كيف يكون المهدي المنتظر إماماً للناس وهو صغير السن ومثله في الشرع يستحق الحجر عليه في بدنه وماله؟!
جواب السؤال اجمالاً:
1- ان الحجر على الطفل إنّما شُرّعَ لصغر عقله وعدم رشده لا لصغر عمره.
2- القرآن شاهد على جعل النبوة وإتيان الحكمة لأنبياء صغار في العمر والروايات شاهدة على تولية الإمامة لبعض الأئمة في حال الصغر.
3- ان الإمامة - كما النبوّة - اختيار الهي والله وحده يعلم بمناطاتها فهو أعلمُ حيثُ يجعلُ رسالته.
4- المنطق العقلي يدعو إلى قيادة الحَكَم الأقدر الأخبر.
جواب السؤال بالتفصيل:
اولاً: انّ الحِجرَ في الإسلام دائرٌ مدارَ العقل والرّشد عن عدمه فمن كان رشيداً فلا حِجر عليه بالغاً ما بلغ، ومن كان سفيهاً فهو محجورٌ عليه بالغاً ما بلغ وهذا الحكم مجمعٌ عليه.
ولا شك أن الإمام المهدي (عليه السلام) - كسائر ائمة الهدى (عليهم الاف التحية والثناء) - راشدٌ منذ أول تكوينه فلا حجر عليه، وهذا ثابتٌ لهم نظرياً في رواياتهم الشريفة وعمليّاً من خلال المنقول عن القواعد الشعبية التي عاصرت حقبهم (صلوات الله عليهم).
ثانياً: لو كان الأمر كما يقول المستشكل فماذا يقول في عيس بن مريم ويحيى بن زكريا، حيث جعل الله النبوة في عيسى بن مريم (عليه السلام) وكان عمره ساعات قلائل، وليس سنين, قال تعالى: (فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا* يا أخت هرون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا* فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا* قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (مريم)
وقال الله تبارك وتعالى في حق يحيى بن زكريا (على نبينا وآله وعليهم السلام):(يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا )(12)(مريم).
كُنّا نتمنّى على المُستشكل ان يشكل بهذا الاشكال على أولياء العهود الرّضع الذين عقدت لهم ولاية العهد ونطفهم حديثة الانعقاد وعن أخذ البيعة لهم، لكن ماذا نفعل للذي في بصيرته حَوَل!!!
ثالثاً: إنّ الإمامة والنبوّة جعلٌ إلهي كما قال سبحانه في أئمة الحق: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } 73 الأنبياء، وقال عز من قائل: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } 24 السجدة.
وأمّا الإمامةُ فبحسب تعريف أهل البيت على لسان الإمام الثامن علي بن موسى الرضا (صلوات الله عليه):
الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحدٌ، ولا يعادله عالمٌ، ولا يوجد منه بدلٌ، ولا له مثْلٌ ولا نظيرٌ، مخصوصٌ بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضِّل الوهاب، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟..
هيهات هيهات !.. ضلّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وحسرت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألبّاء، وكلّت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله فأقرّت بالعجز والتقص....
وإنّ العبد إذا اختاره الله عزّ وجلّ لأمور عباده، شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاماً، فلم يعْيَ بعده بجواب، ولا يحير فيه عن الصواب، وهو معصومٌ مؤيَّدٌ موفقٌ مسدّدٌ، قد أمِنَ الخطايا والزلل والعثار، يخصّه الله عزّ وجلّ بذلك، ليكون حجّته على عباده وشاهده على خلقه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ..
الكافي الشريف ج1ص201
رابعاً: كما أن الاستدلال العلمي والمنطقي يقودان إلى قيادة الحكيم الأخبر لا قيادة الَهرِم الأكبر، وهذا واضحٌ حتى عند بعض العجماوات كالطيور المهاجرة التي يقود سربها الدليل الذي هو بالطريق أخبر لا الهرم الأكبر.
وقد ثبت بالدليل القرآني والروائي في النقطة السابقة أنهم (صلوات الله عليهم) الأعلم الأكمل.
اترك تعليق