ماذا تقولون في الغرب وتقدمهم في كل المجالات حتى في الإنسانية هل رجعوا إلى الله أو رجعوا إلى أنفسهم فهي تعارض الآية الكريمة "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ؟
السلام عليكم ورحمة الله
بدأت النّهضةُ الأوربيّةُ في وقتٍ مبكّرٍ جدّاً وقَد تعودُ إلى بداياتِ القرنِ الثّاني عشرَ تقريباً، وتسارعَت النّهضةُ بشكلٍ كبيرٍ في الفترةِ المُمتدّةِ ما بينَ القرنِ الرّابعَ عشرَ والقرنِ السّابعَ عشرَ، وقد ساهمَت عواملُ مُتعدّدةٌ وعلى مدى فتراتٍ مُمتدّةٍ منَ الزّمنِ على إيجادِ ما يُسمّى بالحضارةِ الغربيّةِ، وعليهِ لا يمكنُ حصرُ هذه العواملِ في جانبٍ واحدٍ وهوَ الإيمانُ وعدمُه، وإنّما يجبُ النّظرُ إلى المشهدِ بشكلِه المُتكاملِ، فالتّطوّرُ العلميّ، والإنتعاشُ التّجاريّ والصّناعي، والتّحوّلُ الكبيرُ على مُستوى الإنسانِ الأوروبيّ، والتّبدّلاتُ التي حدثَت على مُستوى الثّقافةِ المُجتمعيّةِ، تُعدُّ جميعُها منَ العواملِ المُهمّةِ في خلقِ النّهضةِ الأوروبيّةِ، وبالتّالي فإنَّ إختزالَ التّحوّلاتِ الكُبرى التي حدثَت في أوروبا في العلمانيّةِ وإبعادِ الدّينِ عن السّاحةِ السّياسيّةِ فيهِ حالةٌ منَ السّطحيّةِ والتّبسيطِ، ويبدو أنَّ التّحوّلاتِ المُهمّةَ ذاتَ التّأثيرِ المُباشرِ في أيّ نهضةٍ حضاريّةٍ تعودُ بشكلٍ أساسيّ إلى التّحوّلاتِ التي تحدثُ على مُستوى الإنسانِ، فتحريكُ العجلةِ السّياسيّةِ والإقتصاديّةِ وتحقيقِ التّنميةِ في كلِّ المجالاتِ لا يتحقّقُ إلّا مِن خلالِ الإنسانِ المُقتدرِ حضاريّاً، وفي ظنّي أنَّ مُشكلةَ عالمِنا الإسلاميّ والعربيّ ليسَت في غيابِ الخُططِ والبرامجِ ولا في شحِّ الإمكاناتِ المادّيّةِ وإنّما في الإنسانِ المُتخلّفِ حضاريّاً، فمُجرّدُ تحوّلِ الأنظمةِ السّياسيّةِ إلى أنظمةٍ علمانيّةٍ لا يُعدُّ حلّاً حقيقيّاً لمُشكلاتِنا الحضاريّةِ، ومِن هُنا يجبُ أن تتضافرَ الجهودُ في بذلِ الجُهدِ مِن أجلِ الإرتقاءِ بالإنسانِ علميّاً وفكريّاً وثقافيّاً وتربويّاً وقبلَ كلِّ ذلكَ لابُدَّ مِن إعادةِ الثّقةِ للإنسانِ المُسلمِ في نفسِه وفي دينِه، وما تُنادي به العلمانيّةُ هيَ مُجرّدُ مُعالجاتٍ سطحيةٍ لا تُلامسُ مُشكلةَ الإنسانِ الشّرقيّ؛ بَل قَد تكونُ سبباً في توهينِه وإشعارِه بالدّونيّةِ أمامَ الإنسانِ الغربيّ، فالإسلامُ كهويّةٍ ثقافيّةٍ وقيميّةٍ يُمثّلُ ضرورةً لأيّ تحوّلٍ حضاريٍّ في المنطقةِ، والثّغراتُ الملحوظةُ في الحضارةِ الغربيّةِ تُعدُّ نتاجاً طبيعيّاً للإستبعادِ المُمنهجِ للسُّلطةِ الرّوحيةِ والأخلاقيّةِ، فبدلَ أن يعملَ المُثقّفُ العربيّ والإسلاميّ على ضعضعةِ الثّقةِ بالإسلامِ مِن خلالِ تضخيمِ المُنجَزِ الغربيُّ يجب أن يُكرّسَ جُهدَه في إنتاجِ حضارةٍ محليّةٍ أساسُها القيمُ الإسلاميّةُ.
وفي المُحصّلةِ، إنَّ الحياةَ قائمةٌ على الأسبابِ والمُسبّباتِ ومسؤوليّةُ الإنسانِ هيَ العملُ بما يقتضي إعمارَ الدُّنيا، ولا يمكنُ أن يستغنيَ الإنسانُ بالإيمانِ عنِ العملِ وبذلِ الجهدِ، وكما يُقالُ لكُلِّ مُجتهدٍ نصيبٌ، وقَد أحدثَ الإنسانُ الغربيّ تحوّلاً مادّيّاً ملحوظاً وذلكَ لكونِه أخذَ بالأسبابِ المُوجبةِ للنّهضةِ، وهذا ما تؤكّدُه الآيةُ التي جاءَت في معرضِ السّؤالِ قالَ تعالى: (إنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم) فقَد دلَّتِ الآيةُ على أنَّ التّغييرَ أمرٌ مرهونٌ بإرادةِ الإنسانِ ولا ينوبُ اللهُ عنهُ في مواجهةِ صعوباتِ الحياة، بالتّالي الآيةُ لا تُشيرُ لوجودِ تناقضٍ بينَ الرّجوعِ إلى اللهِ وتغييرِ الإنسانِ لنفسِه، بلِ الحركةُ المُتّزنةُ للحياةِ الإنسانيّةِ لا تكونُ إلّا بإيجادِ توازنٍ بينَ الغيبِ والشّهودِ وبينَ الحياةِ الدّنيا والآخرةِ، حيثُ يعملُ لدُنياه كأنّهُ يعيشُ أبداً ويعملُ لآخرتِه كأنّهُ يموتُ غداً.
اترك تعليق