رواياتٌ في بكاءِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) حينَ تغسيلِ فاطمةَ (عليها السلام)
السّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، (إنَّ أميرَ المؤمنينَ عليهِ السّلام لّما وضعَها على المُغتسلِ تركَ تغسيلها وتنحّى جانباً ووضعَ رأسَه بينِ رجليهِ فاستغربَت أمُّ سلمةَ مِن ذلكَ فقالَ لها أنّهُ مرَّت يدُه على ضلعِ الزّهراءِ المكسور..) مَن لديهِ مصدرٌ لهذهِ الرّوايةِ التي يتناقلُها روّادُ المنابرِ وخطباؤها؟ ويكونُ متفضّلاً.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
في حدودِ بحثِنا لم نعثُر على هذا النصِّ في المصادرِ المُتقدّمةِ التي بينَ أيدينا، ولكنّهُ وردَ في بعضِ الكتبِ التي ألّفَت في القرنِ الثالثَ عشرَ وما بعد.
وسننقلُ ما حقّقَه صاحبُ كتابِ الهجومِ على بيتِ فاطمة، ص 358 – 363 ، قال:
رواياتٌ في بكاءِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) حينَ تغسيلِ فاطمةَ (عليها السلام)
قالَ الشيخُ مُحمّد ( مهدي ) بنُ علي أكبر الخراساني المشهورِ بفرشتِه ( المتوفّى بعد 1261 ) - ما ترجمتُه - : قالت فضّةُ : لما فرغَ أميرُ المؤمنينَ ( عليهِ السّلام ) مِن تغسيلِ مولاتي فاطمةَ الزّهراء ( عليها السّلام ) خرجَ باكياً ( 1 ) .
وقالَ - أيضاً ما ترجمتُه - : قالَ ورقةُ بنُ عبدِ الله : كنتُ قائماً على بابِ دارِ سيّدِ الأوصياءِ أميرِ المؤمنينَ ( عليهِ السلام ) - حينَ اشتغالِه بتغسيلِ فاطمة ( عليها السّلام ) - فإذا سمعتُه يبكي بكاءً عالياً ممّا لم أعهَد نظيرَه منه ( عليهِ السّلام ) ، فتعجّبتُ مِن ذلكَ كيفَ لم يتصبّر ( عليهِ السّلام ) هُنا وقلتُ : سُبحانَ الله ! أهكذا يصنعُ عليٌّ ( عليهِ السّلام ) - معَ شدّةِ صبرِه وحملِه وسكونه - ؟ ! وصمّمتُ على ملامتِه عندَ خروجِه . . فلمّا فرغَ منَ التغسيلِ خرجَ ودموعُه تسيلُ مِن عينيه . فقلتُ : ما يُبكيكَ يا أبا الحسنِ ، أمِن فقدِ [ فراقِ ] الزهراءِ ( عليها السّلام ) ؟ ! فقالَ : لا ، يا ورقة ! ما يُبكيني إلّا أثرُ السياطِ بجسمِها ، أسودٌ كأنّهُ النيلُ . . [ كذا ] فهكذا تُحشَرُ يومَ القيامةِ وتلقى الله ( 2 ) .
وقريبٌ منها ما رواهُ الشيخُ عبدُ الخالقِ بنُ عبدِ الرّحيمِ اليزدي ( 3 ) ( المتوفّى 1268 ) ، والشيخُ حُسين بنُ عبدِ الرزّاقِ التبريزي ( القرن الثالث عشر ) ( 4 ) ، والشيخُ محمّد جواد اليزدي المشهدي الشيباني ( 5 ) ، والجرمقي البسطامي الخُراساني ( 6 ) .
وأشارَ إليهِ الخطيبُ الحاجُّ ملا إسماعيل السبزواري ( المتوفى 1312 ) إجمالاً ، فقالَ - مُترجماً - : وبكى أميرُ المؤمنينَ ( عليهِ السّلام ) حينَ تغسيلِ فاطمة ( عليها السّلام ) إذ رأى جنبَها المكسورَ ( 7 ) .
وأشارَ إليه الشيخُ محمّد باقر الفشاركي ( المتوفّى 1314 ) بما ترجمتُه . . . ولا أدري ما جرى على أميرِ المؤمنينَ ( عليهِ السّلام ) حينَ تغسيلِه لفاطمة ( عليها السّلام ) حينَما رأى جنبَها المكسورَ ، واسودادَ عرضِ وجهِها مِن لطمةِ عُمر . . فبكى ( عليهِ السّلام ) بكاءاً عالياً بحيثُ سُمعَ أنينُه في أزقّةِ المدينةِ . . كما يظهرُ ذلكَ مِن روايةِ ورقةَ بنِ عبدِ الله ( 8 ).
ونقلَها السيّدُ محمّد باقر المُجتهد الگنجوي عن ورقةَ بنِ عبدِ الله هكذا - مُترجماً - : كنتُ جاراً لعليٍّ ( عليهِ السّلام ) فسمعتُ أنينَه وبكاءَه في جوفِ الليل ، فخرجتُ وقرعتُ البابَ ، فلمّا فتحَ البابَ ، قلتُ : إنَّ العربَ يعيبونَ أن يبكي الرجلُ ويندبَ في فقدِ زوجتِه . فقالَ : " يا ورقة ! لم أبِك لفقدِها ، بل رأيتُ آثارَ الرّفسةِ والسياطِ في يدِها وجنبِها عندَ غسلي لها ، ولا زالَ متنُها مسودّاً مِن أثرِ السياط ، وركلِها بالباب " ( 9 ) . وقالَ في موضعٍ آخر - ما ترجمتُه - : فكأنّهُ قالَ ( عليهِ السّلام ) : " ماذا أصنعُ يا ورقة ؟ لقيتُ حينَ الغسلِ آثارَ الرّفسةِ والسياطِ في جنبِ بنتِ رسولِ الله ( صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلم ) بعدَ مُضيّ شهرين ( 10 ) .
ووردَ في بكائِه ( عليه السّلام ) رواياتٌ أخرى يناسِبُ ذكرَها هنا :
قالَ حسنٌ بنُ عليٍّ اليزدي ( المتوفى 1297 ) - ما ترجمتُه - : فاشتغلَ أميرُ المؤمنينَ ( عليهِ السلام ) بتغسيلِ فاطمةَ ( عليها السّلام ) ، وكانَت أسماءُ بنتُ عميس تصبُّ الماءَ على يدِه وهوَ يغسلها مِن تحتِ ثيابها . . . قالت أسماءُ : فرأيتُ في أثناءِ ذلكَ أنَّ عليّاً ( عليهِ السّلام ) قد رفعَ صوتَه بالبكاءِ معَ ما كانَ عليهِ منَ التجلّدِ ، فقلتُ : يا علي ! يحقُّ لكَ البكاءُ في مثلِ هذهِ المُصيبةِ العُظمى والبليّةِ الكُبرى ، . . ولكن لمَ ارتفعَ صوتُك بالبكاءِ مِن دونِ اختيار ؟ فقالَ ( عليهِ السّلام ) : " يا أسماءُ ! رأيتُ السوادَ على طرفِ وجهِ فاطمةَ ( عليها السّلام ) ، وبقاءَ أثرِ اللطمِ عليه ، واحمرارَ عينِها كالدمِ ، وتورّمَ عضدِها كالدّملج " ( 11 ) .
وفي روايةٍ أخرى : قالَ عليٌّ ( عليهِ السّلام ) : " يا رسولَ اللهِ ! هذه أمانةُ ليلةِ الزفافِ رددتُها إليك " ، فخرجَ منَ القبرِ صوتٌ : " يا عليّ ! . . في تلكَ الليلةِ لم يكُن ضِلعُها مكسوراً ، ولا وجهُها مسودّاً ، ولا عينُها مُحمرّة " . فبكى
أميرُ المؤمنينَ ( عليهِ السّلام ) وقالَ : " يا رسولَ الله ! أنتَ تعلمُ ممَّن صدرَت هذهِ الأفعال ( 12 ) . .
وقالَ الشيخُ مُحمّد علي الكاظمي ( المُتوفّى 1281 ) : قالت زينبُ ( عليها السّلام ) : رأيتُ - حينَ تغسيلِ أمّي ( عليها السّلام ) - سوادَ جنبِها ، فسألتُ أبي ( عليهِ السلام ) فقالَ : " هذا أثرُ السياط . . " ( 13 ) .
وقالَ صدرُ الواعظينَ القزويني ( المتوفّى حدودَ 1330 ) - ما ترجمتُه - : وأوصَتهُ ( عليها السّلام ) أن لا يجرّدَها حينَ الغسلِ ، بل يغسِلها ، وعليها قميصُها ، والسرُّ في ذلكَ ، كأنّها تقولُ بلسانِ الحالِ : يا علي ! إنّي لشدّةِ محبّتي وشفقتي عليكَ أردتُ أن لا ينكسرَ خاطرُك بشيء ، ولذا فقد كتمتُ عنكَ آثارَ ضربِ الغلافِ والرفسةِ التي كانَت بجسمي . واويلاه ! حينما كانَ أميرُ المؤمنينَ ( عليهِ السّلام ) مشغولاً بغسلِ السيّدةِ فاطمة الزّهراء ( عليها السلام ) إذ رأى سوادَ عضدِها وجنبِها ، فصاحَ صيحةً سمعَها الناسُ مِن خارجِ الدّار ( 14 ) .
أقولُ : يُحتمَلُ أن يكونَ بكاءُ أميرِ المؤمنينَ ( عليهِ السّلام ) وصيحتُه لأجلِ مُلامسةِ يدهِ الجسدَ المتورّمَ ، أو الضلعَ المكسورَ - كما يقال - وأطلقَت الرؤيةُ على ذلكَ مجازاً كما يقولُ الأعمى أيضاً لشيءٍ مسّهُ سابقاً : أنا رأيتُ ذلك . وإنّما نستبعدُ الرؤيةَ بالعينِ لأجلِ ما وردَ مِن نهيها ( عليها السلام ) عَن كشفِ كفنِها . وهو ما رواهُ جمعٌ مِن أهلِ السنّةِ مِن أنَّ فاطمةَ ( عليها السّلام ) لبسَت ثيابَها الجُددَ - قبلَ وفاتِها بلحظاتٍ - بعدَ أن اغتسلَت وأمرَت أن لا تُكشفَ إذا قُبضَت ( 15 ) . وفي بعضِ النصوصِ أنّها قالت : " ولا يكشفنَّ أحدٌ لي كتفاً " ( 16 ) . فإنّها ( عليها السلام ) - لشدّةِ محبّتِها لأميرِ المؤمنينَ ( عليهِ السّلام ) كما يظهرُ لمَن راجعَ سيرتَها ( عليها السّلام ) - أرادَت أن لا تقعَ عينا أميرِ المؤمنينَ ( عليه السلام ) على آثارِ الضرباتِ الصادرةِ منَ المُهاجمينَ على بيتِها ، لا سيما الأثرُ الباقي في كتفِها مِن غمدِ السيفِ أو السياط ، ولبسَت ثيابَها الجُددَ لئلّا يرى ثيابَها المُضرّجةَ بالدم . نعَم هذا هوَ السرُّ في قولِ أميرِ المؤمنينَ ( عليهِ السّلام ) - خطاباً لرسولِ اللهِ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم ) - : " . . فأحفّها السؤالُ ، واستخبرَها الحال . . " إذ معنى الإحفاءِ هوَ المبالغةُ والإلحاح . كأنَّ أميرَ المؤمنينَ ( عليهِ السّلام ) يقولُ : إنّها كاتمةٌ لِما جرى عليها ولا يسعُ استكشافُ الحالِ إلّا بعدَ الإصرارِ والمُبالغة .
اترك تعليق