هل العالمُ يحتاجُ إلى مُحدِثٍ وهل هذا المُحدثُ هوَ اللهُ أو شيءٌ آخرُ غيرُه؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
بما أنَّ العالَمَ لم يأتِ منَ العدمِ فلابدَّ لهُ مِن مُوجِدٍ، فكلُّ حادثٍ لابدَّ لهُ مِن مُحدثٍ، وكلُّ معلولٍ لابدَّ لهُ مِن علّةٍ، ولذا كانَ القولُ أنَّ العالمَ أتى مِن لا شيء قولٌ يخالفُ أبسطَ قواعدِ التفكيرِ المنطقي، وعليهِ فإنَّ احتياجَ العالمِ إلى مُحدثٍ منَ البديهيّاتِ التي لا تحتاجُ إلى توضيح.
وإذا ثبتَ أنَّ العالمَ مخلوقٌ وهوَ بحاجةٍ إلى خالقٍ، ثبتَ أيضاً أنَّ ذلكَ الخالقَ لا يتّصفُ بأيّ صفةٍ مِن صفاتِ المخلوق، وإلّا كانَ مثله بحاجةٍ إلى خالقٍ، فكلُّ نقصٍ أو عجزٍ أو حاجةٍ ممّا نشاهدُه في الخلقِ مُمتنعٌ عنه، فالخالقُ لابدَّ أن يكونَ عالماً لا يجهلُ شيئاً، وقادراً لا يعجزُه شيء، وهكذا بقيّةُ صفاتِ الكمالِ والجمال، والذي يتّصفُ بصفاتِ الجمالِ والكمال هوَ اللهُ تعالى لا غيرُه، ولا يمكنُ أن نفترضَ شيئاً آخرَ غيرَ اللهِ خالقاً للكون، لأنَّ ذلكَ الشيءَ إمّا أن يكونَ داخلاً في إطارِ المخلوقاتِ وحينَها لا يصلحُ لأن يكونَ خالقاً، وإمّا أن يكونَ غيرَ مخلوقٍ فذاكَ الشيءُ هوَ اللهُ تعالى.
وفي الخبرِ أنَّ ابنَ أبي العوجاءِ سألَ الإمامَ الصّادقَ (عليهِ السّلام)، فقال: ما الدليلُ على حدوثِ الأجسام؟!
فقالَ (عليهِ السّلام): إنّي ما وجدتُ شيئاً صغيراً ولا كبيراً إلاّ وإذا ضُمَّ إليه مثلُه صارَ أكبر، وفي ذلكَ زوالٌ وانتقالٌ عن الحالةِ الاُولى. ولو كانَ قديماً ما زالَ ولا حال، لأنّ الذي يزولُ ويحول يجوزُ أن يُوجدَ ويبطل فيكونُ بوجودِه بعدَ عدمِه دخولٌ في الحدثِ، وفي كونِه في الأزلِ دخولهُ في القِدم، ولن تجتمعَ صفةُ الأزلِ والحدوث، والقدمِ والعدم في شيءٍ واحد.
فقالَ عبدُ الكريم: هبكَ علمتَ في جري الحالتينِ والزمانينِ على ما ذكرتَ واستدللتَ على حدوثِها. فلو بقيَت الأشياءُ على صغرِها مِن أينَ كانَ لكَ أن تستدلَّ على حدوثِها؟! فقالَ عليهِ السّلام: إنّما نتكلّمُ على هذا العالمِ الموضوع، فلو رفعناهُ ووضعنا عالماً آخرَ كانَ لا شيءَ أدلُّ على الحدثِ مِن رفعِنا إيّاهُ ووضعِنا غيرَه؛ ولكِن أجبتُكَ مِن حيثُ قدّرتَ أن تُلزمَنا ونقول: إنّ الأشياءَ لو دامَت على صغرِها لكانَ في الوهمِ أنّه متى ما ضُمَّ شيءٌ إلى مثلِه كانَ أكبر. وفي جوازِ التغييرِ عليهِ خروجُه منَ القدمِ كما بانَ في تغييرِه دخولهُ في الحدثِ ليسَ لكَ وراءَه شيءٌ يا عبدَ الكريم! فانقطعَ وخزي.
اترك تعليق