هل كانت هندٌ عفيفة؟
السؤال: هل كانت هندٌ — أم معاوية — امرأةً شريفةً وعفيفة؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
بدايةً، لا بأس أنْ يُعلم بأنَّ آكلة الأكباد — هند بنت عتبة — كانت شديدة العداوة للنبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) بمكَّة، ولمَّا تجهَّز مشركو قريشٍ لغزوة أحد، خرجت معهم تُحرِّض المشركين على القتال، ولمَّا مرُّوا بالأبواء، حيث قُبرت أمُّ النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) آمنة بنت وهب (رضي الله عنها)، أشارتْ على المشركين بنبش قبرها، وقالت: "لو نَبَشْتُم قبر أمِّ محمَّد — وفي رواية: بَحَثْتُم — فإنْ أُسِرَ منكم أحدٌ فديتُم كلَّ إنسانٍ بأَرَبٍ من آرابها"! أي: جزءٍ من أجزائها. فقال بعض قريش: "لا يُفتح هذا الباب". ولمَّا التقى الناسُ بأُحد، قامت هندٌ والنسوة اللَّاتي معها، وأخذَن الدفوف يضربنَ بها خلف الرجال [النصائح الكافية، ص112].
إذا بان هذا، عزيزي السائل، فلنذكر جملةً من الشواهد الدالَّة على خبثها وعدم عفَّتها:
الشاهد الأوَّل: ما ورد من وصفها بـ(العاهرة) من قِبل عائشة بنت أبي بكر، والمتبادر من هذه اللفظة هو كونها من البُغاة الزانيات.
فقد ذكر سبط ابن الجوزي أنَّه "لمَّا بلغ أمَّ حبيبة — أخت معاوية بن أبي سفيان — قتلُ محمَّد بن أبي بكر وتحريقه، شَوَت كبشاً وبعثتْ به إلى عائشة تشفِّياً بقتل محمَّد، فقالت عائشة: قاتل الله ابنة العاهرة" [تذكرة الخواص، ج1، ص101].
وقال ابن أبي الحديد في وصفها: "وكانت هندٌ تُذكر في مكَّة بفجورٍ وعهْر" [شرح نهج البلاغة، ج1، ص336].
الشاهد الثاني: ما ورد من وصفها بـ(المُغتَلِمة وحبِّها للسودان) من قِبل النسَّابة هشام بن محمَّد بن الكلبيّ، والمُغتَلِم هو من اشتدَّت شهوته الجنسية.
فقد ذكر ابن الكلبيّ: "وكانت هندٌ من المُغتَلِمات، وكان أحبُّ الرجال إليها السودان، فكانت إذا ولدت أسودَ قتلته" [مثالب العرب، ص73].
وفي نقل القاضي المغربيّ: "أنَّ هند بنت عتبة كانت من العواهر المعلَّمات اللواتي كُنَّ يُخْتَرْنَ على أعيُنِهِنَّ، وكان أحبُّ الرجال إليها السود، وكانت إذا عَلِقَت من أسودٍ فولدت له، قتلت ولدها منه" [المناقب والمثالب، ص240].
الشاهد الثالث: ما ورد في قصَّة عشق مسافر بن أبي عمرو بن أميَّة لها وحملها منه، كما ذكره جملةٌ من المؤرِّخين.
فقد ذكر ابن الكلبيِّ: "أخبرني معروف بن خرَّبوذ، عن موسى بن مخزوم قال: كان مسافر بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف يُتَّهَم بهند... ويقال: إنَّه [معاوية] من مسافر بن عمرو، وكان من أشدِّ الناس حبَّاً لهند، فلمَّا حملتْ منه خاف أنْ يظهر أمره، فرحل إلى عمرو بن هند ملك الحيرة، فأقام عنده حتَّى مات، ثمَّ تزوَّج أبو سفيان هنداً، فولدت معاوية على فراشه" [مثالب العرب، ص72].
الشاهد الرابع: ما ورد في قصَّة ولادة معاوية وأخيه عتبة، حيث كان يُنسب الأوَّل إلى مسافر بن أبي عمرو، والآخر إلى شابٍّ من أهل اليمن يُدعى الصباح.
فقد ذكر القاضي المغربيُّ: "وكانت هندٌ تختار على أعيُنها، فأعجبها رجلٌ فأرسلت إليه فوقع بها فحملت منه بمعاوية، فجاء أشبه الناس به جمالاً وتماماً وحسناً. وكان أبو سفيان دميماً قصيراً أخفش العينين، فكلُّ مَن رأى معاوية — ممَّن رأى مسافراً — ذكره به..." [المناقب والمثالب، ص240].
الشاهد الخامس: ما ورد في قصَّة يزيد بن معاوية مع إسحاق بن طابة عندما غمزه يزيد بأنَّ أمَّه كانت تُتَّهم ببعض بني حرب، فردَّ إسحاق عليه بالمثل.
فقد ذكر سبط ابن الجوزيّ: "جرى بين يزيد بن معاوية وبين إسحاق بن طابة كلامٌ بين يدي معاوية — وهو خليفة — فقال يزيد لإسحاق: إنَّ خيراً لك أنْ يدخل بنو حربٍ كلُّهم الجنَّة! أشار يزيد إلى أنَّ أم إسحاق كانت تُتَّهم ببعض بني حرب. فقال له إسحاق: إنَّ خيراً لك أنْ يدخل بنو العبَّاس كلُّهم الجنة، فلم يفهم يزيد قوله، وفهم معاوية. فلمَّا قام إسحاق، قال معاوية ليزيد: كيف تُشاتم الرجال قبل أنْ تعلم ما يُقال فيك؟" [تذكرة الخواص، ص185].
الشاهد السادس: ما ورد في قصَّة إسلامها من قولها المشهور "أَوَ تزني الحرَّة؟"، لِـمَا كان منها في أيام الجاهليَّة.
قال الطبرسيُّ (طاب ثراه): "روي أنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) بايعهنَّ، وكان على الصفا، وكان عمر أسفل منه، وهند بنت عتبة متنقِّبة متنكِّرة مع النساء، خوفاً أنْ يعرفها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله). فلمَّا قال: "ولا تزنين"، قالت هند: "أَوَ تزني الحرَّة؟"، فتبسَّم النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله)" [مجمع البيان، ج9، ص456].
وقد حرَّف القصَّةَ علماءُ العامَّة، وذلك بحذف تبسُّم عمر بن الخطَّاب، فلاحظ: [تفسير مقاتل بن سليمان، ج4، ص306]، وغيرها.
النتيجة:
المستفاد من هذه الشواهد المتعدِّدة أنَّ هند بنت عتبة لم تكن عفيفةً، بل كانت معروفةً بسوء السلوك والخلاعة في الجاهلية، وقد أقرَّت بنفسها بذلك.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق