ما الأسباب التي جعلت كثيرا من الملحدين يتخبّطون فيّ أفكارهم؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الإلحاد حالة عدمية سوى كأن على مستوى المبدأ أو على مستوى الغاية والهدف، والعقل بطبيعته لا يكون منتجاً للأفكار مالم يكن هناك غاية تشكل له الحافز الذي يدفعه نحو التفكير، كما أن العقل يفقد القدرة على مقاربة الأفكار إذا لم تكن هناك حقائق ثابتة تشكل مقومات أولية لعملية التفكير نفسها. والإلحاد في جوهره رؤية سلبية تقوم على الفراغ المطلق؛ لأن الموجودات عندهم قادمة من اللا شيء وتمضي أيضاً إلى اللا شيء، ومع هذه الرؤية العدمية يفقد العقل مقومات التفكير فتطرب الرؤية وتتخبط الأفكار، وبالتالي تصنيف الإلحاد كفكر فيه مسامحة كبيرة.

فالوجود كفعل لله والمعرفة كفعل للإنسان هما اللذان يحققان الاشتراط الضروري للمعرفة، ولا يمكن للعقل أن يحيل إلى واقعية موثوق بها مالم ترتكز هذه الواقعية على حقيقة مطلقة وثابتة، بمعنى أن معقولية العالم المحسوس لابد أن تستنبط من مصدر أولي يمنح الموجودات المتناهية معقوليتها بوصفها موجودات قابلة للتفسير، "فالأشياء المحسوسة في الكون الفيزيائي لا تستطيع امدادنا بمعطيات نقيم عليها البرهان، لأن تأكدنا المألوف من وجودها أصبح موضع الشك، ولا يمكن أعادته إلى مرتبة المعرفة ألا بعد أثبات وجود إله ضامن للحقيقة" . 

ومن هنا يمكننا القول إن أهم مشكلات الأبستمولوجيا هي الفراغات الناتجة من عدم وجود مرجعية مصححة للأفكار، إذ كيف يمكن للإنسان أن يتعرف على الموجود في الوقت الذي لا تتوفر فيه أي ضمانة لتصحيح هذه المعرفة؟ فمن دون أن يكون هناك ثابت وجودي ستكون المعرفة الحسية والعقلية في حالة من الشك الذي يقترب من العدم، أو في حالة من النسبية التي تقترب من الوهم، وعليه فإن كل السرديات غير المؤمنة بسلطة غيبية لا يمكنها الثقة في المعرفة؛ لأن العبث في هذه السلطة يؤدي إلى انهيار كل البناء المعرفي حتى الوصول إلى العدمية المظلمة.

ومن هنا نجد الملحد غير منسجم مع أفكاره وفي حالة من التخبط المستمر، فمثلاً الإلحاد الجديد يرى نفسه المشروع الحضاري للإنسان، في حين أنه يعتقد بأن الإنسان هو أبن الطبيعة العمياء التي تجرده عن الحرية والاختيار، وقد صرح بذلك أرباب الإلحاد الجدد أمثال سام هارس وقد خصص لذلك كتابه (الإرادة الحرة) ليصرح فيه وبكل وضوح بأن الإرادة الحرة وهم، يقول هيرس: "إننا مجرد دمى بيوكيميائية تسيرها قوى تتجاوز التحكم الواعي" . وهذا في الواقع استنتاج منطقي لما تفرضه معادلات التطور في المادة، والإنسان ليس شيئاً خارج عن هذه المعادلة، لكونه ليس أكثر من حلقة تقع على مسار هذا التطور، وهذا تناقض واضح إذ لا يمكن الكلام عن مشروع حضاري والإنسان ليس فاعل فيه بإرادته واختياره. وبالتالي الحتمية المادية المهيمنة على كل الوجود لا يستطيع الإنسان أن يخرج من قبضتها لكونه واحد منها، والمخرج الوحيد الذي يفتح الطريق أمام انعتاق الإنسان من هيمنة المادة هو الله الذي أودع في الإنسان روح الإرادة والعلم والعقل، فكرمه بذلك عن بقية خلقه، والذي يرفض هذا النسق من التفكير لابد أن يقع في الحتمية لا محالة.

وفي المحصلة التخبط والتناقض صفة لازمة للإلحاد ولا يمكن للملحد أن يتسق فكرياً مالم يعود إلى الله بوصفه الضامن للمعرفة الإنسانية، كما أن انسجام الإنسان مع نفسه وروحه وفكره وتكامله مع الكون ومع بقية المخلوقات لا يكون إلا بالإيمان بالله تعالى. 

 

[1] - الله في الفلسفة الحديثة، جيمس كولينز، ترجمة فؤاد كامل، الناشر مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر القاهرة – نيويورك سنة 1873م، ص 89.

[2] - الإلحاد للمبتدئين، د. هاشم عزمي، دار الكاتب للنشر والتوزيع، الإسماعيلية مصر، الطبعة الثانية 2015م، ص 177