السؤالُ هو ( في برهانِ النظمِ لا يثبتُ بأنَّ اللهَ تعالى أزليٌّ وحدَه وأنّهُ وجودٌ أزليٌّ آخر) ممكن توضيح ذلك؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه، لابدَّ أن تلتفتَ أخي السّائلَ الكريم إلى أنَّ صحّةَ وصدقَ الدليلِ تقاسُ بمدى قُدرتِه على إثباتِ مُدّعاه. والدعوةُ التي كانَ بصددِها برهانُ النظمِ أو ما يُعرَفُ في أدبيّاتِ البحثِ الغربيّ اليوم بـ(دليلِ التصميمِ العظيم) هيَ إثباتُ وجودِ صانعٍ عالمٍ لهذا الكون، فمَن تدبّرَ في هذا الكونِ يجدُه يسيرُ وفقَ قوانينَ مُحكمةٍ غايةٍ في الدقّةِ، فعالمُ الطبيعةِ خاضعٌ لنظامٍ مُحدّدٍ ، وكلُّ ما فيه لا ينفكُّ عن النَّظمِ والسُّننِ التي كشفَت العلومُ الطبيعيّةُ عن بعضِها ، وكلّما تطوّرَت هذه العلومُ خطى الإِنسانُ خطواتٍ أُخرى في معرفةِ الكونِ والقوانينِ السائدةِ عليه. ومنهُ يتّضحُ أمران: الأوّلُ: ضرورةُ وجودِ صانعٍ لهذا الكون، فكما لا يمكنُ أن نتصوّرَ اجتماعَ حروفِ وكلماتِ هذا المقالِ وتراصُفَها بالشكلِ الذي تراهُ لولا وجودِ كاتبٍ مِن ورائِها، فلابدَّ مِن وجودِ صانعٍ وراءَ هذا الكونِ العظيم والمُنظّم. الثاني: إنَّ هذا الصّانعَ عالمٌ، لاستحالةِ صدورِ هذا النوعِ منَ الأعمالِ منَ الجاهل. فيُثبتُ دليلُ النظمِ وجودَ صانعٍ عالمٍ لهذا الكون. وأمّا أنّه واحدٌ أو مُتعدّدٌ فهناكَ أدلّةٌ أخرى تتكفّلُ بذلك، وهيَ كثيرةٌ منَ العقلِ والنقل، فمنَ الأدلّةِ العقليّة: أنَّ الصّانعَ واجبُ الوجود، ولابدَّ أن يكونَ واحداً، لأنّه لو كانَ مُتعدّداً لوجبَ أن يكونَ فيهِ جِهتان: جهةُ اشتراكٍ معَ الواجبِ الآخرِ وجهةُ اختلافٍ وامتياز، لأنَّ التعدّدَ فرعُ التمايزِ والاختلاف، فلزمَ أن يكونَ كلٌّ مِنهما مُركّباً مِن جهتين، ولازمُ التركيبِ الحاجة، لأنَّ المُركّبَ يفتقرُ ويحتاجُ إلى أجزائِه، فيلزمُ أن يكونَ كلٌّ مِنهُما مُحتاجاً فقيراً وهذا خلفَ كونِه واجبَ الوجود. والأدلّةُ النقليّةُ على التوحيدِ كثيرةٌ لا حاجةَ لبيانِها فتكفي سورةُ التوحيدِ في ذلك.
اترك تعليق