شبهة أنّ الحج عادة وثنية قديمة
ملحد/ : يا سادة، الحج هو عادةٌ وثنيةٌ قديمةٌ كانت منتشرةً في مناطق الشرق الأدنى القديم، حيث كان عبّاد الأوثان يطوفون حول بناءٍ معين، يعتقدون بقدسيّته اذا ما وجدته فيه تماثيل للالهة القديمة على إختلاف أشكالها وأنواعها، ويقومون أيضا بتقديم القرابين والعطايا تعبيراً عن الشكر والامتنان للالهة على ما رزقته به او لأنها حمتهم وحصّنت محاصيلهم ومواشيهم، وهو شيءٌ قد تعوّد عليه الانسان منذ قديم الزمان، حيث يرجّح ان السبب يعود لأنّ الانسان القديم كان يعجز عن تفسير الظواهر الطبيعية على اختلافها، كالبرق والرعد والاعاصيرِ والرياح القوّية وغيرها من الظواهر التي كانت تؤثّر على حياته البدائية، وقد ساعد تطوّر الخوف هذا الى الاعتقاد بأن هناك قوةً ما وراء تلك الاحداث، ثم تطوّر لاحقاً الى وجوب تقديم قربان لتلك الظواهر من اجل ايقافها بشكل أو بآخر، والنماذج التأريخية على هذا كثيرة ومتواجدة في مناطق الشرق الادنى القديم، وللقارئ والمطّلع على تاريخ المنطقة وخصوصاً حضارة العراق القديم وحضارة مصر القديمة، يجد نماذج كثيرة وعديدة لتلك العادات البدائية.
الجواب :
اولاً : إنّ هذا الاشكالَ مبتنيٌ على خرافيّة الدين، حيثُ هناكَ نظريةٌ تُفسّرُ نشوءَ الأديان، وتعزو سببَهُ الى الجهل، وهذه النظريةُ باطلةٌ على ما سنبيّنهُ في ختام البحث .
ثانياً: مَن قالَ إنّ كلّ ماكان مُشرّعاً في زمن الجاهلية يجب جَبّّهُ و منعهُ وأنّ دينَ الإسلام نسخَ الشرائعَ السالفةَ بتمام تفاصيلها!!؟؟
ومعلومٌ أنّ الحجّ كان مُشرّعاً في الديانة الحنيفيّة الإبراهيميّة وقد بقيَتْ بعضُ طقوسهِ وشعائره في العصر
الجاهلي وهناك العديدُ من الآيات والرّوايات التي تصرّح
بذلك كقول رسول الله صلى الله عليه وآله:
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي أَنْ أَدْعُوَ إِلَى الْحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ،
وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرٰاهِيمَ حَنِيفاً[125] /النساء -علي بن إبراهيم:و هي الحنيفية العشرة التي جاء بها إبراهيم(عليه السلام)التي لم تنسخ إلى يوم القيامة.
كما ان الأديان التي سبقت الحنيفية ايضاً تركت رواسبَ وليس كلّ ما يطلق عليه إسمَ عادات من الضروري أن يكون جاهليّ المنشأ فقد يكون مستنداً إلى أصلٍ شرعي في ديانةٍ سالفة وهكذا الحجُ وطقوسهُ وشعائره مع قَطعِنا أنّهُ-الحج- في الإسلام يختلف روحاً ومضموناً عنهُ في الجاهلية.فقد روي عندنا :عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد عن علي بن أسباط، عن داود بن النعمان عن أبي عبيدة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام - ورأى الناسَ بمكةَ وما يعملون - قال فقال: فِعالٌ كفعالِ الجاهلية أما والله ما أُمِروا بهذا وما أُمِروا إلاّ أن يقضوا تفثهم و ليوفوا نذورَهم فيَمرّوا بنا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم.
الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة 392
ثالثاً : إنّ مثلَ هذا النقدِ عادةٌ قديمةٌ ايضاً قد اعتادَ عليها الانسانُ منذ مهدِ الجاهليةِ الاولى فهل هذا دليلٌ على بطلان النقد ؟.
الردّ على النظرية القائلة إنّ منشأَ الدينِ هو الجهل .
1- : إنّ هذه النظريةَ تخالفُ الوجدان، اذ انّهُ يشهدُ بتدَيُّن جملةٍ من جهابذةِ الفكر كانشتاين وروجيه غارودي وابن سينا وملاصدرا .....
فهل يُعقلُ أنْ ننسبَ هؤلاء الى الجهل ؟.
2- : إنّ أسبابَ الجهل قد انحسرَتْ بفضل التطوّر التكنلوجي الهائل والذي فسّرَ لنا الكثيرَ من الظواهر الكونية التي كانت غامضةً على الأجيال السابقةِ، غيرَ أنّ الظاهرةَ الدينية اخذتْ تتمدّدُ مع تطورِ التكنلوجيا وهذا دليلٌ قاطع ٌعلى خلافِ ما تقولون .
3- : ما الدّليلُ على الملازمةِ بين الدّين والجَهل ؟، ألا يُمكننا أن نقولَ عكسَ ذلك وأنّ هناك ملازمةً بين اللادين والجهل، فحالةُ اللادين منشؤها الجهلُ والدليلُ على ذلك، أنّ أقلّ ما يُمكنُ أن نصفَ به هذه الحالةَ أنّها مخالفةٌ للإحتياط الذي تحكمُ عقولُ العقلاء بلابُدِّيَتهِ في هذه الحالة ، فأيّ الفريقين أولى نسبةً الى الجهل هل هو مَن احتاطَ في هذا الأمرِ العظيم أم مَن تساهلَ في أمرٍ لعلّهُ يقضي على كل وجوده .
اترك تعليق