هل قتل عبيدالله ابن امير المؤمنين (ع) في واقعة الطف؟وهل كان ابناً عاقاً؟
621 - هل عُبيدُ اللهِ ابنُ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلام لم يُقتَل في واقعةِ الطف؟ وهل كانَ ابناً عاقّاً؟ وكانَ على خلافٍ مع الحُسينِ عليهِ السلام؟ وبعد أن استشهدَ الإمامُ الحُسين عليهِ السّلام هل التحقَ عبيدُ اللهِ ابنُ أميرِ المؤمنين مع مصعبَ ابنِ الزّبير؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
( 1 )
ذكرنا في إجابةٍ سابقةٍ أنّه لا يمكنُ الحكمُ بخيانةِ مَن تخلّفَ عن الإمامِ الحُسين (ع) مِن أبناءِ أميرِ المؤمنينَ (ع)، ولا الحكمُ بخذلانِهم، فيحتملُ أن يكونَ الإمامُ قد أذنَ لهُم في البقاء، كي لا يفنى نسلُ أميرِ المؤمنينَ (ع)، أو لعلّ الإمامَ لم يطلب منهم الخروجَ معه، لحصولِ الغرضِ بمَن خرجَ معَه مِن بني هاشم، وأذنَ للبقيّةِ منهم بالبقاءِ ليُشكّلوا ثقلاً في مقابلِ بني أميّة، ولا تخلو الساحةُ منهم، ويكونُ لهم دورٌ في معادلاتِ الأحداثِ لاحقاً.
فلا يجوزُ الكلامُ عنهم بسوءٍ ما لم تقُم البيّنةُ الشرعيّة التي تثبتُ إدانتَهم، أو إدانةَ الإمامِ المعصومِ لهم.
( 2 )
وأمّا عُبيدُ اللهِ بنُ عليٍّ بنِ أبي طالب (ت 67 هـ) فلم نعثُر على شيءٍ يدلُّ على دعوةِ الإمامِ الحُسينِ (ع) له إلى النُصرة، ولا أنّهُ كانَ على خلافٍ معَ أخيه الإمامِ الحُسين (ع).
بل ذكروا أنّه كانَ يعيشُ معَ أخوالِه بني تميمٍ في البصرةِ إلى زمانِ خروجِ المُختارِ الثقفي.
قالَ السيّدُ العمري: فأمّا عبيدُ اللهِ فكانَ معَ أخوالِه بني تميمٍ بالبصرةِ حتّى حضرَ وقائعَ المُختار. (المجدي في أنسابِ الطالبيّين، ص198).
وهذا يعني أنّه لم يكُن في المدينةِ المنوّرةِ ومكّةَ المُكرّمة، في السنةِ التي خرجَ فيها الإمامُ الحُسين (ع)، واستشهدَ بكربلاء.
( 3 )
هل خرجَ عبيدُ اللهِ معَ أخيهِ الحُسين (ع) وقُتلَ في كربلاء أم لا؟
اختلفَ المؤرّخونَ في ذلكَ، والمشهورُ شُهرةً عظيمةً أنّهُ لم يخرُج معه، وعاشَ إلى زمانِ المُختار.
قالَ الطبري: وتزوّجَ – يعني الإمامُ علي (ع) - ليلى ابنةَ مسعود ... فولدَت لهُ عُبيدَ اللهِ وأبا بكر. فزعمَ هشامٌ بنُ محمّدٍ أنّهما قُتلا معَ الحُسينِ بالطفّ. وأمّا محمّدٌ بنُ عُمر فإنّهُ زعمَ أنَّ عُبيدَ اللهِ بنَ عليٍّ قتله المُختارُ ابنُ أبي عبيدٍ بالمذار. (تاريخُ الطبري: 4 / 118).
وقالَ أبو الفرجِ الأصفهاني: وذكرَ يحيى بنُ الحسنِ فيما حدّثني بهِ أحمدُ بنُ سعيدٍ أنَّ أبا بكرٍ بنَ عبيدِ اللهِ الطلحي حدّثَه عَن أبيهِ أنَّ عُبيدَ اللهِ بنَ عليٍّ قُتلَ معَ الحُسين، وهذا خطأ وإنّما قُتلَ عبيدُ اللهِ يومَ المدار، قتلَه أصحابُ المُختارِ بنِ أبي عبيدة، وقد رأيتُه بالمدار. (مقاتلُ الطالبيّين، ص57).
وقالَ الشيخُ المُفيد: ومحمّدٌ الأصغرُ المُكنّى أبا بكرٍ وعبيدُ الله الشهيدانِ معَ أخيهما الحُسين عليهِ السّلام بالطف ، أمُّهما ليلى بنتُ مسعود الدارميّة. (الإرشادُ للمفيد: 1 / 354).
ومثله ابنُ البطريقِ في العُمدة، ص30، والطبرسيّ في تاجِ المواليد، ص19، المُستجادُ منَ الإرشاد، ص139، الفصولُ المهمّة لابنِ الصبّاغ: 1 / 644.
وقالَ ابنُ إدريس الحلي: وقد ذهبَ أيضاً شيخُنا المفيدُ في كتابِ الإرشادِ إلى أنّ عبيدَ اللهِ ابنَ النهشليّة قُتلَ بكربلاء معَ أخيهِ الحُسين (عليه السلام)، وهذا خطأٌ محضٌ بلا مِراء، لأنّ عبيدَ اللهِ ابنَ النهشليّة كانَ في جيشِ مصعبٍ بنِ الزّبير، ومِن جُملةِ أصحابِه قتله أصحابُ المُختارِ بنِ أبي عبيدٍ بالمذار، وقبرُه هناكَ ظاهرٌ، والخبرُ بذلكَ متواتر.
وقد ذكرَه شيخُنا أبو جعفرٍ في الحائريّات، لمّا سألَه السّائلُ عمّا ذكرَه المفيدُ في الإرشاد، فأجابَ بأنَّ عُبيدَ اللهِ بنَ النهشليّة قتلَه أصحابُ المُختار بنِ أبي عبيدٍ بالمذار، وقبرُه هناكَ معروفٌ عندَ أهلِ تلكَ البلاد. (السّرائرُ:
والمشهورُ شُهرةً عظيمةً أنّهُ لم يخرُج معَ الحُسين (ع) إلى كربلاء.
( 4 )
إنّ عُبيدَ اللهِ بنَ عليٍّ بنِ أبي طالب (ع) بايعَ ابنَ الزّبير، وهوَ مُكرَهٌ، كما بايعَه الكثيرونَ أمثالُ عبدِ اللهِ بنِ جعفر، وغيره، ولا يبعدُ أن تكونَ بيعتُه لمصعب بضغطٍ مِن أخوالِه بني تميم النهشليّين.
وأمّا خروجُه مع مصعب بنِ الزبيرِ لقتالِ المُختار، فقد كانَ عَن إكراه، كما تشيرُ النصوصُ التاريخيّةُ لذلك.
ـ روى ابنُ سعدٍ في الطبقات: أنّ عبيدَ اللهِ بنَ عليٍّ قدمَ منَ الحجازِ على المُختار وهوَ بالكوفة وسأله، فلم يُعطِه شيئاً، فحبسَه المُختارُ أيّاماً، ثمَّ خلّى سبيلَه وقالَ له: اخرُج عنّا. فخرجَ عبيدُ اللهِ إلى البصرة، وكانَ مصعب بنُ الزبيرِ فيها، ونزلَ عندَ خاله نعيمٍ بنِ مسعودٍ التميمي النهشلي، وأمرَ مصعب بنُ الزبير له بمائةِ ألفِ درهم. ولمّا خرجَ مصعب للقتال، وخرجَ خالهُ نعيمٌ بنُ مسعود معَه، تخلّفَ عبيدُ اللهِ بنُ عليٍّ عن الخروج، وبقيَ في البصرة، فلمّا فصلَ مصعباً عن البصرة، جاءَه بعضُ أخواله فأنزلوهُ وسطَهم وبايعوا له بالخلافةِ وهوَ كارهٌ، فبلغَ ذلكَ مصعباً فدعا خالَه نعيماً بنَ مسعود يؤنّبُه على فعلِ ابنِ أخيه، فحلفَ باللهِ ما فعلَ وما علمَ مِن قصّتِه هذه بحرفٍ واحدٍ فقبلَ منه مصعبٌ وصدّقه.
فقالَ نعيمٌ بنُ مسعود: أنا أكفيكَ أمرَه وأقدمُ بهِ عليك، فسارَ نعيمٌ حتّى أتى البصرةَ فاجتمعَت بنو حنظلةَ وبنو عمرو بنِ تميم فسارَ بهم حتّى أتى بني سعدٍ فقال: واللهِ ما كانَ لكم في هذا الأمرِ الذي صنعتُم خيراً وما أردتُم إلّا هلاكَ تميمٍ كلّها، فادفعوا إليّ ابنَ أختي، فتلاوموا ساعةً، ثمَّ دفعوهُ إليه، فخرجَ حتّى قدمَ به على مصعب.
فقالَ: يا أخي ما حملَك على الذي صنعت؟ فحلفَ عبيدُ اللهِ باللهِ ما أرادَ ذلكَ ولا كانَ له بهِ علمٌ حتّى فعلوه ولقد كرهتُ ذلكَ وأبيتُه، فصدّقَه مصعبٌ وقبلَ منه وأمرَ مصعب بنُ الزّبير صاحبَ مُقدّمتِه عبّاداً الحبطي أن يسيرَ إلى جمعِ المُختارِ فسارَ فتقدّمَ وتقدّمَ معَه عبيدُ اللهِ بنُ عليٍّ بنِ أبي طالب فنزلوا المذار، وتقدّمَ جيشُ المُختارِ فنزلوا بإزائِهم، فبيّتَهم أصحابُ مصعبٍ بنِ الزّبير فقتلوا ذلكَ الجيشَ فلم يفلِت منهُم إلّا الشريد، وقُتل عبيدُ اللهِ بنُ عليٍّ بن أبي طالب تلكَ الليلة. (الطبقاتُ الكُبرى لابن سعد: 5 / 118).
وهذا النصّ صريحٌ أنّ خاله نعيماً بنَ مسعود أقدمَ به كرهاً إلى مصعب بنِ الزبير، فبقيَ تحتَ عينِ مصعب في جيشه، وتنصُّ بعضُ النصوصِ أنّ مصعب حبسه في معسكره، كما سيأتي.
ويحتملُ أن تكونَ قصّةُ بيعتِه من قِبَلِ بعضِ أخواله في البصرةِ دسيسةً مِن مصعب، كي يُرغمَه على الخروجِ للقتالِ معه بعدَما تخلّفَ عنه في البصرة.
ويؤيّدُه: ما نقله المسعودي قالَ: فكانَ ممَّن قُتلَ معَ المُختار (وفي نُسخةٍ: مع مصعب) عبيدُ اللهِ بنُ عليٍّ بنِ أبي طالب رضيَ اللهُ عنه، ولهُ خبرٌ مع المُختارِ في تخلّصِه منه ومضيّهِ إلى البصرة، وخوفِه على نفسِه من مصعب، إلى أن خرجَ معه في جيشِه. (مروجُ الذهبِ للمسعودي: 3 / 99).
فعبيدُ اللهِ كانَ متخوّفاً مِن مصعبَ لأنّهُ يعلمُ بغدره.
ونقلَ ابنُ عساكرَ عن الزبيرِ بنِ بكار، أنّ عبيدَ اللهِ بنَ عليٍّ خرجَ على مصعبَ بنِ الزبيرِ قبلَ خروجِ مصعب منَ البصرة حيثُ قال: فقدمَ البصرةَ، فجمعَ جماعةً فبعثَ إليه مصعبٌ بنُ الزبير مَن فرّقَ جماعتَه وأعطاهُ الأمان فأتاهُ عُبيدُ اللهِ فأكرمَه مصعب. (تاريخُ دمشقَ لابن عساكر: 52 / 131).
ويظهرُ مِن هذا النصِّ ونصِّ ابنِ سعدٍ في الطبقات، أنّهُ بُويعَ لهُ مرّتين في البصرة، وهذا يدلُّ أنّه كانَ على خلافٍ تامٍّ معَ مصعب بنِ الزبير.
وقالَ المقدسي (ت 355 هـ): فزحفَ إليه مصعبٌ بنُ الزبير، وقتلَ ستّةَ آلاف وقتلَ عبيدَ اللهِ بنَ عليٍّ بن أبي طالب، ومحمّداً بنَ الأشعثِ بنِ قيس، وكانا محبوسينِ في عسكرِ مصعب، ولم يشعُر بهما. (البدءُ والتاريخ: 6 / 22).
فعبيدُ اللهِ كانَ محبوساً في جيشِ مصعب، ولم يخرُج لحربِ المُختار، أخرجَه مصعبٌ خوفاً مِن انقلابِ البصرةِ عليه، ولمكاسبَ سياسيّةٍ، حيثُ رويَ أنّ مصعب كانَ يقول: يا أيّها الناسُ، المختارُ كذّابٌ، وإنّما يغرّكم بأنّه يطلبُ بدمِ آلِ محمّد، وهذا وليُّ الثأر، يعني عُبيدَ اللهِ بنَ عليّ، يزعمُ أنّهُ مُبطلٌ فيما يقول. (تاريخُ اليعقوبي: 2 / 263).
وعليه: فمنَ المُحتملِ جدّاً أن يكونَ مصعبٌ بنُ الزبير هوَ الذي اغتاله وفتكَ به، واتّهمَ المُختار، وذلكَ:
أوّلاً: لأنّه بويعَ لهُ في البصرةِ مرّتين، وخرجَ عَن طاعةِ مصعب.
ثانياً: أنّه مِن أولادِ أميرِ المؤمنينَ (ع)، والزبيريّونَ نواصبُ يبغضونَ أهلَ بيت ِرسولِ الله (ص).
ثالثاً: الخوفُ من إلتحاقِه بالمُختارِ الثقفي، بعدما أخرجوهُ منَ البصرة، وألحقوهُ مُكرَهاً بجيشِ مصعب.
وبعدَ الفتكِ به واغتياله، يتمنّى بقاءَه، ويتأسّفُ على مقتلِه، روى الطبريُّ أنّ مصعب مرّ بقائدِ جيشِه المُهلّبِ فقالَ له المُهلّب: يا لهُ فتحاً ما أهناهُ لو لم يكُن محمّدٌ بنُ الأشعثِ قُتلَ. قالَ: صدقتَ فرحمَ اللهُ محمّداً. ثمَّ سارَ غيرَ بعيدٍ ثمَّ قال: يا مهلّب، قالَ: لبيكَ أيّها الأمير، قالَ: هل علمتَ أنَّ عبيدَ اللهِ بنَ عليٍّ بنِ أبي طالب قد قُتلَ قالَ إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعون قالَ المصعبُ: أمّا إنّه كانَ ممَّن أحبَّ أن يرى هذا الفتحَ ثمَّ لا نجعلُ أنفسَنا أحقَّ بشيءٍ ممّا نحنُ فيه منهُ أتدري مَن قتله؟ قالَ: لا ! قالَ: إنّما قتله مَن يزعمُ أنّهُ لأبيهِ شيعة، أما إنّهم قد قتلوه وهُم يعرفونه. (تاريخُ الطبري: 4 / 567).
السؤال: كيفَ يخفى على قائدِ جيشِ مصعبٍ مقتلُ عبيدِ اللهِ بنِ عليٍّ بن أبي طالب، ويعلمُ بمقتلِ محمّدٍ بنِ الأشعث، وقد قُتلا في نفسِ المعركة!
وإن كانَ عبيدُ اللهِ في جيشِ مصعب بنِ الزبير، فكيفَ لا يعلمُ المُهلّبُ أنّه قُتِلَ على يدِ جيشِ المُختار؟!
هذا كلُّه بحسبِ المصادرِ المُتقدّمة.
ولكن عثرنا في نهايةِ بحثِنا على نصٍّ نقلَه ابنُ عنبةَ أنّهُ كانَ في جيشِ المُختار، قالَ: وسمعتُ جدّي الشيخَ السعيدَ فخرَ الدينِ محمّداً بنَ حديدٍ رحمَه الله يحدّثُ أنّه كانَ معَ المُختار، وأنّه أصبحَ ذاتَ يومٍ في خيمتِه مذبوحاً لا يدري مَن قتله، واتّهمَ المُختارَ بقتله. (عُمدةُ الطالبِ الكُبرى لابنِ عنبة، ص110)
وهذا النصُّ يدلّ على أنّه استطاعَ الفرارَ مِن مصعبٍ بنِ الزبير، وانتقلَ إلى المُختار، ولكنّ مصعبَ لم يترُكه بحاله، وأرسلَ إليهِ مَن يغتاله ويفتكُ به في فسطاطه.
ويؤيّدُه: أنّ قائدَ جيشِه وهوَ المُهلّبُ لم يكُن يعلمُ بمقتلِ عُبيدِ اللهِ بنِ علي، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ لأنّه لم يبقَ في جيشِه، وإنّما انتقلَ الى جيشِ المُختار، وفرّ من مصعب.
والمُتّهمُ بقتلِه مصعب، وليسَ منَ المنطقيّ إتّهامُ المُختار، لأنّه لا مصلحةَ له، وبالأخصِّ أنّه انتقلَ إليه، فارّاً مِن مصعب.
وعبيدُ اللهِ بنُ عليٍّ لم يخرُج على المُختارِ الثقفي، وإنّما خرجَ على مصعب في البصرةِ مرّتين، فمنَ المنطقيّ توجيهُ أصابعِ التهمةِ إلى مصعب.
ولكنَّ التاريخَ غيرُ أمين، فإنّه اتّهمَ المُختارَ، وتركَ المُجرمَ الحقيقيَّ مصعباً بنَ الزّبير.
الخلاصةُ: إنّ النصوصَ التاريخيَّة مختلفةٌ بما يرتبطُ بعُبيدِ اللهِ بنِ أميرِ المؤمنينَ (ع)، ونحنُ نرى أنّ الحادثةَ حصلَت بهذا الشكل: أنّ عبيدَ اللهِ بنَ عليٍّ دخلَ البصرةَ بعدَ مُقابلةِ المختارِ في الكوفة، فجمعَ جماعةً استطاعَ مصعب بنُ الزبيرِ تفريقَهم عنه، وأعطاهُ الأمانَ، ولمّا خرجَ مصعب منَ البصرةِ لقتالِ المُختار، لم يخرُج عبيدُ اللهِ بنُ عليٍّ وتخلّفَ عنه، ثمَّ بويعَ له في البصرةِ (إمّا دسيسةً مِن مصعبٍ لإخراجِه معه، وإمّا كانَ مبعوثاً مِن قِبلِ المُختارِ للتضييقِ على مصعب وتأليبِ البصرةِ عليه) فعلمَ مصعبٌ وأرسلَ خاله وأحضرَه إليه، فبقيَ عبيدُ اللهِ محبوساً في معسكرِ مصعب، ولم يشترِك في حربِ المُختار ثمَّ قُتِل.
ونحنُ نحتملُ جدّاً أنّ مصعب بنَ الزّبير هوَ الذي قتلَه وتخلّصَ منه، عندَما علمَ أنّه يريدُ الفرارَ منه، أو استطاعَ أن يفرّ منه ويلتحقَ بجيشِ المُختار، فبعثَ إليه مصعب مَن يغتاله في فسطاطه.
هذهِ هي النتيجةُ التي قادنا إليها التحقيقُ، وكلّها مدعومةٌ بالمصادرِ والنقولاتِ التاريخيّة.
( 6 )
هناكَ خلافٌ بينَ المؤرّخينَ في كيفيّةِ مقتلِ عُبيدِ اللهِ بنِ علي.
قيلَ: أنّه قُتلَ في ساحةِ المعركة، ولم يعرِف قاتله بأنّهُ عبيدُ اللهِ بنُ علي، قالَ ابنُ أعثم: ثمَّ حملوا على أصحابِ المُختارِ فهزمَهم، ولحقَ رجلٌ منهم مِن أهلِ الكوفةِ عُبيدَ اللهِ بنَ عليٍّ بنِ أبي طالب وهوَ لم يعرِفه، فضربَه مِن ورائِه ضربةً على حبلِ عاتقه، جدله قتيلاً. (الفتوحُ لابنِ أعثم: 6 / 289).
وقالَ ابنُ قُتيبة: فخرجَ أهلُ البصرةِ معَ مصعب، فقاتلوهُ بالكوفة، فقتلَ المُختارُ عُبيدَ اللهِ بنَ عليّ بن أبي طالب رضيَ اللهُ عنه - وهوَ لا يعرف - في عسكرِ مصعب، ومحمّداً بنَ الأشعثِ بنِ قيس. (المعارفُ لابنِ قتيبة: 401).
وقيلَ: وجدَ مذبوحاً في فسطاطِه. (عمدةُ الطالبِ الكُبرى لابنِ عنبة، ص110).
وقيلَ: أصابَه جراحٌ وماتَ على إثرِها.
قالَ السيّدُ العُمري: فأمّا عُبيدُ اللهِ فكانَ معَ أخواله بني تميمٍ بالبصرةِ حتّى حضرَ وقائعَ المُختار، فأصابَه جراحٌ وهوَ معَ مصعب، فماتَ وقبرُه بالمزارِ مِن سوادِ البصرةِ يُزارُ إلى اليوم، وكانَ مصعب يشنّعُ على المُختاريّة ويقول: قتلَ ابنَ إمامِه. (المُجدي في أنسابِ الطالبيّين، ص198).
( 7 )
أين قُتِلَ عبيد الله بن علي؟
قيل: قُتِلَ في حروراء، وقتلَ معهُ محمّدٌ بنُ الأشعثِ بن قيس.
وقيلَ: قتلَ يومَ المذار.
لاحظ: أنسابُ الأشرافِ للبلاذري: 6 / 439، وفي البدايةِ والنهايةِ لابنِ كثير: 8 / 317: عميرٌ بنُ علي، وهو اشتباه.
( 8 )
المقتولُ معَ مصعبٍ عبيدُ اللهِ أَم عمرُ بنُ عليٍّ بنِ أبي طالب؟
اختلفَ المؤرّخونَ في ذلك، إذ ذهبَ بعضُهم أنّه عُمر (عُمير) بنُ عليٍّ بن أبي طالب. (تاريخُ خليفة، ص264، الأخبارُ الطوالُ للدينوري، ص306، الثقاتُ لابن حبان: 5 / 146، وغيرها).
وذهبَ الجمهورُ منهم أنّه عبيدُ (عبدُ) اللهِ بنُ عليٍّ بنِ أبي طالب.
وقولُ الجمهورِ هوَ الصّحيح، فإنّ عمرَ بنَ عليٍّ بنِ أبي طالب، بقيَ إلى زمانِ الوليدِ بنِ عبدِ الملك. (المُجدي في أنسابِ الطالبيّين، ص198.)
وتوفّيَ عمرُ بنُ عليٍّ بينبع، وهوَ آخرُ مَن بقيَ مِن ولدِ أميرِ المؤمنينَ (ع). (لاحِظ: تاريخُ الطبري: 4 / 118، سرُّ السلسلةِ العلويّة لأبي نصرٍ البخاري، ص141، عمدةُ الطالبِ لابنِ عنبة، ص362، الكاملُ في التاريخ: 3 / 397).
( 9 )
هل كانَ عبيدُ اللهِ بنُ عليٍّ على خلافٍ معَ المُختارِ الثقفي؟
وردَ أنّ عبيدَ اللهِ بنَ عليٍّ أتى مِن مكّةَ إلى المُختارِ الثقفي وهوَ بالكوفة، وسأله فلم يُعطِه وقال: أقدمتَ بكتابٍ منَ المهدي؟ قالَ: لا، فحبسَه أيّاماً ثمَّ خلّى سبيله وقالَ: اخرُج عنّا، فذهبَ عبيدُ اللهِ إلى البصرة، وبويعَ له هناك. كما نقلنا روايةَ ابنِ سعدٍ في الطبقات.
ـ وروى ابنُ عساكرَ عن الزبيرِ بنِ بكار: كانَ عبيدُ اللهِ بنُ عليٍّ قدمَ على المُختارِ بنِ أبي عبيدٍ الثقفي حينَ غلبَ المُختارُ على الكوفةِ فلم يرَ عندَ المُختار ما يحبُّ، زعموا أنَّ المُختارَ قال إنَّ صاحبَ أمرِنا هذا منكُم رجلٌ لا يحيكُ فيه السّلاح فإن شئتَ جرّبتُ فيكَ السّلاح فإن كنتَ صاحبَنا لم يضُرّكَ السلاحُ وبايعناك فخرجَ مِن عندِه فقدمَ البصرةَ فجمعَ جماعةً فبعثَ إليه مصعبٌ بنُ الزّبير مَن فرّقَ جماعتَه وأعطاهُ الأمانَ فأتاهُ عبيدُ اللهِ فأكرمَه مصعبٌ فلم يزَل عبيدُ اللهِ مُقيماً عندَه حتّى خرجَ مصعبٌ بنُ الزبير إلى المُختارِ فقدمَ بينَ يديه محمّدٌ بنُ الأشعث ... فضمَّ عُبيدَ اللهِ إليه فكانَ معَ محمّدٍ في مقدّمةِ مصعب فبيّتَه أصحابُ المختارِ فقتلوا محمّداً وقتلوا عبيدَ اللهِ تحتَ الليل. (تاريخُ دمشقَ لابنِ عساكر: 52 / 131).
ـ وقالَ أبو الفرجِ الأصفهاني: وعبيدُ اللهِ بنُ عليٍّ بنِ أبي طالب ، وأمُّه ليلى بنتُ مسعود ... قتلَه أصحابُ
المُختارِ بنِ أبي عُبيدةَ يومَ المذار، وكانَ صارَ إلى المُختارِ فسأله أن يدعو إليهِ ويجعلَ الأمرَ له فلم يفعل، فخرجَ فلحقَ بمصعبٍ بنِ الزّبيرِ فقُتلَ في الوقعةِ وهو لا يعرف. (مقاتلُ الطالبيّين، ص84).
ـ ظاهرُ هذهِ النقولاتِ أنّ عبيدَ اللهِ كانَ طالباً للخلافة، ولكن يحتملُ أن يكونَ هذا الأمرُ صوريّاً، وأنّه كانَ مبعوثاً مِن طرفِ المُختارِ ومحمّدٍ بنِ الحنفيّة إلى البصرةِ لتضعيفِ الزبيريّين، لا سيما أنّ لهُ قاعدةً شعبيّةً فيها، باعتبارِ أنّ أخوالهُ هناك، وقد عاشَ فيها طويلاً، ولذا حسبَ نقلِ الزّبيرِ بنِ بكار، أنّهُ أوّلَ ما دخلَ البصرةَ جمعَ جماعةً مُعلناً رفضَه بيعةَ الزبيريّينَ، كما رفضَها محمّدٌ بنُ الحنفيّة، ففرّقَ مصعبٌ جماعتَه، وأعطاهُ الأمانَ، ثمَّ أعطاهُ مائةَ ألفِ درهم، وخرجَ مصعبٌ لقتالِ المُختار، وتخلّفَ عبيدُ اللهِ عن الخروجِ معه، وبقيَ في البصرةِ، فبويعَ له مرّةً أخرى، فخافَ مصعبٌ منه، وأرغمَه على الخروجِ معَه لقتالِ المُختار، وحبسَه في جيشِه، ثمَّ قُتلَ عبيدُ الله.
ويظهُر مِن ذلكَ كلِّه، أنّهُ كانَ رافضاً الزبيريّينَ أشدّ الرّفضِ ومتخوّفاً منهم، ولعلّ هذا يكشفُ عن أنّهُ كانَ يعملُ مع المُختارِ الثقفي سرّاً.
والخلاصةُ: إنّ دمَ عُبيدِ اللهِ بنِ عليّ بنِ أبي طالب في رقبةِ مصعبٍ بنِ الزبير، فإنّه: إمّا هو الذي قتله وفتكَ به – كما أدّى إليه هذا التحقيقُ – وإمّا أنّه تسبّبَ بقتلِه عندَما أخرجَه منَ البصرةِ مُكرَهاً لمُحاربةِ المُختارِ الثقفي، فقُتلَ على يدِ أصحابِ المُختار وهُم لا يعلمونَ به – على طبقِ الرّوايةِ الرسميّة -.
( 10 )
بعضُ الرواياتِ في حالِ عُبيدِ اللهِ بنِ عليٍّ بنِ أبي طالب.
وردَت بعضُ الرواياتِ ظاهرُها تأنيبُ وذمُّ عُبيدِ اللهِ بنِ علي.
الرّوايةُ الأولى: روى القطبُ الراونديّ مُرسلاً عَن أبي الجارود، عَن أبي جعفرٍ عليهِ السّلام قال: جمعَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلام بنيه - وهُم إثنا عشرَ ذكراً - فقالَ لهم: إنَّ اللهَ أحبَّ أن يجعلَ في سُنّةٍ مِن يعقوب إذ جمعَ بنيه - وهُم إثنا عشرَ ذكراً - فقالَ لهم: إنّي أوصي إلى يوسفَ، فاسمعوا له وأطيعوا.
وأنا أوصي إلى الحسنِ والحُسين، فاسمعوا لهُما وأطيعوا.
فقالَ له عبدُ اللهِ ابنه: أدونَ محمّدٍ بنِ علي؟ - يعني محمّداً بنَ الحنفيّة - .
فقالَ له: أجرأةٌ عليَّ في حياتي؟! كأنّي بكَ قد وُجدتَ مذبوحاً في فسطاطِك لا يُدرى مَن قتلك.
فلمّا كانَ في زمانِ المُختارِ أتاهُ فقال: لستُ هناك. فغضبَ فذهبَ إلى مصعبٍ بنِ الزّبير وهوَ بالبصرةِ فقال: ولّني قتالَ أهلِ الكوفة فكانَ على مقدّمةِ مصعب، فالتقوا بحروراء فلمّا حجرَ الليلُ بينَهم أصبحوا وقد وجدوهُ مذبوحاً في فسطاطِه، لا يُدرى مَن قتله. (الخرائجُ والجرائح: 1 / 183).
قالَ العلّامةُ المجلسي: بيان: أتاهُ أي أتى عبدُ اللهِ المُختارَ ليُبايعَ المُختارُ له بالإمامةِ، فقالَ المُختار له: لستَ هناكَ أي لا تستحقُّ الإمامةَ. (بحارُ الأنوار: 42 / 88).
ملاحظاتٌ على هذهِ الرّواية:
أوّلاً: هذهِ الرّوايةُ مُرسلةٌ، ولا تصحُّ منَ الناحيةِ السنديّة، إذ فيها إرسال.
ثانياً: منَ القريبِ جدّاً أن تكونَ الرّوايةُ انتهَت إلى قوله (ع): كأنّي بكَ قد وُجدتَ مذبوحاً في فسطاطِك لا يُدرى مَن قتلك.
وأمّا بقيّةُ الفقراتِ فمدرجٌ مِن كلامِ أحدِ الرّواة، إذ لم يحصُل لنا وثوقٌ بها، لأنّها تخالفُ ما وردَ في كتبِ التاريخِ أنّهم أخرجوهُ كُرهاً إلى مُحاربةِ المُختار، ولم يخرُج طوعَ إرادته.
ثالثاً: وأمّا قولُ أميرِ المؤمنينَ (ع) له: أجرأةٌ في حياتي، فهوَ تأنيبٌ وتأديبٌ له، كي لا يتمادى أكثر، ولعلّه كانَ صغيراً، وهذا اشتباهٌ جُزئيّ وفي تلكَ الواقعة، وليسَ إخفاقاً دائميّاً.
الروايةُ الثانية: روى العيّاشي في تفسيرِه عن عبدِ الرحمنِ بنِ سيابة عن الإمامِ الصّادق (ع): ... وكانَ مَثلُ السفينةِ فيكم وفينا تركُ الحُسين البيعةَ لمعاوية، وكانَ مَثلُ الغلامِ فيكم قولُ الحُسينِ (الحسن) بنِ عليٍّ لعبدِ الله بنِ علي: لعنكَ اللهُ مِن كافرٍ، فقالَ له: قد قتلتَه يا أبا محمّد، وكانَ مثلُ الجدارِ فيكم عليٌّ والحسنُ والحُسين. (تفسيرُ العيّاشي: 2 / 333).
قالَ العلامةُ المجلسي: وأمّا ما تضمّنَ مِن قولِ الحسنِ عليه السّلام لعبدِ اللهِ بنِ علي فيشكلُ توجيهُه، لأنّه كانَ منَ السّعداءِ الذينَ استشهدوا مع الحسينِ صلواتُ اللهِ عليه على ما ذكرَه المُفيدُ وغيرُه، والقولُ بأنّه عليهِ السلّام علمَ أنّه لو بقيَ بعدَ ذلكَ ولم يَستشهد لكفرَ بعيد.
والظاهرُ أن يكونَ عبيدُ اللهِ مُصغّراً بناءً على ما ذكرَه ابنُ إدريس، أنّه لم يستشهِد معَ الحُسينِ عليه السّلام ردّاً على المُفيد، وذكرَ صاحبُ المقاتلِ وغيرُه أنّه صارَ إلى المختارِ فسأله أن يدعو إليه ويجعلَ الأمرَ له فلم يفعَل، فخرجَ ولحقَ بمصعبٍ ابنِ الزبير، فقُتلَ في الوقعةِ وهوَ لا يعرف .
قوله : ( فقالَ له ) أي أميرُ المؤمنينَ عليه السّلام ( قد قتلتَه ) أي سيُقتلُ بسببِ لعنِك، أو هذا إخبارٌ بأنّه سيُقتلُ كما قتلَ الخضرُ الغلاَم لكُفره. (بحارُ الأنوار:
13 / 309).
أقولُ: والروايةُ مُرسلةٌ، ويمكنُ توجيهُها بما استبعدَه المجلسيّ في عبدِ الله مِن أنّه (ع) علمَ أنّه لو بقيَ بعدَ ذلكَ ولم يُقتل لكفرَ، والرّواية ُلا تدلّ على ذمِّه مُطلقاً، ولعلّه أخفقَ في بعضِ مراحلِ حياتِه في زمانِ الإمامِ الحسن (ع).
ويصعبُ البناءُ على ذمِّه بناءً على هاتينِ الرّوايتينِ المُرسلتين.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق