ما هوَ الرّأيُ المُختارُ في كتابِ الغضائريّ وابنِه  

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمة الله، 

إنّ أصلَ هذا الكتابِ إنّما هوَ لابنِ الغضائريّ، وليسَ لأبيه، ومنشأ نسبتِه مِن بعضِ الأعلامِ إلى الأبِ كما عندَ الشهيدِ الثاني في إجازتِه للشيخِ حُسين عبدِ الصّمدِ البهائيّ، هوَ أنّ شهرةَ الأبِ، وهوَ الحسينُ بنُ عُبيدِ الله الغضائري هيَ أكثرُ مِن شُهرةِ ابنِه أحمد خصوصاً أنّه كانَ أستاذاً للشيخِ الطوسيّ والنجاشيّ ولابنِه أحمد ولغيرِهم. فالكتابُ – إذن - إنّما هوَ لأحمد بنِ الحُسينِ بنِ عبيدِ الله الغضائريّ، وهو المعروفُ برجالِ ابنِ الغضائريّ. [ينظرُ تحقيقُ هذه المسألةِ في كتابِ [كليّاتٌ في علمِ الرجالِ للشيخِ السّبحانيّ ،في الصّفحة 84 -87].  

ويعدُّ هذا الكتابُ منَ المصادرِ الأساسيّةِ عندَ علماءِ الشيعةِ الإماميّة، إذ اعتمدَ عليهِ طائفةٌ منَ الأعلامِ المعروفينَ مِـمّن لهُم باعٌ في علمِ الرّجالِ أمثال، السيّدِ أحمدَ بنِ طاووس في كتابِه حلُّ الإشكال، والعلّامةُ الحلّي، في كتابِه خلاصةُ الأقوالِ في علمِ الرّجالِ وابنُ داوودَ الحلّي في كتابِه الرّجال.  

وقد أوردَ محقّقُ الكتابِ السيّدُ محمّد رضا الجلاليّ في مُقدّمةِ تحقيقِه لكتابِ ابنِ الغضائري أنّ هناكَ أيضاً جملةً منَ العلماءِ أيّدوا ما ذُكرَ في كتابِه، مِنهم: الفاضلُ التوني، والوحيدُ البهبهاني، والمُحقّقُ الكلباسي، ومحمّد تقي التستري.   

ويرى السيّدُ علي السيستاني – وهوَ مِن مراجعِ التقليدِ المعروفينَ - ثبوتَ الكتابِ وأنَّ ابنَ الغضائري هوَ المُعتمَدُ في مقامِ الجرحِ والتعديل، أكثرَ منَ النجاشي والشيخِ الطوسي وأمثالِهما. [ينظر كتابُ السيرةِ الذاتيّةِ للسيّدِ عليّ السيستانيّ].  

وهناكَ بعضُ الإشكالاتِ التي أُثيرَت ضدَّ هذا الكتابِ، مِن أهمّها:  

أوّلاً: أنَّ بعضَ مُحدّثي الشيعةِ، منهم العلّامةُ المجلسي [كما في بحارِ الأنوار ج1/ص41] والمحدّثُ النوري لم يقبلوا آراءَ ابنِ الغضائري؛ وذلك بسببِ تضعيفِه لعددٍ منَ الرواةِ الشيعةِ الذين تمَّ مدحُهم مِن قبلِ علماءِ رجالٍ آخرين.   

وقد أجيبَ عن ذلكَ بأنّ الاختلافَ موجودٌ بينَ الطوسي والنجاشي منَ الرجاليّينَ كما هو موجودٌ بينَ ابنِ الغضائريّ وغيرِه ، وهوَ أمرٌ طبيعيّ لا يخفى على أهلِ العلم، وله أسبابٌ معروفةٌ بيّنَها أهلُ العلمِ في بابِ تعارضِ الجرحِ والتعديل.   

والإشكالُ الثاني: هوَ ما ذهبَ إليه بعضُ العلماءِ المُعاصرينَ كالسيّد الخوئي [كما في مُقدّمةِ مُعجمِ رجالِ الحديث]، والشيخِ آغا بزرك الطهرانيّ في كتابِه الذريعة (ج2/ص884) بعدمِ ثبوتِ نسبةِ الكتابِ إليه، بحُجّةِ عدمِ وجودِ طريقٍ إلى الكتاب، وأنّ الكتابَ كانَ مُختفياً طيلةَ قرنين، وأوّلُ مَن اكتشفَه السيّدُ ابنُ طاووس! !  

وقد أجابَ عن هذهِ الدّعوى غيرُ واحدٍ منَ الأعلام، منهُم السيّدُ مُحمّد رضا السيستانيّ في كتابِه قبساتٌ مِن علمِ الرّجالِ في (ج2/ص67 وما بعدَها)، ووضّحَ ذلكَ أيضاً مُحقّقُ الكتابِ السيّدُ محمَّد رضا الجلاليّ في المُقدّمة، إذ قالَ: إنّ اختفاءَ الكتابِ طيلةَ قرنين (450 ه‍ وحتّى 644 ه‍) لا يُشكّلُ عقبةً في تصحيحِ نسبتِه: أوّلاً، لأنَّ الفترةَ تلكَ تعدُّ مِن أظلمِ الفتراتِ في تاريخِ التراثِ الشيعي، والتي قلَّت عنها المصادرُ والأخبار، وما يوجدُ منها لا يكشفُ عن جهودٍ كثيرةٍ، إلّا الأعمالُ العظيمةُ التي تمكّنَت منَ الظهور، رُغمَ الضبابِ والتعتيم، فاخترقَتها كالشمسِ في رائعةِ النهار، وهيَ قليلةٌ تُعدُّ بالأصابع. ومهما يكن، فإنَّ ذلكَ لا يشكّلُ عقبةً أمامَ إطلاقِ أعلامِ الفنِّ نسبةَ الكتابِ إلى ابنِ الغضائري . كما أنّ اعتمادَ مثلِ العلّامةِ الحلّي - الفقيهِ الأعظمِ، والرّجاليّ الأكبر، والمحدّثِ الأعلمِ في عصرِه - على النُسخةِ وما فيها، دليلٌ قطعيٌّ على صحّةِ النسبةِ ووصولِها إليه بطرقٍ صحيحةٍ مأمونة، كما هوَ شأنُ سائرِ مصادرِه المعروفة. ولا دليلَ على أنّه أخذَها عَن أستاذه السيّدِ ابنِ طاووس، الذي صرّحَ بأنّهُ ليسَ لهُ طريقٌ إلى النسخةِ، وإنّما أخذَها وجادةً، معَ أنَّ الوجادةَ تلكَ - وفي عصرٍ قريبٍ منَ المؤلّف - لا بدَّ أن تكونَ مُعتبرةً عندَ السيّدِ، بحيثُ أطلَق النسبةَ، واستخرجَ النصوصَ، وسجّلها في كتابِ رجالِه منسوبةً إلى الغضائري . وإلا كيفَ يجوزُ له كلُّ ذلك ؟ ومِن أينَ عرفَ النسبةَ إلى ابنِ الغضائري ؟ وهوَ على ما هوَ منَ الورعِ والتُّقى والاجتهاد . وكذا المتأخّرونَ عنه، وهُم مَن همُ في الاحتياطِ والمُحافظةِ على الضبطِ، و المعرفةِ التامّةِ بالرجالِ والكُتبِ! فلا بدَّ منَ الوثوقِ بما قدّموهُ مِن هذا الكتابِ، كسائرِ ما جاءَ في أعمالِهم منَ النصوصِ المنقولةِ عن كتبِ القدماء، والتي تفقدُ اليومَ أعيانَها. ومَن أرادَ المزيدَ منَ الأجوبةِ، فبوسعِه الرجوعُ إلى ما أوردَه السيّدُ محمّد رضا السيستانيّ في كتابِه قبساتٌ مِن علمِ الرّجالِ في (ج2/ص67 وما بعدَها)، ففيه فوائدَ كثيرةٍ لا يستغني عنها طلّابُ العلمِ وأهله. هذا ما لدينا عَن كتابِ ابنِ الغضائريّ، وهوَ الرأيُ المُختار. ودمتُم سالِمين.