ما صحة الحديث المتداول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. "شيبتني سورة هود"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
هذا الحديثُ أساسُه ومصدرُه مرويٌّ مِن طُرقِ العامّة , إذ رواهُ جماعةٌ في مصنّفاتُهم, منهُم التّرمذيّ في (سُننِه), رقمُ الحديثِ (3297 ), إذ قالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ، عَن شَيبَانَ، عَن أَبِي إِسحَاقَ، عَن عِكرِمَةَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ قَد شِبتَ، قَالَ: شَيَّبَتنِي هُودٌ، وَالوَاقِعَةُ، وَالمُرسَلاَتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَ{إِذَا الشَّمسُ كُوِّرَت}.
ورواهُ أيضاً الحاكمُ في المُستدركِ (ج2/ص374): 3314 - حَدَّثَنِي أَبُو عَمرٍو مُحَمَّدُ بن جَعفَرِ بن مُحَمَّدِ بن مَطَرٍ، وَأَنَا سَأَلتُهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ جَعفَرُ بن أحمَدَ بن نَصرٍ الحَافِظُ، ثنا أَبُو كُرَيبٍ، ثنا مُعَاوِيَةُ بن هِشَامٍ، عَن شَيبَانَ، عَن أَبِي إِسحَاقَ، عَن عِكرِمَةَ، عَن ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ: أَرَاكَ قَد شِبتَ. قَالَ: «شَيَّبَتنِي هُودٌ والوَاقِعَةُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمسُ كُوِّرَت».
وذكرَ البيهقيّ في كتابِه (شعبُ الإيمانِ), رقمُ (2215) في شأنِ هذا الحديثِ حكايةً عن أحدِ الصّوفيّة المعروفينَ , وهوَ أبو عليّ السّريّ جاءَ فيها: أخبَرَنَا أَبُو عَبدِ الرَّحمَنِ السُّلَمِيُّ، سَمِعتُ أَبَا عَلِيٍّ السَّرِيَّ، يَقُولُ: رَأَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله, فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ رُوِيَ عَنكَ أَنَّكَ قُلت: " شَيَّبَتنِي هُودٌ " قَالَ: " نَعَم " , فَقُلتُ: مَا الَّذِي شَيَّبَكَ مِنهُ قَصَصُ الأَنبِيَاءِ وَهَلَاكُ الأُمَمِ؟ قَالَ: " لَا، وَلَكِن قولُهُ {فَاستَقِم كَمَا أُمِرتَ} [هود: 112] .وقد روى هذا الحديثَ إبنُ أبي شيبةَ في مُصنّفِه وأبو يعلى في مُسندِه وعبدُ الرزّاق في مُصنّفِه وغيرُهم.
وأمّا الحُكمُ على هذا الحديثِ, فإليكَ تعليقاتُ علمائِهم طِبقاً لِـما وجدناه, إذ علّق التّرمذيّ على هذا الحديث قائلاً: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعرِفُهُ مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ إِلّا مِن هَذَا الوَجهِ.وَرَوَى عَلِيُّ بن صَالِحٍ، هَذَا الحَدِيثَ عَن أَبِي إسحَاقَ، عَن أَبِي جُحَيفَةَ، نَحوَ هَذَا.وَقَد رُوِيَ عَن أَبِي إسحَاقَ، عَن أَبِي مَيسَرَةَ، شَيءٌ مِن هَذَا مُرسَلاً.
وقالَ الحاكمُ النّيسابوريّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرطِ البُخَارِيِّ وَلَم يُخرِجَاهُ , ووافقَه الذهبيّ في التّلخيصِ, (3314).
وفي كتابِ تذكرةِ الموضوعاتِ للفتنيّ (ص82) عندَ تعليقِه على هذا الحديثِ,قالَ: في المقاصدِ (شيّبتني هودُ وأخواتُها) حسّنّه التّرمذيّ, وغرّبه, ونقلَ عن الدّارقطنيّ أنّ طُرقَه كلّها مُعتلّةٌ ، وقالَ غيرُه إسنادُه على شرطِ البُخاريّ . (في المُختصرِ) شيّبتني هودُ والواقعةُ والمُرسلاتُ وعمَّ يتساءلونَ وإذا الشّمسُ كوّرَت (صحيحٌ).
وفي كتابِ كشفِ الخفاءِ للعجلونيّ (ج2/ص15): 1572 - شيّبتني هودُ وأخواتُها . رواهُ ابنُ مردويه في تفسيرِه عَن عمرانَ بنِ حُصينٍ بلفظٍ قيلَ يا رسولَ اللهِ أسرعَ إليكَ الشّيبُ ، قالَ شيّبتني هودُ والواقعةُ وأخواتُها ، وقالَ في الدّررِ رواهُ البزّارُ عن ابنِ عبّاس ، وصحّحهُ في الإقتراحِ، وأعلّه الدّارقطنيّ ، وأنكرَه مُوسى بنُ هارون ، وقالَ فيهِ إنّهُ موضوعٌ ، والصّوابُ تحسينُه ، وقَد إستوفيُت طُرقَه في التّفسيرِ المُسندِ ، إنتهى . إلى أن قال: وقالَ ابنُ دقيق العيد في أواخرِ الإقتراحِ إسنادُه على شرطِ البُخاريّ . ورواهُ البيهقيّ في الدّلائلِ عَن أبي سعيدٍ قالَ: قالَ عُمرُ بنُ الخطّابِ يا رسولَ اللهِ ، لقَد أسرعَ إليكَ الشّيبُ ، فقالَ: شيّبتني هودُ وأخواتُها الواقعةُ وعمَّ يتساءلونَ وإذا الشّمسُ كُوّرَت . وأخرجَهُ إبنُ سعدٍ وابنُ عديّ عَن أنسٍ, وفيهِ الواقعةُ والقارعةُ وسألَ سائلٌ وإذا الشّمسُ كوّرَت . ورواهُ الطّبرانيّ بسندٍ رجالُه رجالُ الصّحيحِ عَن عُقبةَ بنِ عامرٍ أنّ رجلاً قالَ يا رسولَ اللهِ: قَد شبتَ ، قال شيّبتني هودُ وأخواتُها .
هذا هوَ حُكمُ علمائِهم منَ المُتقدّمينَ والمُتأخّرينَ، وأمّا المعاصرين منهُم فقَد صحّحهُ الألبانيّ, وضعّفَه المُحقّقُ حُسين سليم كما في تعليقِه على طُرقِ الحديثِ في كتابِ (مُسندِ أبي يعلى الموصليّ), حسبَ أرقامِ الأحاديثِ (107), 0!08), (880).
وأمّا علماءُ الإماميّةِ أعزّهُم اللهُ تعالى فقَد ساقوا هذا الخبرَ بالأسانيدِ نفسِها التي وردَت من طُرقِ العامّةِ, كما في كتابِ (الخِصالِ) للصّدوقِ ص199, ح 10, وكتابِ (الأمالي) للشّيخِ المُفيد, ص304 واللّفظُ للشّيخِ المُفيد (قدّس) إذ قالَ: حدّثنا محمّدٌ بنُ أحمدَ الأسديّ ، قالَ : حدّثنا عبدُ اللهِ بنُ زيدان
وعليٌّ بنُ العبّاسِ البجليّان ، قالا : حدّثنا أبو كريبٍ ، قالَ : حدّثنا معاويةُ بنُ هشامٍ ، قالَ :حدّثنا شيبانُ ، عَن عكرمةَ ، عَن ابن عبّاسٍ ، قالَ : قالَ رجلٌ : يا رسولَ اللهِ ، أسرعَ إليكَ الشّيبُ ، قالَ : شيّبتني هود ُ، والواقعةُ ، والمُرسلاتُ ، وعمَّ يتسائلون .
ويظهرُ مِن عُلمائِنا أنَّ هذا الحديثَ لا إشكالَ فيه , إذ أوردوهُ في كُتبِهم المُصنّفةِ كأحدِ الشّواهدِ على ما وردَ في سورةِ هود, وهكذا هوَ حالُ جماعةٍ منَ المُفسّرينَ كما في مجمعِ البيانِ للطّبرسيّ, والتّفسيرِ الصّافي للكاشانيّ, وتفسيرِ نورِ الثّقلينِ للحويزيّ وتفسيرِ كنزِ الدّقائقِ وغيرِهم. وهذا هوَ مُجملُ الجوابِ عن سؤالِكُم. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق