينظر: الطبقات الكبرى ج3 ص563، أنساب الأشراف ج4 ص289]، وسنعقد جواباً خاصّاً بهذا الموضوع.

12ـ يأخذ الزكاة من رواتب الفقراء:

أخرج الإمام مالك بن أنس بإسناده عن ابن شهاب الزهريّ أنّه قال: «أوّل من أخذ ‌من ‌الأعطيةِ ‌الزكاةَ معاوية بن أبي سفيان» [الموطأ ج1 ص252]. والأعطية: هي ما يُعطى من بيت المال للمعوزين والفقراء من المسلمين، فجاء معاوية ففرض عليهم الزكاة فيها!.

13ـ أوّل من خالف سيرة النبيّ (ص) فخطب جالساً:

فمعاوية أوّل من خطب على منبر الجمعة جالساً، فقد أخرج ابن أبي عاصم وأبو هلال العسكريّ عن الشعبيّ قال: (أوّل من خطب جالساً معاوية، حين كثر شحمه وعظمت بطنه، وهو أوّل من نقّص التكبير، وكان إذا قال: «سمع الله لمن حمده» انحطّ الى السجود ولم يكبّر، فعدَّ الناس خطبته جالساً من البدع)، وأخرجه ابن أبي شيبة عن طاوس [الآحاد والمثاني ج1 ص380، الأوائل ص240، المصنّف ج4 ص108].

14ـ أوّل من يركب في مناسك الحجّ:

روى الإمام مالك أيضاً بإسناده عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: «أنّ الناس كانوا إذا رموا الجمار، مشوا ذاهبين وراجعين، ‌وأوّل ‌من ‌ركب ‌معاوية بن أبي سفيان» [مصدر سابق ج1 ص545].

15ـ أوّل من يرفع الأذان لصلاة العيد:

روى ابن أبي شيبة بسندٍ صحيحٍ: أنّه أوّل من أحدث الأذان في صلاة العيد [المصنّف ج4 ص216].

إلى غير ذلك ممّا يضيق المقام عن ذكره، ختاماً هذا ما وفّقنا الله تعالى لإيراده، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.