كيفَ ثبتَ الإمامُ المهديّ (ع) كلَّ هذهِ المدّةِ دونَ أن يتأثّرَ أو يُستفزَّ مِن قِبلِ أعدائِه؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : مواقفُ الأنبياءِ والرّسلِ والائمّةِ ليسَت ردودَ أفعالٍ تتحكّمُ فيها الحالةُ النفسيّة، فهُم أهلُ العصمةِ والطهارةِ يقومونَ بالحقِّ ومِن أجلِ الحقِّ، قالَ تعالى: (قُل هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشرِكِينَ)، ولا يعني هذا أنّهم لا يتأثّرونَ بوقائعِ الحياةِ وما يحصلُ فيها مِن أحداث، فقد بكى الإمامُ الحُسين (عليهِ السلام) يومَ عاشوراء على حالِ أعدائِه وكيفَ أنّهم سيدخلونَ النارَ بسببِه، وعندَما جندلَ الإمامُ عليّ (عليهِ السلام) صنديدَ العربِ وفارسَها عمرَ بنَ عبدِ الودِّ العامري بصقَ اللعينُ في وجهِ الإمامِ آيساً بائساً، فوقفَ صلواتُ اللهِ عليه، وتمهّلَ ولم يُبادِر إلى حزِّ رأسِه لئلّا يكونَ في عملِه ذرّةٌ مِن غضب. وعليهِ فإنَّ الأئمّةَ هُم عبيدُ اللهِ الطائعونَ لأمرِه وسائرونَ على إرادتِه، لا تتحكّمُ فيهم الأهواءُ ولا تأخذُهم العصبيّاتُ ينظرونَ إلى الخلقِ بعينِ الله، ففي البحارِ عن سهلٍ بنِ زياد قالَ: حدّثنا محمّدٌ بنُ سنانَ عن جابرٍ بنِ يزيد الجُعفي قال: لمّا أفضَت الخلافةُ إلى بني أميّةَ سفكوا فيها الدمَ الحرامَ ولعنوا فيها أميرَ المؤمنينَ (عليهِ السلام) على المنابرِ ألفَ شهرٍ وتبرّأوا منه واغتالوا الشيعةَ في كلِّ بلدةٍ واستأصلوا بُنيانَهم منَ الدّنيا لحُطامِ دُنياهم فخوّفوا الناسَ في البُلدان، وكلَّ مَن لم يلعَن أميرَ المؤمنينَ (عليهِ السلام) ولم يتبرّأ منهُ قتلوهُ كائناً مَن كان، قالَ جابرٌ بنُ يزيدَ الجُعفي فشكوتُ مِن بني أميّةَ وأشياعِهم إلى الإمامِ المُبينِ أطهرِ الطاهرينَ زينِ العِباد وسيّدِ الزهّادِ وخليفةِ اللهِ على العبادِ عليٍّ بنِ الحُسين صلواتُ اللهِ عليهما فقلتُ: يا ابنَ رسولِ الله قد قتلونا تحتَ كلِّ حجرٍ ومدر، واستأصلوا شأفتَنا، وأعلنوا لعنَ مولانا أميرِ المؤمنينَ صلواتُ اللهِ عليهِ على المنابرِ والمناراتِ والأسواقِ والطرقاتِ وتبرّأوا منهُ حتّى أنّهم ليجتمعونَ في مسجدِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) فيلعنونَ عليّاً (عليهِ السلام) علانيةً لا ينكرُ ذلكَ أحدٌ ولا ينهرُ فإن أنكرَ ذلكَ أحدٌ منّا حملوا عليهِ بأجمعِهم وقالوا: هذا رافضيٌّ أبو ترابي، وأخذوهُ إلى سُلطانهم وقالوا: هذا ذكرَ أبا ترابٍ بخيرٍ فضربوهُ ثمَّ حبسوهُ ثمَّ بعدَ ذلكَ قتلوه. فلمّا سمعَ الإمامُ صلواتُ اللهِ عليه ذلكَ منّي نظرَ إلى السماءِ فقالَ: سُبحانكَ اللهمَّ سيّدي ما أحلمَك وأعظمَ شأنَك في حلمِك وأعلى سلطانَك يا ربِّ قد أمهلت) وفي المُحصّلةِ لا يمكنُ أن نتصوّرَ أن يكونَ الاستفزازُ كما عبّرَ السائلُ هو المُتحكّمُ في مواقفِ الإمامِ الحُجّةِ (عجّلَ اللهُ فرجَه) وإنّما هوَ محكومٌ بإرادةِ اللهِ لا يسبقُه بالقولِ وهوَ بأمره يأتمِر.
اترك تعليق