هل ينبغي أن يتحوّلَ كلُّ المُسلمينَ إلى "رجالِ دين" مِن حيثُ الورعِ والتقوى؟
هل توجدُ حدودٌ للتديّنِ المطلوبِ منَ المُسلم؟ هل ينبغي أن يتحوّلَ كلُّ المُسلمينَ إلى "رجالِ دين" مِن حيثُ الورعِ والتقوى؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : ليسَ هناكَ حدٌّ يقفُ عندَه الإنسانُ لتكاملِه الرّوحي والمعنوي، وقد فتحَ الإسلامُ الطريقَ أمامَ الإنسانِ ليُحقّقَ بنفسِه أعلى درجاتِ الكمال، حيثُ قالَ تعالى: (نَرفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوقَ كُلِّ ذِي عِلمٍ عَلِيمٌ)، وفي الحديثِ القُدسي عن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قالَ: إنَّ اللهَ تعالى يقولُ: لا يزالُ عبدي يتقرّبُ إليَّ بالنوافلِ حتّى أحبَّه، فأكونُ أنا سمعَه الذي يسمعُ به، وبصرَه الذي يبصرُ به، ولسانَه الذي ينطقُ به، وقلبَه الذي يعقلُ به، فإذا دعاني أجبتُه، وإذا سألني أعطيتُه)، ويصفُ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) المرتبةَ التي عليها حُججُ اللهِ بقولِه: (أولئكَ واللهِ الأقلّونَ عدداً، والأعظمونَ عندَ اللهِ قدراً، يحفظُ اللهُ بهِم حُججَه وبيّناتِه، حتّى يودعوها نظراءَهم، ويزرعوها في قلوبِ أشباهِهم. هجمَ بهِم العلمُ على حقيقةِ البصيرة، وباشروا روحَ اليقين، واستلانوا ما استوعرَه المُترفون، وأنسوا بما استوحشَ منهُ الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحُها مُعلّقةٌ بالمحلِّ الأعلى، أولئكَ خلفاءُ اللهِ في أرضِه، والدعاةُ إلى دينِه. آهٍ آهٍ شوقاً إلى رؤيتِهم) وهناكَ خطبةٌ لأميرِ المؤمنين (عليهِ السلام) تُسمّى بخُطبةِ المُتّقين بيّنَ فيها ما يمكنُ أن يصلَ إليه العبدُ في تديّنِه وعبادتِه للهِ تعالى، وعليهِ مَن أرادَ الكمالَ فليسَ للكمالِ حدودٌ، أمّا مَن أرادَ الحدَّ الذي يتحقّقُ به إسلامُه فعليهِ أن يُحقّقَ الحدَّ الأدنى على ثلاثِ مستويات. أوّلاً العقيدةُ: يجبُ على كلِّ مكلفٍ أن يكونَ عارِفاً بعقائدِه على الوجهِ الصحيحِ، حتّى لو لم يكُن مِن أهلِ العلمِ والاختصاصِ في ذلك، وإنّما يكفي أن يكونَ هوَ معتقداً بها غيرَ شاكٍّ أو مُرتابٍ فيها. ثانياً العبادات: يجبُ على المُكلّفِ الالتزامُ بعباداتِه على الوجهِ الصحيح فلابدَّ أن يكونَ على علمٍ بما فرضَه اللهُ عليه ولا يشترطُ أن يكونَ فقيهاً مُتبحّراً في الأحكام، وإنّما يكفي معرفةُ ما تصحُّ به عباداتُه، كما يجبُ عليه المعرفةُ والالتزامُ بالتشريعاتِ مِن حلالٍ وحرام في كلِّ ما يتعلّقُ بسلوكيّاتِه الحياتيّة. ثالثاً السلوكُ الأخلاقي: مِن أهمِّ الأمورِ التي تميّزُ الإنسانَ المُسلمَ عن غيرِه هي الفضائلُ والقيمُ الأخلاقيّة التي يتحلّى بها في حياتِه، كالصدقِ والسخاءِ والعفوِ والتعاونِ ولُطفِ المُدارة ومُعاشرةِ الناسِ بالمعروف وغيرِ ذلك، ففي الحديثِ: (إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى خصَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله بمكارمِ الأخلاق. فامتحِنوا أنفسَكم، فإن كانَت فيكم فاحمدوا اللهَ جلَّ وعزّ، وارغبوا إليهِ في الزيادةِ منها).وفي المُحصّلةِ على الجميعِ الاجتهادُ في تحصيلِ الورعِ والتقوى، أو كما يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام): (ولكنِ أعينوني بورعٍ واجتهاد)، فالتديّنُ وإخلاصُ العبادةِ للهِ ليسَ عقبةً تُعيقُ حياةَ الإنسانِ حتّى يفكّرَ الإنسانُ في حدودِه الدّنيا، وإنّما هيَ الطريقُ الذي يتجاوزُ الإنسانُ به كلَّ تعقيداتِ الحياةِ ويكسرُ كلَّ قيودِها لينطلقَ في رحابِ الفضائلِ والكمالات، قالَ تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكتُوبًا عِندَهُم فِي التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ وَيَنهَاهُم عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلَالَ الَّتِي كَانَت عَلَيهِم ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ).
اترك تعليق