هل حقّاً أنَّ الإمامَ المهدي(عج)يتدخّلُ في حلِّ مشاكلِ العالم؟
شاهدت مقطعاً فيديوياً لأحد علماء كربلاء المقدسة يتحدث فيه عن تدخّل الإمام المهدي (ع) في وقف قرار (عالمي) يقضي بالحرب ضد إحدى الدول الإسلامية.. هل حقاً أن الإمام يتدخّل في حل مشاكل العالم؟ وأين هو إذن عن ما يحدث في العراق وباقي البلدان الإسلامية؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : أوّلاً: ما هوَ معلومٌ لدينا بالضرورةِ أنَّ الإمامَ المهدي (عليهِ السلام) له دورٌ وتأثيرٌ على مُجرياتِ الحياةِ الإنسانيّة حتّى لو لم نكُن نعلمُ تفصيلاً بهذا الدور، فالإمامُ هوَ خليفةُ اللهِ في أرضِه ومِن دونِ وجودِه الشريف لا يمكنُ للحياةِ أن تستقرَّ أو تستمر، أو كما عبّرَت الرواياتُ بقولِها لولا الحُجّةُ لساختِ الأرضُ بمَن عليها، وقد وصفَ الإمامُ زينُ العابدينَ دورَ الإمامِ بقولِه: (ونحنُ الذينَ بنا يُمسكُ اللّهُ السّماءَ أن تقعَ على الأرضِ إلاّ بإذنِه وبنا يمسكُ الأرضَ أن تميدَ بأهلِها وبنا ينزّلُ الغيثَ وبنا ينشرُ الرحمةَ ويُخرجُ بركاتِ الأرض ولولا ما في الأرضِ منّا لساخَت بأهلها)، وعليهِ مهما بلغَت الإنسانيّةُ منَ العلمِ والمعرفةِ تظلُّ عاجزةً عن الإحاطةِ بأسرارِ الكونِ والسُننِ التي تسيّرُه، ولذلكَ لا يمكنُها أن تُحدّدَ بعقولِها الناقصةِ ما يجبُ على خليفةِ اللهِ في أرضِه أن يفعلهُ، وقد أشارَت الرواياتُ بشكلٍ عامٍّ إلى الفائدةِ مِن وجودِه الشريفِ في غيبتِه، فقد جاءَ عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) في بيانِ وجهِ الانتفاعِ بالإمامِ في حالِ غيبتِه قولهُ: (إي والذي بعثني بالنبوّةِ إنّهم لينتفعونَ به ويستضيئونَ بنورِ ولايتِه في غيبتِه كانتفاعِ الناسِ بالشمسِ وإن جلّلها السّحاب) وعن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السَّلام) قالَ: (لم تخلُ الأرضُ منذُ خلقَ اللّهُ آدمَ مِن حُجّةٍ للّهِ فيها ظاهرٌ مشهورٌ أو غائبٌ مستور ولا تخلو إلى أن تقومَ الساعةُ مِن حُجّةٍ للّهِ فيها ولولا ذلكَ لم يُعبد اللّه. فسألَ الراوي كيفَ ينتفعُ الناسُ بالحُجّةِ الغائبِ المستور؟ قالَ الإمام: كما ينتفعونُ بالشمسِ إذا سترَها السحاب)، وقد أكّدَ الإمامُ المهدي (عليهِ السلام) بنفسِه هذا المعنى، ففي توقيعِه الصادرِ على أسئلةِ إسحاقَ بنِ يعقوب عن طريقِ سفيرِه محمّدٍ بنِ عثمان قالَ: وأمّا وجهُ الانتفاعِ بي في غيبتي فكالانتفاعِ بالشمسِ إذا غيّبَها عن الأبصارِ السّحاب) ثانياً: بالنسبةِ للقصّةِ التي ذكرَها السائلُ فمنَ الصعِب إثباتُها بالطرقِ العلميّةِ بحيثُ يصبحُ التصديقُ بحدوثِها أمراً مُلزِماً للجميع، وفي نفسِ الوقتِ لا يمكنُ الجزمُ بتكذيبِها لكونِ حدوثِها لا يتضمّنُ محالاً عقليّاً ولا مانِعاً شرعيّاً، وعليه لا يمكنُ الاعتمادُ عليها في ترتيبِ آثارٍ اعتقاديّةٍ أو فكريّةٍ أو ثقافيّة وإنّما تظلُّ قضيّةً خاصّةً لمَن حصلَ له العلمُ بحدوثِها. ثالثاً: في حالِ ثبوتِ تدخّلِ الإمامِ المهدي (عليهِ السلام) في بعضِ الأمورِ المُهمّة مثلَ أن يمنعَ حرباً على بلدٍ إسلامي، فإنَّ ذلكَ لا يعني وجوبَ تدخّلِه في كلِّ شؤونِ البشر؛ لأنَّ حصولَ ذلكَ يعنى إبطالَ دورِ الإنسانِ وإعفاءهُ عن المسؤوليّةِ التي خُلقَ مِن أجلِها، وبالتالي افتراضُ تدخّلِ الإمامِ المهدي (عليهِ السلام) في جميعِ مشاكلِ الإنسانيّةِ يتعارضُ مع فلسفةِ الحياةِ ويُخالفُ الحِكمةَ مِن وجودِ الإنسانِ فيها، وعلى ذلكَ فإنَّ الذي يجري في العراقِ مِن أحداثٍ وما يقعُ فيها مِن كوارثَ ومصائبَ يتحمّلُ الإنسانُ العراقيُّ مسؤوليّتَه، فكلُّ المشاكلِ السياسيّةِ والاقتصاديّةِ والاجتماعيّة هيَ نتاجٌ طبيعيٌّ لفعلِ الإنسانِ العراقي، سواءٌ كانَ مسؤولاً عنها بشكلٍ مُباشرٍ مثلَ السياسيّينَ والحُكّامِ ورجالِ الأعمال، أو غيرِ مُباشر مثلَ عامّةِ الناسِ لسكوتِهم وعدمِ سعيهم للتغييرِ، فاللهُ لا يغيّرُ حالَ قومٍ منَ الأسوأ إلى الأحسنِ إذا هُم لم يريدوا ذلك، قالَ تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم)، فالإمامُ المهديّ (عليهِ السلام) لا ينوبُ عنّا في تحمّلِ مسؤوليّاتِنا.
اترك تعليق