هل ما يقالُ بأنّ السيّدَ موسى المُبرقع ابنِ الإمامِ الجوادِ يشربُ الخمرَ، وأنّه ادّعى الإمامةَ كما روى ذلكَ الكلينيّ؟ 

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمة الله،

الذي يظهرُ مِن كلماتِ عُلمائنا الأعلامِ أنّ السيّدَ المُبرقعَ منَ السّادةِ الأجلّاء الممدوحينَ، وأنّ ما وردَ في حقّه مِن روايةٍ ذامّةٍ فهيَ روايةٌ ضعيفةٌ ولا يعوّلُ عليها في شيء، وإليكَ بعضاً مِن أقوالِ أصحابنا في هذهِ الشخصيّةِ وتعليقِهم على تلكَ الرّوايةِ الذامّة.  

1- قالَ السيّدُ محسنٌ الأمين في كتابِه أعيانُ الشيعة، [ج ١٠/ص194]: في تاريخِ قم ما تعريبُه : قالَ أبو عليّ الحسينُ بنُ محمّدٍ بنِ نصرٍ بنِ سالم أنّه أوّلُ مَن وردَ قمّاً منَ الساداتِ الرضويّة وذلَك سنةَ 256 جاءَ إليها منَ الكوفةِ ثمَّ أخرجَه العربُ مِن قم لأمورٍ صدرَت منه فذهبَ إلى كاشان فأكرمَه أحمدُ بنُ عبدِ العزيز بنِ أبي دلفٍ العجلي وخلعَ عليه وقرّرَ له في كلِّ سنةٍ ألفَ دينار فلمّا وردَ الحسينُ بنُ عليّ بنِ آدم وشخصٌ آخرُ مِن رؤساءِ العربِ على الصادقِ عليهِ السلام[1] وبّخهم على إخراجِه مِن قُم فأرسلوا وراءَه وارجعوهُ إلى قُم مُكرّماً ثمَّ قصدَ عبدُ العزيزِ بنُ أبي دلف فأكرمَه وعيّنَ له وظيفةً سنويّة ثمَّ طلبَ أخواته زينبَ وأمّ محمّدٍ وميمونة بناتِ محمّدٍ بنِ عليّ منَ الكوفةِ إلى قُم فتوفينَ بها ودفنَّ بقربِ قبرِ فاطمةَ بنتِ موسى بنِ جعفر وأقامَ موسى بنُ محمّد بقم حتّى توفّيَ بها وصلّى عليهِ أميرُ قم عبّاس بنُ عمرو الغنوي. 

وفي الكافي والبحارِ ومرآةِ العقولِ وأربعينِ المجلسي هكذا : محمّدٌ بنُ جعفٍر الكوفي عن محمّدٍ بنِ عيسى بنِ عبيد عن محمّدٍ بن حسين الواسطي سمعَ أحمدَ بنَ أبي خالدٍ مولى أبي جعفرٍ أنَّ أبا جعفرٍ محمّداً بنَ عليٍّ بنِ موسى بنِ جعفرٍ بنِ محمّد بنِ عليّ بنِ الحسينِ بنِ عليّ بنِ أبي طالب ع أشهدَه أنّه أوصى إلى عليٍّ ابنِه بنفسِه وأخواتِه وجعلَ أمرَ موسى إذا بلغَ إليه وجعلَ عبدَ اللهِ بنَ مساور قائماً على تركتِه من الضياعِ والأموالِ والنفقاتِ والرقيقِ وغيرِ ذلكَ إلى أن يبلغَ عليٌّ بنُ محمّد صيرَ عبدَ اللهِ بنَ مساور ذلكَ اليومَ إليه يقومُ بأمرِ نفسِه وأخواتِه فيصيرُ أمرُ موسى إليه يقومُ لنفسِه بعدَهما على شرطِ أبيهما في صدقاتِه التي تصدّقَ بها وذلكَ اليومَ الأحد لثلاثِ ليالٍ خلونَ مِن ذي الحجّة سنةَ 220 وكتبَ أحمدُ بنُ أبي خالد شهادتَه بخطّه وشهدَ الحسنُ بنُ محمّدٍ بنِ عبدِ الله بنِ الحسنِ بنِ عليّ بنِ الحُسين بنِ عليّ بنِ أبي طالب ع وهوَ الجواني على مثلِ شهادةِ أحمدَ بنِ أبي خالد في صدرِ هذا الكتابِ وكتبَ شهادتَه بيدِه وشهدَ نصرٌ الخادم وكتبَ شهادتَه بيده. 

ولمّا كانَ في هذا الحديثِ بعضُ الغموضِ أوضحَه المجلسيُّ في البحارِ وصاحبُ مرآةِ العقولِ وبعضُ شرّاحِ الكافي وفي هذا الخبرِ تصريحٌ بأنَّ موسى ولّيَ مِن قبلِ أبيهِ على جملةِ موقوفاتِه بعدَ عليٍّ الهادي وعبدِ اللهِ بنِ مساور من دونِ مشاركةِ أحدٍ بعدَ بلوغِه في حياةِ الهادي وعبدِ الله وفي ذلكَ شهادةٌ على عدالتِه وأمانتِه وديانتِه وكياستِه ومِن جُملةِ الموقوفاتِ عشرُ قرىً كانَت موقوفةً على البناتِ اللاتي لا أزواجَ لهنَّ من ذريّةِ الرّضا ع كما ذكرَ صاحبُ التاريخِ أنّه وصلَ إليه أنَّ محمّداً بنَ عليٍّ الرضا وقفَ هذه العشرَ القرى على النساءِ الرضويّة اللاتي لا أزواجَ لها وكانَ يرسلُ نصيبَ الرضائيّة السّاكناتِ في قُم مِن انتفاعاتِ هذه القرى إليهنَّ منَ المدينة. ولكنَّ المُفيدَ في الإرشادِ روى عن الحُسينِ بنِ الحسنِ الحُسيني عن يعقوبَ بن ياسر خبراً يتضمّنُ عيوباً له ولكنَّ هذين الراويينِ مجهولان ولم يُذكرا في كتبِ الرجالِ بل إنَّ يعقوبَ راوي متنِ الخبر ، الظاهرُ أنّه منَ المُتّصلينَ بالمتوكّلِ والواقفينَ على مطالبِه القبيحةِ وكانَ حاضراً في ذلكَ المجلسِ ولعلّه ابنُ ياسر خادمُ المأمونِ ولا يثبتُ قدحٌ بقولِ أحدِ اتباعِ المتوكّل في حقِّ أعدائِه مع أنَّ هذا الخبرَ معارضٌ بالأخبارِ الكثيرةِ الدالّةِ على حُسنِ حالِه خصوصاً خبرَ جعلِ أبيهِ لهُ متولّياً على صدقاتِه ومعاملةِ الأشعريّينَ وغيرِهم له وهذا الخبرُ وان نقلَه المفيدُ لكن لا يدلُّ على اعتمادِه عليه كما أنّه قد نقلَ في الإرشادِ أنَّ أميرَ المؤمنين ع لم يُصَب بجرحٍ ثمَّ نُقلَ في مواضعَ أخرى منَ الكتابِ خلافَه.  

2- علّقَ السيّدُ الخوئيّ في كتابِه [معجمُ رجالِ الحديث ج20/ص82] على هذهِ الروايةِ قائلاً: أقولُ إنَّ هذه الروايةَ ضعيفةٌ ، فإنَّ يعقوبَ بنَ ياسر مجهولٌ ، ولو صحَّت الروايةُ لدلّت على نهايةِ خُبثِ موسى وجرأتِه على الإمامِ عليهِ السلام.

3- للشيخِ الجليلِ عبدِ الله البحرانيّ توجيهٌ لطيف، إذ يقولُ في كتابِه العوالم (ص555): إنّ أبا الطيّبِ يعقوبَ بنَ ياسر شخصٌ مجهولُ الحالِ ، ولم يُذكَر اسمُه في كُتبِ التراجمِ والرجالِ إلّا مرّةً واحدةً لروايتِه هذا الحديث ، كما أنّ هذا الحديثَ لم يُذكَر إلّا بروايةِ هذا الشخصِ فحسب ، ولا شاهدَ له في كتبِ الفريقين ؛ وقد أغنانا عَن ذلكَ إذ ترجمَ هوَ لنفسِه قبلَ كلِّ أحدٍ مِن خلالِ روايتِه لهذا الحديثِ المُبرِز والمُظهِر لسببِ حنقِهم على الإمامِ عليه السلام والتفافِهم على الحقيقةِ بأنواعِ الحيلةِ والتمويهِ والافتراء ، وكيفَ توخّوا لإنجاحِ هدفِهم المشؤومِ أخبثَ الطرق ، فتشبّثوا بذكرِ بعضِ فضائلِهم ومعاجزِهم عليهم السلام بما يموّهُ على السّامعِ الخبر ويوجبُ التصديقَ بالرواية ؛ وأمّا ذكرُ الكُليني لهذا الخبرِ ، وكذا مَن تبعَه كالمُفيدِ وغيرِه فلعلّه كانَ نشراً لهذهِ الفضائلِ والمُعجزاتِ لأنّها جاءت على لسانِ الأعداءِ المشحونةِ قلوبُهم بالغيظِ والحسد . فالتراثُ يخلو مِن روايةٍ لأبي الطيّبِ هذا ، سوى الخبثِ الّذي مرّ ذكرُه والّذي يأباهُ كلُّ طيّبٍ ، فكفاهُ أنّه مجهولٌ فريدُ الروايةِ ، وحسبُه هذهِ الفريةُ البيّنة. ودمتُم سالِمين.

 

[1] ما ورد من ورود الحسين بن علي بن آدم على الصادق (ع) غير صحيح قطعاً، فالحادثة متأخرة عن زمان الصادق بأكثر من خمسين سنة، والصحيح في ترجمة هذه الفقرة من النص هكذا:
(فإنّ أبا الصديم الحسين بن علي بن آدم، وشخص آخر من زعماء العرب، قاما بتوبيخ أهل قم على إخراجهم له، فأرسلوا زعماء العرب إليه ليتشفعوا عنده، فأرجعوه إلى قم معززاً مكرماً .. الخ. (تاريخ قم، ص578)
فلعل نسخة سيد الأعيان فيها خلل، أو أنها خطأ مطبعي. والله العالم.