كيفَ تطوّرَت التّفاسيرُ في المذهبِ الإماميّ إبتداءً مِن تفسيرِ مجمعِ البيانِ للطّبرسيّ وإنتهاءً بالتّفاسيرِ المُعاصرةِ حتّى يومِنا الحاضر؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
إرتبطَت البداياتُ الأولى لتفسيرِ القرآنِ بالتّعلّمِ المُباشرِ مِن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) والأئمّةِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السّلام)، ولم يكُن التّفسيرُ في بداياتِه الأولى عِلماً لهُ إستقلالٌ خاصٌّ عَن بقيّةِ العلومِ الإسلاميّةِ، وإنّما كانَ التّعاملُ معَ معارفِ الإسلامِ كوحدةٍ عضويّةٍ يتداخلُ فيها التّفسيرُ بالعقائدِ والفقهُ بالأخلاقِ وهكذا لم يكُن هناكَ تخصّصٌ في دراسةِ المعارفِ الإسلاميّةِ، وبعد تطوّرِ العلومِ الإسلاميّةِ باتَ منَ الضّروريّ أن يكونَ لكلِّ حقلٍ عنوانُه الخاصُّ الذي تُبحثُ فيهِ كلُّ المسائلِ المُتعلّقةِ بهِ، فاهتمَّ علمُ التّفسيرِ في بداياتِه الأولى بجمعِ الرّواياتِ المأثورةِ التي جاءَت في تفسيرِ الآياتِ، ثمَّ إتسعَت آليّاتُ التّفسيرِ بدخولِ منهجيّاتٍ جديدةٍ لها علاقةٌ بفهم النّصوصِ، وقد صنّفَ السّيّدُ الطّباطبائيُّ التّدرّجَ التّاريخيَّ لمُفسّري الشيعةِ ضمنَ ثلاثِ طبقات:
الطّبقةُ الأولى: الّذينَ رووا التّفسيرَ عنِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وأئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام)، وأدرجوا الأحاديثَ في مؤلّفاتِهم المُتفرّقةِ، كزُرارةَ ومحمّدٍ بنِ مسلم وأشباهِهما.
الطّبقةُ الثّانية: وهُم أوائلُ المُؤلّفينَ في التفسيرِ، كفُراتٍ بنِ إبراهيمَ الكوفي، وأبي حمزةَ الثّمالي، والعيّاشي، وعليٍّ بنِ إبراهيم القمّي، والنّعماني.
الطّبقةُ الثّالثة: أصحابُ العلومِ المُختلفةِ، كالشّريفِ الرّضيّ في تفسيرِه الأدبيّ، والشّيخِ الطّوسيّ في تفسيرِه الكلاميّ المُسمّى بالتّبيانِ، وصدرِ الدّين الشيرازي في تفسيرِه الفلسفيّ والميبديّ الكونابادي في تفسيرِه الصّوفي، والشّيخِ عبدِ عليّ الحويزي، والسّيّدِ هاشمٍ البحرانيّ، والفيضِ الكاشاني في تفاسيرِهم نورِ الثقلينِ والبرهانِ والصّافي. ومنهُم مَن جمعَ بينَ العلومِ المُختلفةِ في تفسيرِه كالشيخِ الطبرسيّ في تفسيرِه مجمعِ البيانِ (القرآنُ في الإسلامِ، دارُ الزّهراءِ للطّباعةِ والنّشر ص52-62)
فقد جعلَ السّيّدُ الطباطبائيّ تفسيرَ مجمعِ البيانِ منَ الطبقةِ الثالثةِ والأخيرةِ، ممّا يعني أنَّ تفسيرَ مجمعِ البيانِ ضمنَ التّطوّرِ الذي ما زالَ مستمرّاً إلى اليوم، وعليهِ لم يشهَد التفسيرُ الشيعيُّ المُعاصرُ تحوّلاً يصبحُ معهُ تفسيرُ مجمعِ البيانِ مِن مرحلةٍ أخرى، فالمناهجُ التي إستخدمَها الشّيخُ الطبرسيُّ ما زالَت هيَ ذاتُها حاضرةً في التّفاسيرِ المُعاصرةِ، ومعَ أنَّ تقسيمَ العلّامةِ الطّباطبائيّ جاءَ على نحوِ الإجمالِ، إلّا أنّهُ أشارَ إلى مناهجِ التّفسيرِ كسببٍ في تباينِ طبقاتِ المُفسّرينَ، فالطبقةُ الأولى والثانيةُ تشتركانِ في مناهجِ التّفسيرِ بالمأثورِ، في حينِ أنَّ الطّبقةَ الثّالثةَ هيَ التي شهدَت تحوّلاً كبيراً في المناهجِ التفسيريّةِ، حيثُ إعتمدَت التّفاسيرُ على مناهجَ مُتعدّدةٍ وإستعانَت بعلومٍ جديدةٍ مثلَ علمِ الكلامِ والفلسفةِ والتّصوّفِ مُضافاً لتطوّرِ علومِ اللّغةِ العربيّةِ، وإن كانَ مجمعُ البيانِ يُمثّلُ البداياتِ لهذا التوسّعِ المنهجيّ إلّا أنّهُ مازالَ هوَ الحاكمَ على معظمِ التّفاسيرِ المُعاصرةِ، وما نلاحظه مِن تباينٍ بينَ تفاسيرِ هذهِ المرحلةِ يعودُ إلى توظيفِ المُفسّرِ لتلكَ المناهجِ وإهتمامِ كلِّ واحدٍ بحقلٍ علميٍّ أكثرَ منَ الآخرِ، والعنصرُ المُشتركُ بينَ جميعِ التفاسيرِ هوَ الإلتزامُ بضوابطِ التّفسيرِ التي لا تُخرجُ التّفسيرَ عَن ظواهرِ النّصوصِ أو ما حكمَ بهِ العقلُ الفطريُّ أو ما ثبتَ عنِ المعصومِ سواءٌ كانَ النّبيُّ أو الأئمّةُ مِن أهلِ بيتِه، وتبقى هناكَ مساحةٌ واسعةٌ في الشّرحِ والتّبيينِ مِن مُفسّرٍ إلى آخر.
وهكذا تطوّرَ التّفسيرُ الشّيعيُّ بتطوّرِ المنهجيّاتِ وطرقِ التّفسيرِ، ولم يكُن هناكَ تمايزٌ واضحٌ ما عدا سعة كلِّ مفسّرٍ ومدى إطّلاعِه على العلومِ والمعارفِ الأخرى، ومنَ الإضافاتِ الحديثةِ والتي تُعدُّ حلقةً مِن حلقاتِ تطوّرِ مناهجِ التّفسيرِ، هيَ دخولُ منهجيّةِ تفسيرِ القرآنِ بالقرآنِ بشكل ملحوظٍ في تفسيرِ الميزانِ للسّيّدِ الطباطبائيّ، ومعَ أنَّ هذهِ المنهجيّةَ مُستخدمةٌ مِن قبلُ إلّا أنَّ السّيّدَ الطّباطبائيّ جعلَها حاضرةً في تفسيرِ كلِّ آياتِ القرآنِ الكريم.
اترك تعليق