هل يحقُّ للشعوبِ إخضاعُ "الفقيهِ" للمُراقبةِ والمُحاسبةِ كما تفعلُ معَ الحُكّامِ والسياسيّينَ في الأنظمةِ غيرِ الدينيّة (الدّيمقراطيّة)؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
بالضّرورةِ هناكَ تباينٌ في طبيعةِ العلاقةِ التي تربطُ بينَ عامّةِ الناسِ بالنظامِ السّياسيّ الحاكمِ وبينَ طبيعةِ العلاقةِ التي تربطُهم بمراجعِ التقليدِ والفقهاءِ، فالحاكمُ السياسيُّ هوَ المسؤولُ المُباشرُ عن تنفيذِ وإدارةِ المُجتمعاتِ، أي أنّه يمارسُ سلطةً ذاتَ طابعٍ سياسيّ واجتماعيّ واقتصاديّ وأمني، الأمرُ الذي يجعلُ النشاطَ الإنسانيَّ مُتأثّراً بشكلٍ كبيرٍ بطبيعةِ السلطةِ السياسيّةِ التي تحكمُه، ومِن هُنا نلاحظُ اختلافَ نمطِ الحياةِ مِن شعبٍ إلى شعبٍ بسببِ اختلافِ النظمِ السياسيّة التي تحكمُه، ولا يقفُ التأثيرُ عندَ النمطِ العامِّ للحياةِ وإنّما يمتدُّ حتّى في صياغةِ شخصيّةِ الأفرادِ والمُجتمعات، فمثلاً المُجتمعاتُ التي تعيشُ في ظلِّ أنظمةٍ شموليّةٍ وقمعيّةٍ تختلفُ في مستواها النفسيّ والتربويّ والعلميّ والحضاريّ عن المُجتمعاتِ التي تعيشُ في ظلِّ أنظمةٍ ديمقراطيّةٍ تتمتّعُ بالحُرّيّاتِ، ومبدأ المُحاسبةِ الشعبيّةِ الذي أشارَ له السّائلُ يمكنُ تصوّرُه في ظلِّ أنظمةٍ تتمتّعُ بديمقراطيّةٍ حقيقيّة، وذلكَ لكونِ السلطةِ اكتسبَت شرعيّتَها منَ الأساسِ مِن عامّةِ الناسِ، أمّا الأنظمةُ الديكتاتوريّة فإنّها تكرّسُ حكمَ الفردِ الذي يصادرُ حقَّ الآخرينَ في الاعتراضِ أو إبداءِ الرأي.
أمّا طبيعةُ العلاقةِ بينَ عامّةِ الناسِ وبينَ المراجعِ والفقهاءِ فهيَ علاقةٌ دينيّة، لكونِها قائمةً على نفسِ الأساسِ الذي يربطُ بينَ المُكلّفِ وبينَ التكاليفِ الشرعيّة التي أوجبَها الدينُ، ولذلكَ تختصُّ هذهِ العلاقةُ برابطٍ روحيٍّ وأخلاقي قائمٍ على الودِّ والمحبّة، بعكسِ العلاقةِ معَ السّلطةِ السياسيّة التي لا تتعدّى حدودَ الالتزاماتِ القانونيّة، وعليهِ فإنَّ سؤالَ السّائلِ غيرُ متصوّرٍ إلّا في إطارِ نظريّةِ ولايةِ الفقيه، ومنَ المؤكّدِ أنَّ دورَ الفقيهِ ضمنَ نظريّةِ الولايةِ هوَ المحافظةُ على القيمِ الدينيّةِ والمبادئ الدستوريّة للدولةِ الإسلاميّة، وطبيعةُ العلاقةِ بينَه وبينَ عامّةِ المؤمنينَ هيَ الرقابةُ المُشتركةُ لهذهِ القيمِ والمبادئ، فإن حادَ عنها عامّةُ الناسِ جازَ للفقيهِ تذكيرُهم بها وإرجاعُهم إليها، حتّى لو اقتضى الأمرُ إجبارَهم بالسلطةِ القانونيّة، أمّا إذا حادَ هوَ عنها جازَ للأمّةِ تذكيرُه عبرَ مجالسِها المُختصّةِ، فإن رفضَ أو حادَ عنها بشكلٍ لا يمكنُ تقويمُه حينَها وجبَ عزلهُ واستبدالهُ بغيرِه.
اترك تعليق