بيانُ حالِ إبنِ جريرٍ الطّبري صاحبُ دلائلِ الإمامة
مقدّمةٌ :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناكَ ثلاثُ شخصيّاتٍ تُعرفُ بابنِ جريرٍ الطّبري:
الأولى: محمّدٌ بنُ جريرٍ بنِ يزيد الطبري، مِن أبناءِ العامّةِ، وهوَ صاحبُ التّاريخِ والتّفسيرِ المعروف.
الثانية: محمّدٌ بنُ جرير بنِ رستم الطبري الكبير، مِن علمائِنا الأجلّاءِ، صاحبُ كتابِ المُسترشدِ، وهوَ مِن أصحابِ الإمامِ العسكريّ (ع)، ومعاصرٌ لإبنِ جريرٍ الطبري العامّي.
ترجمَ لهُ النّجاشيُّ والطوسي وذكرا لهُ كتابَ المُسترشدِ في الإمامة.
الثالثة: محمّدٌ بنُ جريرٍ بنِ رستمَ الطبري الصّغير، مِن علمائِنا الأجلّاءِ، صاحبُ كتابِ دلائلِ الإمامة.
وهوَ معاصرٌ للشّيخِ الطوسي والنّجاشي، ويشتركونَ في العديدِ منَ الأساتذةِ كالحُسينِ بنِ عُبيدِ اللهِ الغضائري، وغيرِه.
ولم يترجِم لهُ النّجاشيُّ ولا الطوسي، ولا مُنتجبُ الدّين!
وأوّلُ مَن ذكرَه السّيّدُ إبنُ طاووس، كما سيأتي.
النّقطةُ الأولى:
أنّ الشّيخَ الطوسي بعدَ أن ترجمَ للطّبريّ العامّي، ترجمَ للطّبريّ الإمامي ونعتَه بالكبيرِ، وهوَ إشارةٌ إلى سميّهِ الطبريّ الإماميّ الصّغير، المُعاصرِ للشيخِ الطوسي.
قالَ الشيخُ: محمّدٌ بنُ جريرٍ بنِ رستمَ الطبري الكبيرِ، يُكنّى أبا جعفرٍ، ديّنٌ فاضلٌ، وليسَ هوَ صاحبُ التّاريخ، فإنّهُ عامّيُّ المذهبِ، ولهُ كتب جماعة، منها كتابُ المُسترشد. (الفهرستُ للطوسي ص239).
إلى هنا إنتهينا أنّ إبنَ جريرٍ الطبري صاحبَ الدّلائلِ ليسَ مجهولاً مُطلقاً، بل لهُ إشارةٌ في كلامِ الشّيخِ الطوسي في ترجمةِ الطبريّ الكبير.
النّقطةُ الثّانية:
ـ ثمَّ جاءَ إبنُ شهرِ آشوب (ت 588 هـ) وخلطَ بينَ الطبريّ الكبيرِ (صاحبِ المُسترشدِ) والصّغيرِ (صاحبِ الدّلائلِ) بسببِ تشابهِ الأسماءِ، فقالَ: أبو جعفرٍ محمّدٌ بنُ جريرٍ بنِ رستمَ الطّبري الكبيرِ ديّنٌ فاضلٌ، وليسَ هوَ صاحبُ التّاريخِ، مِن كتبِه المُسترشدُ في إثباتِ الإمامةِ، دلائلُ الإمامةِ الفاضحُ. (معالمُ العلماءِ لإبنِ شهر آشوب ص141).
ودلائلُ الإمامةِ الفاضحُ لإبنِ جريرٍ الطّبري الصّغيرِ، فبعضُ النّقولاتِ عن جزءِه الأوّلِ المفقودِ يظهرُ أنّه يتضمّنُ مطاعنَ فاضحةً، ومِن هُنا وصفَه إبنُ شهر آشوب بالفاضحِ، بإعتبارِ أنّهُ فاضحٌ للمُنافقينَ، ولعلّ هذا هوَ سببُ نُدرةِ تداولِ هذا الكتاب.
وعليهِ: فإنّ إبنَ شهرِ آشوب كانَ مُطّلعاً على الكتابِ ولِذا وصفَه بالفاضحِ، أو لعلّهُ وجدَ لهُ ترجمةً في فهارسَ أو كتبٍ أخرى، فنقلَ منها.
وعليهِ: إمّا أنَّ الكتابَ كانَ في حوزةِ إبنِ شهرِ آشوب، أو إطّلعَ على ترجمتِه في كتبٍ مُتقدّمةٍ عليهِ نسبَت لهُ كتابَ دلائلِ الإمامة.
النّقطةُ الثّالثة:
ـ إلى أن جاءَ السيّدُ إبنُ طاووسَ (ت 664 هـ) وروى عنِ الكتابِ كثيراً في كتبِه ووثّقَه وذكرَ أنّ لهُ طريقاً إلى الكتابِ ولا ينقلُ عنهُ بالوجادةِ قالَ:
1ـ الإقبالُ: وإنّما قد ذُكرَت في كتابِ التّعريفِ للمولدِ الشّريفِ عنِ الشيخِ الثقةِ محمّدٍ بنِ جريرٍ بنِ رُستمَ الطبري الإمامي في كتابِ دلائلِ الإمامة . (الإقبالُ: 3 / 113).
وكرّرَ توثيقَه في موردينِ مِن كتابِه اليقين ص100 و 222 .
2ـ فرجُ المهمومِ: ما رويناهُ بإسنادِنا عنِ الشّيخِ السّعيدِ محمّدٍ بنِ رستمَ إبنِ جريرٍ الطّبري الإماميّ رضوانُ اللهِ عليه في الجزءِ الثّاني مِن كتابِ ( دلائلِ الإمامةِ ) قالَ: .. (فرجُ المهموم ص102).
فنلاحظُ هُنا وصفَه بالشّيخِ السّعيدِ، وترضّى عليه، وذكرَ أنّ لهُ طريقاً إلى كتابِ دلائلِ الإمامة.
3ـ كرّرَ عبارةَ: ما رويناهُ بإسنادِنا إلى الشّيخِ أبي جعفرٍ محمّدٍ بنِ جريرٍ الطبري في كثيرٍ منَ المواردِ أنظر: فرجَ المهمومِ ص223 ، 227 ، 229 ، 231 ، 232 ، 233 ، 239 .
فإذن: السّيّدُ إبنُ طاووس يصفُ إبنَ جريرٍ الطّبري: بالشّيخِ السّعيدِ الثّقةِ رضوانُ اللهِ عليه.
ويذكرُ بإصرارٍ أنّ لهُ إسناداً إلى الكتاب.
ولكنّهُ لم يذكُر إسنادَه إلى الكتابِ، ولا ضيرَ في ذلكَ، فإنّهُ في أكثرِ الأحيانِ لم يذكُر أسانيدَه إلى الكتبِ التي ينقلُ منها.
وينقلُ عنهُ أيضاً في كتابِ اللّهوفِ ص38.
وعليهِ: فالسيّدُ إبنُ طاووسَ لهُ طريقٌ مُسندٌ إلى كتابِ دلائلِ الإمامةِ، وقامَ بتوثيقِ مؤلّفِه.
النّقطةُ الرّابعة:
قد يُقالُ: إنّ توثيقاتِ إبنِ طاووس لا إعتبارَ بها لأنّهُ منَ المُتأخّرين؟
نقولُ: إنّ السّيّدَ إبنَ طاووس قريبُ العصرِ مِن إبنِ جريرٍ الطّبري، يمكنُه الإطّلاعُ على حالِه والكشفُ عنهُ وعَن كتابِه، إذ بينَهما مئتي سنةٍ، فلا يُعدُّ بعيدَ العصرِ عنه، كي يخفى حالهُ عليه، وبالأخصِّ أنّ مكتبةَ السّيّدِ إبنَ طاووس كانَت غنيّةً جدّاً بالأصولِ والكتبِ والمصادرِ الشيعيّةِ، حيثُ إجتمعَ عندَه ما لم يجتمِع عندَ غيره.
ولذا يُعدُّ توثيقُ السّيّدِ إبنِ طاووس لهُ قيمتُه العلميّةُ الرّجاليّة.
النّقطةُ الخامسة:
وينقلُ عنِ الكتابِ عليٌّ بنُ يوسفَ المُطهرِ الحلّيّ (ت 726هـ) في العِددِ القويّةِ ص28 و 56 .
وينقلُ عنِ الكتابِ إبنُ جبر ( ق 7 ) في كتابِه نهجُ الإيمانِ ص136 خبرَ نزولِ آيةِ الولايةِ في أميرِ المؤمنينَ، وهوَ موجودٌ في الجزءِ الأوّلِ منَ الكتابِ (الجزءُ المفقودُ) كما نقلَه السيّدُ إبنُ طاووس في اليقينِ ص51 بابُ 66 .
ثمَّ نقلَ عنهُ العلّامةُ المجلسيّ في البحارِ، والسيّدُ هاشمٌ البحرانيّ في مدينةِ المعاجزِ، والحرُّ العامليّ في إثباتِ الهُداةِ، وغيرُهم.
وقالَ آغا بزرك: كتابُ الدّلائلِ للشيخِ الثّقةِ أبي جعفرٍ محمّدٌ بنُ جرير الطبري ... (الذّريعةُ: 8 / 238).
النّقطةُ السّادسة:
هلِ النّسخةُ التي وصلَت إلينا هيَ نفسُ النّسخةِ التي وصلَت إلى السيّدِ إبنِ طاووس؟
الجوابُ: نعَم، فبالمُقارنةِ بينَ ما نقلَه إبنُ طاووسَ في كتبهِ عَن كتابِ دلائلِ الإمامةِ، وبينَ النّسخةِ التي وصلتنا نجدُ أنّ هذهِ النّقولاتِ موجودةٌ في نسخةِ دلائلِ الإمامةِ التي وصلَت إلينا وإلى العلّامةِ المجلسيّ وطبقتِه.
نعَم، هناكَ بعضُ النّقولاتِ منَ الجُزءِ الأوّلِ منَ الكتابِ، وهوَ الجزءُ المفقودُ منَ الكتابِ، المليء بالمطاعنِ الفاضحةِ، فلم يصلنا هذا الجُزءُ، ووصلَ إلى السّيّدِ إبنِ طاووس.
وعليهِ: فالنّسخةُ التي وصلَت إلى السيّدِ إبنِ طاووس هيَ نفسُ النّسخةِ التي وصلتنا – باستثناءِ الجُزءِ الأوّلِ المفقودِ – والسيّدُ إبنُ طاووسَ لهُ طريقٌ وإسنادٌ إلى الكتابِ، وعليهِ: فيمكنُ إحرازُ سلامةِ هذهِ النّسخةِ مِن هذا الطريق.
النّقطةُ السّابعة:
لماذا لم يُترجم الطّوسي والنّجاشي لإبنِ جريرٍ الطّبري صاحبِ الدّلائل ؟
الجوابُ:
أوّلاً: قالَ آغا بزرك: وتركُ الشّيخِ والنّجاشي ترجمتهُ في كتابيهما لا يدلُّ على عدمِ وجودِه، فإنّهُما تركا ترجمةَ جمعٍ منَ المُصنّفينَ الأجلّاءِ المعاصرينَ لهما مثلَ الكراجكي ( المُتوفّى 449 ) وسلار بنِ عبدِ العزيزِ تلميذ المُفيدِ ( المتوفّى 413 ) والقاضي عبدِ العزيزِ بنِ براج تلميذ الشّريفِ المُرتضى ( المتوفّى - 436 ) والشّيخ محمّدٌ بنُ عليٍّ الطرازي مؤلّف ( الدّعاءِ والزّيارة ) المذكورِ في ( ص 195 ) وغيرِ هؤلاءِ ممَّن ذكرَهم الشّيخُ منتجبُ الدّينِ بنُ بابويه ( المتوفّى 585 ) في فهرسِه، أو لم يذكُرهم هو أيضاً كالطرازي المذكورِ والطبري مؤلّفِ الدّلائلِ هذا وغيرُهما ممَّن ضاعَت عنّا أسماؤهم وآثارُهم. (الذريعةُ: 8 / 242).
ثانياً: لعلّهُ لم يكُن لابنِ جريرٍ تأليفٌ عندَ تأليفِ الطوسي والنجاشي كتابيهما الفهرستُ، أو لعلّهما لم يطّلعا على تأليفِه، ولذا لم يذكراهُ في فهرستِهما.
وبالجُملةِ: كتابُ دلائلِ الإمامةِ منَ الكُتبِ المتينةِ المُسندةِ، ممّا يكشفُ أنّ مؤلّفَه عالمٌ فاضلٌ ضابطٌ متيقّظٌ، وهوَ وإن لم يرِد لهُ ذكرٌ ولا توثيقٌ في حقّه منَ القُدماءِ أمثالَ النّجاشي والطوسي، إلّا أنّ الطوسي لمّحَ لهُ أثناءَ ترجمةِ إبنِ جريرٍ صاحبِ المُسترشدِ حيثُ وصفَه بالكبيرِ، وهوَ في مقابلِ الطبري الصّغيرِ صاحبِ الدّلائلِ، وقد إطّلعَ إبنُ شهرِ آشوب على كتابِه، ولكنّه خلطَ بينَ الكبيرِ والصّغيرِ، وأدرجَهُما في ترجمةٍ واحدةٍ. وتوثيقُ السيّدِ إبنِ طاووسَ لهُ كافٍ ووافٍ، فهوَ ليسَ ببعيدِ العصرِ عنه، فيمكنُه الكشفُ عَن حالِه وكتابِه.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق