هل الإسلام دين عنفٍ وانغلاق؟
#السؤال: يقول ريتشارد دوكينز: (أنا أعتبر الإسلام أحد أكبر الشرور في العالم، ولدينا معركةٌ قاسيةٌ معه بسبب الإيمان الأعمى العنيف لدى المسلمين بأنَّ كلَّ كلمةٍ في دينهم صحيحةٌ لا تقبل الشك. لديهم انغلاقٌ عقليٌّ كبيرٌ غير موجودٍ في بقية الأديان، ولم يكتفوا بهذا الاعتقاد ولكن يريدون إجبار الجميع عليه). #
الجواب:
الادعاء بأنَّ (الإسلام يمثل أحد أكبر الشرور في العالم، ويقوم على الإيمان الأعمى العنيف مع انغلاقٍ عقليٍّ وإجبار الآخرين عليه)، يعكس رؤيةً سطحيَّةً قائمةً على تعميماتٍ غير دقيقة. وقد تطرَّقنا في أكثر من إجابةٍ لمثل هذه الادّعاءات؛ لذا سنوجز الرد في عدَّة محاور:
1-هل الإسلام يمثل أحد أكبر الشرور في العالم؟
القول بأنَّ الإسلام أحد أكبر الشرور، يفتقر إلى الموضوعية ويتجاهل حقيقة أنَّ الإسلام كان - ولا يزال - قوةً حضاريَّةً أسهمت في بناء المجتمعات وتطوير العلوم والفنون والفكر الإنسانيّ.
فقد كانت الحضارة الإسلاميَّة منارةً للعلم، حيث احتضنت الفلسفة، والطب، والفلك، والرياضيات، وأسهم علماؤها في نقل المعرفة إلى الغرب، مما ساعد في قيام النهضة الأوروبيَّة.
والإسلام ليس مجرد نصوصٍ جامدةٍ، بل هو دينٌ يحمل قيماً أخلاقيَّةً وإنسانيَّةً عاليَّة، فلو كان بهذه الصورة السلبية لما استمر قروناً ولما انتشر بهذه القوة بين مختلف الشعوب والثقافات.
فالأصل في الإسلام هو السلام، أمّا الحرب فهي استثناءٌ لا يُلجأ إليه إلَّا في حالات الضرورة القصوى وضمن ضوابط صارمة، وقد أَّكد القرآن ذلك في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 208]، مما يدلُّ بوضوحٍ على أنَّ العنف والتعدي يتنافيان ِمع دعوة الإسلام للسلم.
2-هل الإسلام قائمٌ على الإيمان الأعمى العنيف؟
إنَّ الإسلام لا يقوم على الإيمان الأعمى، بل يدعو إلى التفكّر والتدبّر في كلّ شيء، وإذا نظرنا في القرآن وجدنا أنَّه يركّز بشكلٍ أساسٍ على تفعيل العقل، حيث تتكرّر أوامر التعقّل والتدبّر والتفكّر في مئاتٍ من الآيات، مما يؤكّد على أهمية الفكر النقديّ كأساسٍ لفهم العقيدة - ومن هنا- قرَّر الفقهاء أنَّ التقليد في العقائد محرَّمٌ، وأنَّ كلَّ مكلفٍ يجب أنْ يبني إيمانه على الحجّة والبرهان، كما قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111].
3ـ هل الإسلام يفرض نفسه على الآخرين بالقوة؟
إنَّ الإسلام لا يفرض نفسه بالقوة، بل يعترف بالتنوع ويعتبره جزءاً من حكمة الله في خلقه، ويشير القرآن إلى ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]. هذه الآية موجَّهةٌ إلى البشريَّة جمعاء، ممَّا يعكس رؤية الإسلام القائمة على التعايش والتعارف بين الشعوب والثقافات المختلفة، وليس إقصاء الآخرين أو فرض الدين عليهم.
كما أنَّ الإسلام يدعو إلى التعامل الإيجابيّ حتى مع غير المسلمين الذين لا يحملون عداءً تجاهه، كما قال تعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، مما يدلُّ على أنَّ العلاقة مع غير المسلمين تقوم على البرِّ والعدل، وليس على الإكراه أو العداء.
4ـ هل الإسلام يجبر الآخرين بقوة السلاح؟
الادّعاء بأنَّ الإسلام دينٌ عنيفٌ هو خلطٌ بين تعاليم الإسلام وبين ممارسات بعض الجماعات المتطرّفة التي لا تمثل حقيقة الدين، فالجهاد في الإسلام لا يعني الاعتداء على الآخرين، بل هو وسيلةٌ للدفاع عن النفس وردع العدوان، ولا يُشرَّع القتال إلَّا في حالات الضرورة القصوى.
ومفهوم الجهاد في الإسلام لا يقتصر على القتال، بل يشمل معانيَ متعددةً تبدأ من جهاد النفس وتهذيبها (الجهاد الأكبر) وصولاً إلى الدفاع المسلح عند الضرورة (الجهاد الأصغر)، وحتى في هذا الإطار، هناك ضوابط أخلاقية صارمة، فلم يسمح الإسلام بقتل الأسرى، ولا بملاحقة العدو الفارّ من القتال، كما أنَّ القتال لا يكون إلَّا لردّ الظلم وإقامة العدل، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].
فالإسلام يُعلي من قيمة الحياة، بل يعتبر الحفاظ على النفس من أهمّ المبادئ، حيث قال تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة: 32]، كما أنَّ كرامة الإنسان مصونةٌ في الإسلام، فقد كرَّم الله جميع البشر بغض النظر عن إيمانهم أو كفرهم، فقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70].
وفي المحصلة، ادعاءات دوكينز بشأن الإسلام تعكس موقفاً متحيزاً يقوم على تعميماتٍ غير منصفة، إذ يتجاهل وجود تياراتٍ فكريَّةٍ متعدّدةٍ داخل الإسلام، كما يتجاهل إسهامات الإسلام في الحضارة الإنسانيّة، فالمشكلة ليست في الدين نفسه، بل في الأفراد الذين يسيئون فهمه أو يقومون على استغلاله.
وبالتالي؛ فإنَّ النقد الموضوعيَّ يجب أن يكون متوازناً، لا مجرد خطابٍ تحريضيٍّ يستهدف نشر الكراهية لتنفير الناس من الإسلام.
اترك تعليق