حادثةُ مبيتِ الإمام (ع) في فراشِ النبيّ (صلّى الله عليهِ وآله) 

تبيان حادثة مبيت أمير المؤمنين عليه السلام في فراش النبي صلى الله عليه وآله وماحدث حين وجدوه وعن عدد المهاجمين وهل هم معروفين جزيتم عن محمد وآله كل خير

: السيد رعد المرسومي

 

السّلامُ عليكم ورحمة الله: 

الجوابُ: هذهِ الحادثةُ منَ الحوادثِ المشهورةِ والمعروفةِ بينَ أهلِ التّأريخِ والسّيرِ، وأمّا أسماءُ الذينَ هجموا على بيتِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فلا يُعرفونَ ، إذ لم يُشِر أحدٌ مِن أهلِ العلمِ إليهم، ولا إلى أعدادِ المُهاجمينَ ، وإليكَ بيانَ هذهِ الحادثةِ كما وقفنا عليها: لقد قامَ زعماءُ قريش بإيذاءِ المسلمينَ وإضطهادِهم ليرغموهم على تركِ الإسلامِ، وعلى إثرِ ذلكَ أمرَ الرّسولُ الأكرمُ محمّدٌ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) المُسلمينَ بالهجرةِ إلى المدينةِ، وقد توجّهَ المسلمونَ إثرَ هذا القرار إلى المدينةِ في عدّةِ مراحلَ على شكلِ مجموعاتٍ صغيرةٍ، وبصورةٍ سرّيّةٍ بعيداً عَن أنظار قُريش. [يُنظر: السّيرةُ النّبويّةُ لابنِ هشام ج1/ص480]. 

وقد إجتمعَ جمعٌ مِن قُريش في دارِ النّدوةِ، للتّشاورِ وإتّخاذِ القرار حولَ كيفيّةِ مواجهةِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وإنّ الشّيطانَ طِبقاً لبعضِ المصادر التّاريخيّةِ- كانَ حاضراً معَهم في هذهِ الجلسةِ على هيئةِ رجلٍ عجوز يديرُ الجلسةَ، ويُرشدُ المُشركينَ برأيه. [ينظر: الكاملُ في التّاريخِ لإبنِ الأثير ج2/ص926]. وقد صدرَ القرارُ أخيراً -بعدَ إقتراحٍ مِن أبي جهل- على إختيار شابٍّ شُجاعٍ مِن كلِّ قبيلةٍ حتّى يُداهموا بيتَ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ليلاً ليقتلوهُ ، ويتقسّمَ دمُه بينَ جميعِ قبائلِ العربِ، وعندئذٍ لا يكونُ بمقدور بني هاشمٍ المُطالبةُ بالثّأرِ له، ومحاربةُ جميعِ قبائلِ قريش، فيضطرّونَ أخيراً للقبولِ بـالديّةِ. [ينظر: أعلامُ الورى للطّبرسيّ،ص88]. 

بعدَ ذلكَ نزلَ الأمينُ جبرئيل على رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بعدَ قرار وعزمِ قريشٍ على قتلِه (ص) ليُطلعَه على خطّةِ قريش، وليبلغَهُ حكمَ اللهِ سبحانَه، كما جاءَ في الآيةِ 30 مِن سورةِ الأنفال ﴿وَإِذ يَمكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثبِتُوكَ أَو يَقتُلُوكَ أَو يخُرِجُوكَ وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَير المَاكِرِين﴾، فقرّرَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) حينئذٍ تركَ بيتِه قبلَ وصولِ المُشركينَ مُتوجّهاً إلى يثرب. [ينظر: السّيرةُ الحلبيّةُ ج2/ص32]. وقد تلا عندَ خروجِه منَ البيتِ آيةَ ﴿وَجَعَلنا مِن بَينِ أَيديهِم سَدًّا وَمِن خَلفِهِم سَدًّا فَأَغشَيناهُم فَهُم لا يُبصِرُون﴾، ليخفى عَن أنظارِ المُشركينَ الذينَ كانوا يُحاصرونَ بيتَه. [ينظر: فروعُ الدّينِ للسّبحانيّ ج1/ص420]. 

 وتذكرُ بعضُ المصادر أنّ النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله) قالَ لعليّ (ع): يا عليّ (ع)! إنّ الرّوحَ الأمينَ هبط عليّ يُخبرني أنَّ قُريشاً إجتمعَت على المكر بي وقتلي، وأنّه أوصى إليّ عَن ربّي عزَّ وجلّ أن أهجرَ دارَ قومي، وأن أنطلقَ إلى غارِ ثور تحتَ ليلتي، وأنّه أمرَني أن آمرَك بالمبيتِ على مضجعي لتُخفي بمبيتِك عليهِ أثري، فما أنتَ قائلٌ وصانع؟»، فقالَ عليُّ (ع) «أو تَسلمنَّ بمبيتي هناكَ يا نبيَّ الله؟»، قالَ: «نعم»، فتبسّمَ عليٌّ (ع) ضاحكاً، وأهوى إلى الأرضِ ساجداً، فلمّا رفعَ رأسَه قالَ له: «إمضِ لِما أُمرتَ، فداكَ سمعي وبصري وسويداءُ قلبي، ومُرني بما شئتَ أكُن فيه كمسرّتِك واقعٌ منه بحيث مُرادُك، وإن توفيقي إلّا بالله. [ينظر: بحارُ الأنوارِ للمجلسيّ ج19/ص60]. 

ثمَّ ضمَّه رسولُ اللهِ (ص) إلى صدرِه وبكى إليهِ وجداً به، وبكى عليّ (ع) جشعاً لفراقِ رسولِ الله (ص)، ثمّ إفترقا. [ينظر: الأمالي للطّوسيّ ، ص466]. 

هذا وقد حاصرَ المشركونَ بيتَ النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله) ليهجموا عليه في منتصفِ الليلِ، فقالَ لهم أبو لهب: إنّ في هذهِ الدّارِ نساءُ بني هاشم وبناتُهم، ولا تأمن أن تقعَ يدٌ خاطئةٌ إذا وقعَت الصّيحةُ عليهنَّ فيبقى ذلكَ علينا مسبّةً وعاراً إلى آخرِ الدّهرِ في العربِ. [ينظر: السّيرةُ الحلبيّةُ ج2/ص32] . فأغلقَ الإمامُ عليّ أبوابَ البيتِ وأسدلَ السّتارَ، فلمّا خلقَ الليلُ وانقطعَ الأثرُ أقبلَ القومُ على عليّ (ع) قذفاً بالحجارةِ ليتأكّدوا مِن حضورِه بالبيتِ، فلا يشكّونَ أنّهُ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، [ينظر: الأمالي للطوسيّ ، ص498]، حتّى إذا برقَ الفجرُ وأشفقوا أن يفضحَهُم الصّبحُ هجموا على عليّ (ع) وقد إنتضوا السّيوفَ، ووثبوا إلى الحُجرةِ، وقصدوا الفراشَ، فوثبَ عليٌّ في وجوهِهم فقالَ: ما شأنُكم؟ فقالوا لهُ أينَ محمّدٌ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فقالَ لهم: أجعلتموني رقيباً عليه؟ ألستُم قُلتم : نُخرجُه من بلادنا؟ فقَد خرجَ عنكم.  

فأقبلوا عليه (ع) يضربونَه، ثمَّ أخرجوهُ منَ البيتِ، وحبسوهُ في المسجدِ الحرامِ ساعةً من الليلِ، وضربوهُ حتّى كادوا يقتلونَه. [ينظر: بحارُ الأنوارِ للمجلسيّ ج19/ص92]. ثمَّ توجّهوا نحوَ المدينةِ يطلبونَ النّبيّ  (صلّى اللهُ عليه وآله)، [ينظر: الإختصاصُ للمُفيد، ص30].

ورويَ أنّ الإمامَ عليّاً (ع) حينَما كانَ في فراشِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، هبطَ جبرئيلُ (ع) فجلسَ عندَ رأسِه، وميكائيلُ عندَ رجليه، وجعلَ جبرئيلُ يقولُ: بخٍ بخ، مَن مثلكَ يا إبنَ أبي طالب! واللهُ عزّ وجلّ يُباهي بكَ الملائكة. [ينظر: الصّدوقُ، الأمالي، ص469.؛ الفخرُ الرّازيّ، مفاتيحُ الغيب، ج 5، ص 174 ؛ الحاكمُ الحسكانيّ، شواهدُ التّنزيل، ج 1، ص123]. ودمتُم سالمين.