ماهي الطريقة البكتاشيّةُ هل هي نوع من العبادة او تخصص في عقيدة ما؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،الجوابُ: تعـدُّ الطريقةُ البكتاشيّةُ منَ الطرقِ الصّوفيّةِ المعروفةِ التي يدّعي أصحابُها الانتسابَ إلى السّلالةِ العلويّةِ الطاهرة، استناداً إلى ما وردَ في كتابِ (الفكرُ الصوفي في ضوءِ الكتابِ والسنّةِ لمؤلّفِه عبدِ الرحمنِ عبدِ الخالق، ص233)، الذي عرّفَ الطريقةَ البكتاشيّة في كتابِه هذا بقولهِ: الطريقةُ البكتاشيّةُ طريقةٌ صوفيّةٌ شيعيّةُ الحقيقةِ والمنشأ، ولكنّها معَ ذلكَ تربَّت وترعرعَت في بلادِ أهلِ السنّةِ في تركيا ومصر. وتُنسَبُ هذه الطريقةُ إلى خنكار الحاج محمّد بكتاشى الخراساني النيسابوري، المولودِ في نيسابور سنةَ 646 هـ ، 1248م، وينسبُ خنكار هذا نفسَه إلى أنّه مِن أولادِ إبراهيمَ بنِ موسى الكاظم بنِ جعفرٍ الصّادقِ بنِ محمّدٍ الباقر بنِ عليٍّ بنِ زينِ العابدين بنِ الحُسينِ بنِ عليّ بنِ أبي طالب (عليهم السلام) . ويقالُ أنّه تلقّى العلمَ عن الشيخِ لُقمان الخراساني - ولا يُعرَفُ مَن لقمانُ هذا..، ولكن يُقالُ إنّه هوَ الذي أمرَه أن يُسافرَ إلى تركيا لنشرِ طريقتِه الصّوفيّةِ فسافرَ أوّلاً إلى النجفِ في العراقِ ثمَّ حجَّ البيتَ وزارَ وسافرَ بعدَ ذلكَ إلى تركيا، وكانَ هذا في زمانِ السلطانِ أورخان العُثماني المُتوفّى سنة 761 هـ. ويذكرُ أحمد سرى البكتاش (دده بابا) شيخُ مشايخِ الطريقةِ البكتاشيّةِ في مصر الحالي في كتابِه (الرسالةُ الأحمديّةُ في تاريخِ الطريقةِ البكتاشيّة، ص11) أنّ خنكار هذا نزلَ في قريةِ (صوليجية فترة أويوك) والتي قسّمَت بعدَ ذلكَ بناحيةِ الحاجِ بكتاش وما زالت تحملُ هذا الاسمَ إلى اليوم. وأنّه استضافَه هناكَ رجلٌ يُسمّى الشيخَ إدريس وزوجتَه (فاطمة قوتلوملك) وأنّهما أنفقا أموالَهما في سبيلِ نشرِ دعوةِ الشيخِ خنكار الخراساني، ولكن جاءَ وفدٌ مِن خراسانَ لزيارةِ الشيخِ خنكار فلم تجِد المرأةُ ما تضيفُهم به إلّا أن باعَت ثيابَها.. واشترَت بها طعاماً لضيوفِ الشيخِ خنكار الخراسانيّين. ولمّا كانَ مِن عادةِ المرأةِ فاطمة هذه أن ترحّبَ بضيوفِ الشيخِ فإنّها لم تخرُج إليهم لأنّها لا تملكُ ثياباً.. فعلمَ الشيخُ خنكار بهذا منَ الغيبِ فمدَّ يدَه فأخرجَ صرّةَ ملابسَ لها، ثمَّ مدَّ يدَه أيضاً تحتَ البساِط الذي يجلسُ عليهِ فأخرجَ كيسينِ منَ الذهبِ وأعطاهُما للمرأةِ التي جاءَت وقبّلَت يدي الشيخِ ورحّبَت بضيوفِه، وآمنَت بكراماتِه. ولا يخفى ما في هذهِ القصةِ منَ الخُدعة، فخنكارُ هذا لم يخلِق ثياباً ولا ذهباً. وإنّما جاءَ بذلكَ الوفد الخُراساني الذي تجرّدَ بعدَ ذلكَ للدّعوةِ الصوفيّةِ في تركيا، وصنعَ الشيخُ هذا على أنّها كرامةٌ ليسهّلَ ذلكَ له طريقَ دعوتِه في أوساطِ العامّة. وكانَت هذهِ القصّةُ هيَ البدايةُ لنشرِ الطريقةِ البكتاشيّةِ وكذلكَ مجيءُ هذا الوفدِ الخراساني الذي راحَ يروّجُ للشيخِ خنكار الذي كانَ قد مهّدَ الطريقَ للدّعوةِ الصوفيّةِ ولهذهِ الطريقةِ الشيعيّةِ الباطنيّة. ثمَّ انتحلَ الشيخُ خنكار كرامةً أخرى فادّعى أنَّ فاطمةَ قوتلو هذه زوجةُ الشيخِ إدريس قد حملَت عندَما شربَت قطراتٍ مِن دمِ الشيخ.. وذلكَ أنّ فاطمةَ هذه لم تحمَل مِن زوجِها إدريس التُّركي مدّةَ عشرينَ عاماً فلمّا جاءَ خنكار الخراساني وكانَت تصبُّ الماءَ له ليتوضّأ فوقعَت قطراتٌ مِن دمِه في الطستِ فشربَتها المرأةُ فحملَت وتكرّرَ حملها فولدَت حبيباً، ومحموداً ، وخضراً. وهؤلاءِ الأولادُ أصرّوا على أنَّ أباهُم هوَ الشيخُ خنكار.. فيما يذكرُ أحمد سري شيخُ مشايخِ الطريقةِ البكتاشيّةِ في مصرَ أنَّ الشيخَ خنكار هوَ أبوهم الروحي فقط وأن أمّهم حملَت مِن شربِها دمَ الشيخِ وأنَّ الشيخَ خنكار لم يتزوَّج قطُّ طيلةَ حياتِه. أسّسَ الشيخُ خنكار أوّلَ (تكيّةٍ) صوفيّةٍ للطريقةِ وابتدأ الأتباعُ والروّادُ يكثرونَ ، ويسكنونَ في هذهِ القريةِ التي لم تكُن إلّا سبعةَ بيوتٍ فقط ثمَّ اكتشفوا جبلاً مِن جبالِ الملحِ سمّوهُ جبلَ ملحِ الحاجِ بكتاش، واشتهرَ هذا الملحُ حتّى كانَ يموّنُ ويزوّدُ مطابخَ السلطانِ العثماني الذي كانَ يحصلُ منه على مليونين (أقة) - الأقةُ وزنٌ أكبرُ منَ الكيلو بقليلٍ - كلَّ عام..ولمّا ذاعَ صيتُ الشيخِ خنكار بكتاش ووصلَ الأمرُ إلى السلطانِ أورخان العثماني المُتوفّى سنةَ 761 هـ عمدَ هذا السلطانُ إلى الشيخِ خنكار ليُعلّمَ أولادَ الأسرى مِن أهلِ الذمّةِ، وممّن لا أبَ لهم.. ينشئُهم على طريقةِ الدارسينَ البكتاشية. وكانَت هذه الفرصةُ الذهبيّةُ لانتشارِ الطريقةِ وذلكَ أنّ هذا الجيشَ الذي عُرفَ بعدَ ذلكَ بالجيشِ الإنكشاري - أي الجيشُ الجديد، وهوَ الذي كانَ عمادَ الحروبِ التركيّةِ بعدَ ذلكَ ثمَّ كانَ هوَ الجيشُ المُتسلّطُ على كافّةِ مرافقِ الحياةِ في تُركيا.. وهكذا استطاعَت الطريقةُ البكتاشيّةُ أن تنتشرَ وأقيمَت المقاماتُ على قبورِ مَن ماتَ مِن مشايخِها، وبعضُ هذهِ القبورِ غُطّيَت بالذهبِ الخالصِ، وتنافسَ السلاطينُ العُثمانيّونَ في بناءِ التكايا والزوايا والقبورِ البكتاشيّة. مرَّ على الطريقةِ البُكتاشيّةَ أيّامُ مدٍّ وجزرٍ في تركيا فبينَما ناصرَها بعضُ السلاطينِ، عارضَها البعضُ الآخرُ مُفضّلينَ طريقةً أخرى غيرَها فقَد أمرَ السلطانُ محمود الثاني بإلغاءِ الانكشاريّةِ بعدَ أن عاثَت في الأرضِ فساداً، وأغلقَ كذلكَ الزوايا البكتاشيّةَ ولكنَّ السلطانَ عبدَ المجيدِ المُتوفّى سنةَ 1255 هـ عادَ ، فأمرَ بفتحِ الزوايا البكتاشيّةِ مرّةً أخرى.وفي سنةِ 1925 م صدرَ مرسومُ الحكومةِ التركيّةِ بإلغاءِ جميعِ الطرقِ الصوفيّةِ ومِن ضمنِها الطريقةُ البكتاشيّة، وكانَ آخرُ مشايخِها هوَ صالح نيازي الذي سافرَ إلى ألبانيا وانتخبَه الدراويشُ البكتاشيّونَ ليكونَ (رده بابا) وهوَ أعلى منزلةٍ في الطريقةِ أي شيخُ مشايخِ الطريقة. وبعدَ اغتيالِ صالح نيازي هذا سنةَ 1942 م تولى بعدَه ابنُه (دده بابا) الذي قتلَ نفسَه سنةَ 1949 م بعدَ دخولِ البلاشقةِ إلى ألبانيا. ومنذُ ذلكَ الوقتِ انتقلَ المركزُ الرئيسيُّ للطريقةِ ليتحوّلَ إلى مصر ، وتكونَ القاهرةُ هيَ المقرّ الحاليّ لهذهِ الطريقة. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق