هل يمكن أن يفتخر الملحد بإلحاده؟

يقول البعض: إنّ الإلحاد ليس شيئاً يدعو للخجل، بل هو شيءٌ يدعو للفخرِ والشموخِ والتطلَّعِ إلى الافق البعيد؛ لأنّ الإلحاد يؤشّرُ على صحةِ العقلِ في استقلاله الفكريّ، وهو إبداعٌ يستندُ على تفكيرٍ بنّاء.

: اللجنة العلمية

يكشف هذا الكلام وبشكلٍ واضحٍ ما يعانيه الملحد من اضطرابٍ نفسيٍّ واحساسٍ موحشٍ بالوحدة؛ ولذا يقوم – من أجل مداراة وحدته النفسية - بمحاولةٍ فاشلةٍ لرفع معنوياته المهزومة. فالإلحاد فكرٌ - إن جازَ هذا التوصيف - ماديٌّ اجوفٌ لا روح فيه ولا قيم، وبالتالي كيف يجد الملحد اطمئنان القلب وسكون النفس في ظلِّ هذا الخواء الروحيّ؟  ومن هنا نجد البعض يستعين بمثل هذه المقولات الساذجة في محاولةٍ يائسةٍ لإسكات نداء الروح الجائعة.

 فتارةً يرفع شعار العقل وهو ابعد الناس عن مُحكمات العقل وضروراته، وتارةً أخرى يتشدَّق بالمدنية والتحضر وهو من أصحاب الفردية المنعزلة والانانية المدمرة للاجتماع الإنساني، وغير ذلك من الشعارات الفارغة التي لا تستقيم مع السردية الإلحادية.

 فالإلحاد في حقيقة الأمر ليس إلا كفرٌ بالعقل وبالإنسان قبل أن يكون كفراً بالله! إذ كيف يمكن للإنسان أن يصدِّق بأنه كائنٌ له وجودٌ من غير ان يكون هناك سببٌ لإيجاده؟ 

أو أنه مخلوقٌ محدودٌ دون أن يكون له خالق؟

 وكيف يشعر الإنسان بإنسانيته وهو لا يؤمن بوجود حِكمةٍ خلف وجوده؟

 وكيف له أن يتحدث عن القيم والأخلاق والتضحية من اجل الأخرين وهو لا يؤمن بوجود شيءٍ يمكن التضحية من اجله؟. 

ففي الوقت الذي يناديه فيه بالعقل يعمل على تدمير العقل بضرب كل بديهياته ومسلماته!

 وعليه فإنَّ الثمرة العملية للفلسفة الإلحادية هي أن يكون الإنسان محبطاً قلقاً كما اعترف بذلك الكثير من فلاسفة الإلحاد، فالروح لا تهدى إلا بالفضائل، والنفس لا تتطلع إلا للكمال، والإنسان لا يكون إنساناً إلا بالقيم، والكلام عن فضائل الروح، وكمال النفس، وقيم الإنسان، لا يستقيم له معنى مالم يكن هناك كلامٌ عن الغاية السامية التي يسعى لها الإنسان، فالذي كان مجيئه من العدم وذهابه إلى العدم فقيمته العدم ايضاً!

ولذا تنبَّه بعض فلاسفة المدرسة النفعية إلى أهمية الدين في حياة الإنسان، أمثال وليم جيمس الذي كان ينبّه باستمرارٍ إلى أهمية الدين في تحصيل السعادتين النفسية والروحية، فالدين يمثل ضرورةً إنسانيةً حتى من زاوية المنطلقات النفعية البحتة، بوصفه سبيلاً للوصول إلى الاستقرار والراحة والطمأنينة في حالات القلق والاضطراب. 

ينقل الشهيد مطهري عن وليم جيمس في كتابه العدل الإلهي وصفه شعور بعض الفلاسفة الملحدين بالمرارة بقوله: (إن كلمات مارك أورل ذات مرارةٍ تنبع من جذور الهم والانقباض، وصوته الحزين يشبه صوت الخنزير الذي يضجع تحت السكين. والوضع الروحي لنيتشه وشوبنهاور عابس، ويُرى من سلوكهم الخلقي الانحراف ممزوجاً بالمرارة. وصوت هذين الكاتبين يتميز بمرارة يذكّرنا بصوت الجرذان وهي في حالة نزاع. ولا يرى المعنى والمفهوم الصافي العذب الذي يعطيه الدين لمشاكل الحياة ومشتقاتها في تضاعيف سطور هذين الكاتبين)(1)   

فكيف لإنسانٍ وهو يعاني من هذا الفراغ والضياع ان يفتخر بحاله؟، فعلى أي شيءٍ يمكن أن يراهن، وعلى أي قيمةٍ يمكن أن يرتكز ؟ فالملحد مصيره القلق والاضطراب وفقدان المعنى الحقيقي للحياة، ومع هذا الحال لو ادَّعى الافتخار يكون حاله حال المجنون الذي يفخر على العقلاء بجنونه.

 ومن المفيد هنا أن نذكر أنَّ مجلة الطب النفسي الامريكية (The American Journal of Psychiatry) نشرت سنة 2004م دراسة تثبتُ وجود علاقةٍ بين الالحاد والانتحار ومن ثم وضعت في الختام توصيةً بضرورة الدين في حياة الإنسان.

1- نسبة الانتحار لدى الملحدين أعلى ما يمكن!

2- نسبة الانتحار كانت أعلى لدى غير المتزوجين!

3- نسبة الانتحار أقلّ بين مَن لديهم أطفال أكثر!

4- الملحدون أكثر عدوانيةً من غيرهم!

5- الإنسان المؤمن أقل غضباً وعدوانية واندفاعاً!

6- الدين يساعد على تحمّل أعباء الحياة والإجهادات ويقلل فرص الإصابة بالاضطرابات النفسية المختلفة!

7- الملحدون كانوا أكثر الناس تفككاً اجتماعياً، وليس لديهم أي ارتباط اجتماعي لذلك كان الإقدام على الانتحار سهلاً بالنسبة لهم!

8- ختمت الدراسة بتوصية: أن الثقافة الدينية هي علاجٌ مناسبٌ لظاهرة الانتحار!(2). 

___________________

  (1) العدل الإلهي، الشهيد مطهري، ترجمة محمد عبد المنعم الخاقاني، ص 98

  (2) http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?55000