هل ثبتَت نسبةُ كتابِ (الهفتِ الشريف) للمُفضّلِ الجُعفيّ؟

: السيد عبدالهادي العلوي

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،يعدُّ الكتابُ المتداولُ (الهفتُ الشريف) أو (الهفتُ والأظلّة) منسوباً إلى المُفضّلِ بنِ عُمر الجعفيّ عن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام)، منَ الكُتبِ التي ظهرَت مؤخّراً مِن ضمنِ التراثِ الباطنيّ، وقد وقعَ كلامٌ في أنّه يعدّ مِن تراثِ الإسماعيليّةِ أم النصيريّة، ويبدو أنّه أقربُ للنصيريّة.  وتضمّنَ الكتابُ مسائلَ عديدةً مُخالفةً لتعاليمِ أهلِ البيت (عليهم السلام) واعتقاداتِهم، كالاعتقادِ بالتناسخِ والأكوارِ وعدمِ قتلِ أميرِ المؤمنينَ والحُسين (عليهما السلام) وغيرها ممّا أجمعَت الإماميّةُ على بطلانِها.  وعلماؤنا (رضوانُ اللهِ عليهم) ترجموا المُفضّلَ بنَ عُمر الجُعفيّ في كتبِهم، ورَووا عنهُ الكثيرَ منَ الرواياتِ، وذكروا له كُتباً، وليسَ في كلامِهم ما يشيرُ إلى وجودِ كتابٍ له بهذا العنوانِ أو المضمون، فلم يذكُره قدماءُ الأصحابِ ولا المُتأخّرونَ ولا متأخّرو المتأخّرين، وإنّما ذكرَه الآقا بزرُك الطهرانيّ في [الذريعةِ ج25 ص237] بقولِه: « (الهفتُ والأظلّة) المنسوبةُ إلى المُفضّلِ الجُعفيّ صاحبُ التوحيد، والهفتُ هذا في 67 باباً، وُجدَت بينَ الطائفةِ المُفضّليّةِ في سوريا، فطبعَها عارِف تامِر ببيروت 1960، ثمّ عثرَ مُصطفى غالب بنسخةٍ أخرى مِنها اسمُها (الهفتُ الشريف) وهيَ أيضاً في 67 باباً، لكنّها أكبرُ مِن نسخةِ عارِف تامر، فطبعَها دارُ الأندلس في سورية 1964 في 222+10 ص مع مقدّمةٍ لمُصطفى غالب زيّفَ فيها نُسخةَ تامر »، وكلامُه واضحٌ أنّه ينقلُ عنه بعدَما طُبع وانتشر، وأمّا قبلَها فلم يكُن لدى علماءِ الإماميّةِ عنها خبر.  فالكتابُ لا اعتبارَ له عندَنا لأمور، نذكرُ جُملةً منها:  الأمرُ الأوّل: إنّ أصلَ نسبةِ الكتابِ للمُفضّلِ بنِ عُمر الجعفيّ مشكوكٌ فيه؛ إذ ليسَ في كتبِنا ومصادرِنا أيّ خبرٍ أو دليل على أنّ للمُفضّلِ كتاباً بهذا العنوانِ أو هذا المضمون، فأربابُ الفهارسِ ـ مثلاً ـ ذكروا له (كتابَ فكِّر) وهو كتابٌ متداولٌ يُعرَفُ بـ(توحيدِ المُفضّل)، بينما (كتابُ الهفت) لا ذكرَ له عندَهم، فلو كانَ له لبان، وليسَ المُفضّلُ منَ الشخصيّاتِ المجهولةِ أو المغمورةِ في المُجتمعِ الشيعيّ، بل يعدُّ شخصيّةً معروفةً جداً بينَ أصحابِ الأئمّةِ (عليهم السلام) والرواةِ والعلماء، فلو كانَ له مثلُ هذا التراثِ لأشارَ له علماؤنا ولذكروهُ ونقلوا عنه، وأمّا أن ينعدمَ ذكرُ الكتابِ لا اسماً ولا مضموناً فهوَ أمرٌ غريبٌ جدّاً.  الأمرُ الثاني: لو افترَضنا أنّه كانَ للمُفضّلِ الجُعفيّ كتابٌ بهذا العنوان، ولكن مِن أينَ يُحرَزُ أنّ هذا الكتابَ المطبوعَ بهذا العنوانِ هو ذلكَ الكتاب الذي صنّفَه المُفضّلُ الجُعفيّ؟ إذ تمَّ توارثُ النُّسخِ الخطيّةِ للكتابِ ضمنَ نطاقٍ ضيّقٍ وخاصٍّ وسريّ، فكيفَ يُحرزُ بأنّ هذهِ النسخةَ ليسَت مجعولةً أو محرّفة؟ فقد نفترضُ أنّ للمُفضّلِ كتاباً بهذا العنوانِ أو المضمون لكن ربّما قامَ أحدُهم بتأليفِ كتابٍ وجعلَ عليهِ هذا الاسمَ أو قامَ بتحريفِ محتوى كتابِ المُفضّلِ بالحذفِ والزيادةِ والتبديلِ وغيرِه، ولهذا لا يمكنُ الوثوقُ بهذه النسخةِ المطبوعة.  الأمرُ الثالث: إنّ هذا الكتابَ المتداولَ يتضمّنُ جُملةً منَ المطالبِ الفاسدة والعقائدِ الباطلة التي أجمعَت الشيعةُ على بطلانِها تبعاً للأئمّةِ الطاهرينَ (عليهم السلام)، كما تضمّنَت أموراً جاءَت عندَنا روايات تنصُّ على أنّها زيغٌ وانحراف، كما تضمّنَت أموراً يروي المفضّلُ الجُعفيّ نفسُه في كتبِنا ما يخالفُها.  الأمرُ الرابع: إنّ الكتابَ يتضمّنُ رواياتٍ مزيدةً عليها، يُجزمُ بأنّها ليسَت منَ المُفضّل، ولو أنعَمنا النظرَ في أحاديثِ الكتابِ نجدُ أنّ الأسلوبَ يتغيّر، والكتابَ يتضمّنُ روايةَ المُفضّلِ عن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) كعمودٍ فقريّ للكتاب، وقد تضمّنَ رواياتٍ أخرى مرويّةً عن غيرِه منَ الأئمّةِ (عليهم السلام)، بل مرويّةً بطرقٍ أخرى عن غيرِ المُفضّل، ورواها أشخاصٌ وُلدوا بعدَما توفّيَ المُفضّل حتّى، وهذهِ بعضُ النماذجِ منِ البابِ الخامسِ والستّينَ منَ الكتاب:[1] ص170: « وعن محمّدٍ بنِ نصير، عن يعقوبَ بنِ سالم، قالَ: سأل الصادقُ جعفرٌ بنُ محمّد رجلاً وأنا عندَه.. إلخ ». ومحمّدٌ بنُ نصير النميريّ مِن أصحابِ الإمامِ العسكريّ (عليهِ السلام)، كانَ يقولُ بالتناسخِ والغلوّ في أبي الحسنِ (عليهِ السلام) ويقولُ فيه بالربوبيّةِ، ويقولُ بإباحةِ المحارمِ وغير ذلك، وإليه تُنسَبُ النُّصيريّة. فهذا الحديثُ مِن أحاديثِ القرنِ الثالثِ الهجريّ، بينَما المُفضّلُ مِن رواةِ القرنِ الثاني الهجريّ. [2] ص171: « وعن الحسنِ بنِ عليّ بنِ أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي نصيرٍ، قالَ: كُنّا جلوساً عندَ أبي جعفرٍ الباقر.. إلخ ». [3] ص171: « عن ابنِ عبدِ اللهِ البرقيّ، عن أبي عُمر، عن خالدٍ بنِ سالم، قالوا: كُنّا جلوساً عندَ مولانا جعفرٍ الصادق... إلخ ». أقولُ: الصوابُ: أبي عبدِ الله البرقيّ، وهو محمّدٌ بنُ خالدٍ البرقيّ، كانَ في زمانِ الإمامِ الرّضا (عليهِ السلام). [4]ٍ ص172: « وعن محمّدٍ بنِ إسماعيل، قالَ: دخلتُ على الإمامِ الصادقِ فسألتُه عن البداية.. إلخ ». [5] ص173: « وجاءَ عن محمّدٍ بنِ سنان، عن خراش النهري، عن زرارةَ، قال: كنتُ يوماً عندَ أبي جعفرٍ الباقر.. إلخ ».أقولُ: محمّدٌ بنُ سنان في جيلِ الإمامِ الرّضا (عليهِ السلام)، وفي التعبيرِ بـ « جاءَ عن محمّدٍ بن سنان » دلالةٌ على أنّ الراوي ينقلُ عن ابنِ سنان بالواسطةِ، فهوَ مِن أعلامِ القرنِ الثالثِ على الأقل. [6] ص174: « وعن عليٍّ بنِ يوسف، عن إبراهيمَ بنِ هشام، عن إسماعيلَ بنِ عبدِ العزيز، قالَ: قلتُ للصّادق.. إلخ ».  [8] ص174: « وعن محمّدٍ بنِ إسماعيل، عن جليسٍ له، عن أبي حمزةَ الثمالي، قالَ: قلتُ لأبي عبدِ الله.. إلخ ». [9] ص175: « وعن أبي عبدِ الله البُرقي وعن محمّدٍ بنِ سنان وعن صالحٍ بنِ زياد النيلي، عن يونسَ بنِ ظبيان قالَ: سألتُ مولانا الصادق... إلخ ». يلاحظُ على هذهِ الروايات: أوّلاً: أنّها ليسَت مِن روايةِ المُفضّلِ عن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) بل مِن روايةِ غيره، وثانياً: أنّ جملةً مِن أسماءِ الرواة كانوا بعدَ المُفضّلِ كمحمّدٍ بنِ سنان والبُرقي ومحمّدٍ بنِ نصير وغيرِهم.  نعم، تضمّنَ الكتابُ بعضَ الرواياتِ والأفكارِ فيها سليمة، وبعضُها مرويٌّ في مصادرِنا، لكنَّ العمودَ الفقري والحديثَ المحوريَّ للكتابِ وهوَ روايةُ المُفضّلِ عن الصادقِ (عليهِ السلام) غيرُ مُعتبرٍ وفيهِ مطالبُ فاسدةٌ كما تقدّم، وكذلكَ جملةٌ وافرةٌ منَ الرواياتِ الأخرى المرويّةِ عن غيرِ المُفضّلِ في الكتاب.  وقد كتبَ بعضُ الباحثينَ دراسةً حولَه بعنوانِ (الهفتُ الشريف، كتابٌ منحولٌ على الإمامِ الصادقِ عليه السلام)، ونُشرَ في بعضِ المجلّاتِ العلميّة، يستحسنُ مُراجعتُه والاطّلاعُ عليه، وقد قالَ في خاتمتِه: « خلاصةُ القول: إنّ كتابَ الهفتِ الشريفِ كُتبَ في ظروفٍ غامضة، ووردَت عليهِ أدوارٌ عدّةٌ مِن جرّاءِ الاضطهادِ المذهبيّ والسياسيّ، ممّا جعلَه عُرضةً للتلفيقِ والإضافةِ والحذف، إلّا أنّ المُتيقّنَ أنّه ليسَ للإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام)، ولا صلةَ للمُفضّلِ به، غايةُ ما في الأمرِ أنّ كاتبَه كانَ على درايةٍ ببعضِ عقائدِ الإماميّةِ ومصادرِها الحديثيّة ».  وتجدرُ الإشارةُ إلى أنّ الغلاةَ كانوا ينسبونَ بعضَ الشخصيّاتِ المرموقةَ إلى أنفسِهم، ويعدّونَهم مِن أركانِهم وكبارِهم، وينتحلونَ عليهم الكتبَ، وينشرونَ بأسمائِهم الصحفَ، مع أنّ تلكَ الشخصيّات لا علاقةَ لها بالغلاةِ والمُغالين، بل كانَت شخصيّاتٍ وجيهةً لدى الأئمّةِ (عليهم السلام)، محمودةً عندَ الطائفة، عقائدُها سليمةٌ، سلوكُها مستقيمٌ، لا تشوبُهم شائبةُ الانحلالِ والدجلِ والغلوّ والارتفاع.. فضلاً عن نسبتِهم لبعضِ الشخصيّاتِ الجدليّةِ لدى الطائفةِ أموراً لا نقرُّ لهم بنسبتِها لهم، فربّما تكونُ شخصيّةً جدليّةً عندَ الطائفةِ إلّا أنّ الغلاةَ يضعونَ باسمِه الرواياتِ وينشرونَ الكتبَ المزوّرةَ ليعرِّفوا المجتمعَ الشيعيّ بأنّ هذهِ الشخصيّةَ منهم وإليهم.. فأبو خالدٍ الكابليّ الذي كانَ مِن خاصّةِ الإمامِ السجّادِ (عليهِ السلام) وحواريه ومِن كبارِ الشخصيّاتِ الإماميّةِ التي لا يختلفُ عليها اثنان، ادّعَته الغلاةُ، وجعلَته مِن أركانِهم، ونسبَت له بعضَ الكتبِ التي لا نشكُّ بأنّها معمولةٌ وموضوعةٌ عليه، هكذا يصنعونَ لأنفسِهم أسلافاً وتراثاً!!