ما معنى قولِ الإمامِ الصّادقِ ع :"ليسَ منّا مَن لم يقُل بمُتعتِنا ويؤمِن برجعتِنا"؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
يبدو أنَّ السائلَ لا يطلبُ تفسيرَ عباراتِ الحديثِ لكونِها واضحةً، وإنّما يقصدُ هل عدمُ الإيمانِ بالرجعةِ أو عدمُ القولِ بحليّةِ المُتعةِ يُخرجُ عَن التشيّع؟، فالعبارةُ المُشكِلةُ في الحديثِ هيَ عبارةُ (ليسَ منّا)، أمّا معنى المُتعةِ والرّجعةِ فواضح.
وقبلَ الإجابةِ نشيرُ بشكلٍ عامٍّ إلى مكانةِ القولِ بالرّجعةِ وحليّةِ زواجِ المُتعة عندَ الشيعة، فقد أوردَ العلّامةُ المجلسي حوالي مئتي حديثٍ حولَ الرّجعةِ ومِن مصادرَ مُعتبرة، ثمَّ يقول: وكيفَ يشكُّ مؤمنٌ بأحقيّةِ الأئمّةِ الأطهار، فيما تواترَ عنهم في قريبٍ مِن مئتي حديثٍ صريحٍ رواها نيفٌ واربعونَ منَ الثقاتِ العِظامِ والعلماءِ الأعلام) (بحارُ الأنوار، ج53 ص 39)
كما أنّه تطرّقَ للروايةِ موضعِ السّؤالِ بقولِه: مَن لم يُؤمِن برجعتِنا فليسَ منّا فإنّما أرادَ بذلكَ ما اختصّهُ منَ القولِ بهِ في أنَّ اللّهَ تعالى يُحيي قوماً مِن أمّةِ محمّدٍ (ص) بعدَ موتِهم قبلَ يومِ القيامةِ وهذا مذهبٌ مُختصٌّ بهِ آلُ محمّد، وقد أخبرَ اللّهُ عزَّ وجل في ذكرِ الحشرِ الأكبر: ﴿وحشرناهم فلم نُغادِر منهُم أحدا﴾ وقالَ في حشرِ الرجعةِ قبلَ يومِ القيامة: ﴿ويومَ نحشرُ مِن كلِّ أمّةٍ فوجاً ممَّن يكذِّب بآياتِنا فهُم يوزعون﴾ فأخبرَ أنَّ الحشرَ حشران: حشرٌ عامٌّ وحشرٌ خاص وقالَ سُبحانَه يخبرُ عمَّن يُحشَر منَ الظالمينَ أنّه يقولُ في القيامةِ يومَ الحشر: ﴿ربّنا أمتّنا اثنتينِ وأحييتنا اثنتين فاعترَفنا بذنوبِنا فهل إلى خروجٍ مِن سبيل﴾. وللعامّةِ في هذهِ الآيةِ تأويلٌ مردودٌ، وهوَ: أنَّ المعنى بقولِه: ﴿أمتّنا اثنتين﴾ أنّه خلقَهم أمواتاً ثمَّ أماتَهم بعدَ الحياة)
ومعَ وجودِ مثلِ هذهِ الرّواياتِ التي جعلَت الاعتقادَ بالرجعةِ مِن مُسلّماتِ الشيعةِ الإماميّةِ إلّا أنّها لا تُعتبّرُ مِن ضروراتِ المذهب، أي أنَّ مُنكرَها لا يخرجُ عن التشيّع، وذلكَ لأنَّ الرّجعةَ منَ الأمورِ المُستقبليّةِ التي لا يمكنُ الاعتقادُ بها إلّا مِن خلالِ ثبوتِها بالنصوصِ الدينيّة، فمَن لم تثبُت عندَه نصوصُ الرجعةِ سنداً أو مضموناً لا يمكنُ مُطالبتُه بالاعتقادِ بها، ومنَ المؤكّدِ أنَّ الاعتقاداتِ لا تقومُ على التقليدِ والاتّباعِ وإنّما تقومُ على ثبوتِها العلمي عندَ كلِّ إنسان.
أمّا زواجُ المُتعةِ فهوَ منَ الأحكامِ الشرعيّةِ المُتّفقِ على حليّتِه بينَ جميعِ الشيعةِ مِن دونِ أيّ نزاعٍ أو خلاف، وليسَ هناكَ حاجةٌ لذكرِ الرّواياتِ وفتاوى الفقهاءِ في المسألةِ لكونِها منَ المُسلّمات.
وممّا تقدّمَ يتّضحُ أنَّ القولَ بالرجعةِ وبالمُتعةِ مِن مُختصّاتِ الشيعةِ ولم تشارِكهم المذاهبُ الإسلاميّةُ في هذا الأمر، ومِن هُنا نفهمُ التشديدَ في الحديثِ بضرورةِ القولِ بهما؛ وذلكَ لأنَّ الأمورَ المُتّفقَ عليها بينَ المذاهبِ لا تحتاجُ في إثباتِها إلى عباراتٍ فيها مزيدٌ منَ التأكيدِ، وإنّما يكفي الإشارةُ إليها، وهذا خلافُ ما وقعَ حولَه النزاعُ والتخاصم، ومِن هُنا كانَ لسانُ الرواياتِ في كلِّ الأمورِ الخلافيّةِ يحملُ طابعاً فيه إصرارٌ وتأكيد، ولذا فإنَّ الظاهرَ مِن هذهِ الرّوايةِ أنّها لم تكُن في واردِ إخراجِ مَن لا يقولُ بالرّجعةِ والمُتعةِ عَن الدينِ أو الحُكمِ عليهِ بالضّلالِ وإنّما كانَت في واردِ التأكيدِ على ضرورةِ القولِ بهما.
اترك تعليق